الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو بناء اقتصاد متنوّع .. أزمة الاقتصاد الأردني اليوم !

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 6 / 21
الصناعة والزراعة


يُصنّف الاقتصاد الأردني ضمن قائمة الاقتصاديات الصغيرة في الوطن العربي والشرق الأوسط، في ظل عدم توافر موارد وثروات حيوية ترفد قطاعات الاقتصاد، كالنفط والغاز والمياه ومصادر الطاقة ، لذلك تعتمد موازنة الحكومات في الغالب الأعم على المساعدات الخارجية والمنح وموارد الجباية المحلية من الضريبة والرسوم والجمارك ...الخ .
ويواجه الاقتصاد الأردني منذ سنوات عديدة تحديات جمّة، بعضها مرتبط بالسياسات وصناعة القرار مثل الدين العام الذي تجاوز الـ(42) مليار دينار أردني وعجز الميزان الجاري والديون الحكومية المحلية ..الخ وتحديات اقتصادية ناجمة عن الشق الأول تتعلق بالفقر والبطالة والفساد والمحسوبية ..الخ.
حاول الأردن منذ أكثر من عقدين تطبيق وتنفيذ العديد من البرامج الإصلاحية الاقتصادية، وأغلبها بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، مثل تشجيع الاستثمار بحوافز استثنائية، وخصخصة القطاع الحكومي، الذي تم بيع أغلب مؤسساته الإنتاجية للشركات الأجنبية بهدف تنويع مصادر الدخل وانعاش معدلات النمو لتخفيف البطالة والفقر، مثل الاتصالات والكهرباء والمياه ..الخ، وكذلك برامج مختلفة ساهمت نسبيا في تحسين مستويات الدخل المحلي، وانعكست نتائج هذه البرامج على ارتفاع ظاهري للنمو الاقتصادي السنوي وصلت إلى (8%) خلال الفترة 2004-2008م.
في عام 2010م ولمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمية، اتخذت الحكومة عدة قرارات ترمي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية مثل الإعفاءات الضريبية وإنشاء مناطق حرة. لكن بعد ذلك تأثّر الاقتصاد الأردني بالتباطؤ الاقتصادي الإقليمي والعالمي وبالتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات العشرة الأخيرة، فانخفض متوسط النمو إلى ما نسبته (2.5%) عام 2017م، وتضررت بعض القطاعات الإنتاجية والخدمية، مثل العقارات والسياحة.

ومن سوء حظ الاقتصاد الأردني في عام 2020م، أن التراجع في معلات النمو تزامن مع موجة كورونا 2020/2021م، حيث كانت أهم النتائج السلبية في زيادة معدلات الفقر والبطالة، بعد تأثّر قطاعات السياحة والتجارة والخدمات بتسريح عدد كبير من موظفيها في ظل الإغلاقات التي شهدتها البلاد، وانكمش الاقتصاد الأردني بشكل تاريخي لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، فوصلت معدلات البطالة إلى أُكثر من (30%)، وزادت نسب الفقر لأرقام قياسية، وتراجعت معدلات النمو المحلي (1.6%)، صاحب ذلك ارتفاع متزايد في الدين العام الخارجي والمحلي.
لا ريب أن ثمة خللاً مركباً في بنية الاقتصاد الوطني، بدأ منذ الثمانينات ، حيث بُني الاقتصاد على قطاع الخدمات بشكل كبير والذي يشكّل ما نسبة (72%) من الناتج المحلس، بحسب الأرقام الرسمية، وكذلك بُني الاقتصاد على المساعدات والمنح والتي تشكل أكثر من ربع الموازنة العامة للدولة، وذلك بدلاً من الاعتماد المبكّر، ومنذ عقود، على الموارد الوطنية وعناصر الإنتاج والصناعة.
والاقتصاد الذي يعتمد بنسبة كبيرة على قطاع واحد غير مستقر، مثل الخدمات، يتعرض بسهولة لهزّات سريعة عند أول أزمه أو عاصفة قوية، كما جرى مع الأردن خلال كورونا، حيث فقدت الكثير من الأسر الأردنية وظائف المعيل الرئيسي لها أو أكثر من معيلٍ فرعي، وأثر ذلك سلباً على استقرار الوضع المعيشي في البلاد.
وبعد نهاية القيود التي فرضتها كورونا على الأردن ودول المنطقة، ظهرت بعض المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الأردني منذ منتصف العام الماضي، حيث ارتفعت نسبة الصادرات الأردنية إلى الخارج بشكل جيد، وعادت الحياة إلى القطاع السياحي وأعادت الحكومة فتح كافة القطاعات التجارية والاقتصادية في البلاد.
رغم ما سبق، قامت الحكومة بتنفيذ مشاريع ضخمة حيوية في قطاعات المياه والطاقة (مشروع جر مياه الديسي) ومشاريع الطاقة المتجددة، فضلا عن مشاريع أعلنت عنها الحكومة ( 2021 - 2023) خاصة مشروع " الناقل الوطني للمياه، وتقدر كلفته بنحو ( 2.2) مليار دينار اردني .
منذ مطلع العام الحالي، أمر جلالة الملك الحكومة وبالتنسيق مع الديوان الملكي بتشكيل لجنة اقتصادية لوضع خارطة طريق لمستقبل الاقتصاد الأردني للسنوات المقبلة، بحيث تقدم اللجنة بعد شهور قليلة خطة عمل واضحة وبرنامج عملي قابل للتنفيذ وعابر للحكومات، تساهم في التصدي للتحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني وتعزيز مشاريع التنمية وتقديم الحلول الجادة والحيوية لمواجهة مشكلات الفقر والبطالة.

لقد تصدى الاقتصاد الوطني للعديد من الأزمات والصدمات المحلية والإقليمية، واستطاع الصمود في وجه العصوبات رغم محدودية موارد الدولة، واليوم جاء دور كافة مؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني والقطاع التجاري والصناعي الوطني، لتحمّل المسؤولية بروح الفريق الواحد والسعي لمواجهة الواقع وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية تنقذ اقتصاد الأردن من الوضع القائم.
واللجنة الوطنية التي تشكلت مؤخراً، تهدف فيما تهدف إليه ، إلى تحفيز الاقتصاد ورفع معدلات النمو وخلق وظائف جديدة وتنويع خيارات الحكومات المقبلة وتحسين معيشة المواطنين، وذلك من خلال التركيز على القطاعات الاقتصادية ذات الجدوى المناسبة لزيادة الإنتاج ورفع مستوى الدخل المحلي وتشغيل المواطنين، وهي فرصة من خلال اللجنة الاقتصادية للبحث عن قطاعات حيوية جديدة تنوّع خيارات الاقتصاد الوطني، بعيداً عن القطاعات التقليدية، خاصة الخدمية .
إن الأردن بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، للاعتماد على الذات وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية والاعتماد على قدرات وإمكانيات الاستثمار المحلي لرفع معدلات النمو وخلق فرص عمل جديدة في السوق المحلي.
والمطلوب اليوم تصويب ومراجعة مسار الاقتصاد الوطني وتحديد نقاط القوة والضعف، لتعزيز عناصر القوة وتلافي السلبيات، وتجاوز مرحلة جلد الذات من خلال تشخيص الواقع كما هو بدون تجميل، للقدرة على وضع المسارات الصحيحة لخطة تعزيز وبناء اقتصاد وطني متنوّع مستقر، يقوم على تنويع هيكلة وبينة القطاعات الاقتصادية التقليدية وتعزيز وتطوير البنية التحتية الاقتصادية واللوجستية وخلق اقتصاد مرن يجدول الأولويات وفقاً لعناصر الإنتاج والدخل والتنمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح