الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة ممنهجة وسجلٌ أسود باستهداف الصحافة.. بأي ذنب قُتلت شيرين!!

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 6 / 21
حقوق الانسان


ماتت شيرين .. ولم تعرف بأي ذنب قُتلت وماذا اقترفت !! تهمتها الصحافة..وجريمتها كلمة حق، بنظر "غربان" الظلام ودعاة تكميم الأفواه وقتل الديمقراطية.. قتلت "شيرين" وغيرها الكثير.. خشية اماطة اللثام عن انتهاكات يجب أن تبقى في غياهب النسيان.
لقد كشف استهداف الصحفية الفلسطينية، التي تحمل الجنسية الأمريكية، شيرين أبو عاقلة، سجلاً حافلاً وطويلاً من القتل الممنهج الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الصحفيين ومقرات عملهم، سواء الفلسطينيين أو الأجانب... والغريب في الأمر، وكما هو الحال في مسيرة كافة قوى الاحتلال في العالم، مرّت كافة قضايا تصفية وقتل الصحفيين بدون حساب أو عقاب الجناة !!
لقد هز خبر اغتيال الصحفية أبو عاقلة العالم بأسره، وفتح الباب على مصراعية تجاه انتهاك حقوق الصحفيين في فلسطين المحتلة وفي مختلف بقاع الأرض، خاصة في ظل ازدواجية معايير المجتمع الدولي وردود الفعل تجاة مسألة الاعتداء على حرية وعمل الصحفيين من منطقة لأخرى، ومن جاني لآخر، فرأينا الغرب والولايات المتحدة يدين بأشد العبارات ويتّخذ أقصى الاجراءات العقابية ضد روسيا وحربها في أوكرانيا واستهداف الصحفيين، فيما يدين بحياء وعلى خجل مقتل وتصفية واعتقال الصحفيين في مناطق النزاع في فلسطين والعراق وسوريا .
لم تكن "شيرين" أولى ضحايا اغتيال صوت الحقيقة، ولن تكون الأخيرة، سبقها قبل ذلك الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني عام 1972م، والكاريكاتير الفلسطيني "ناجي العلي" المعروف بـ(حنظلة) عام 1987م. وسبقها في العالم مئات الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لممارسة "مهنة المتاعب" في ظل جور الأنظمة القمعية أو بطش قوات الاحتلال .
فهناك اكثر من (55) صحفي/ة فلسطيني وأجنبي لقوا حتفهم على يد القوات الإسرائيلية منذ عام 2000م وأكثر من (144) صحفي/ة تعرضوا للاعتداء الشخصي والايذاء خلال السنوات الأربع الأخيرة، بحسب التقارير الدولية، فاستهدف الصحفيين الذين بذلوا ما بإمكانهم لنقل الحقيقة، لم ينل فقط الفلسطينني، بل استهدف كل صحفي حر، عربي وغربي، إذ لقي الصحافي الإيطالي المستقل رفاييل تشرييلو حتفه برصاصهم أثناء تأدية عمله برام الله عام 2002، كما قتل الصحافي الويلزي جيمس هنري برصاص الاحتلال حين كان يصور فيلمًا وثائقيًّا برفح، ولم يحاكم الجندي الإسرائيلي، رغم تحديد هويته!
وعلى الصعيد العالمي، لقي في عام 2021 (27) صحفياً حتفهم بسبب طبيعة عملهم وتغطيتهم الميدانية بحسب التقارير الدولية ، ووفق لجنة حماية الصحفيين فان عدد الصحفيين السجناء على مستوى العالم ارتفع إلى رقم قياسي خلال عام 2020م، في ظل سياسة تكميم الأفواه وتضييق الخناق على عمل الاعلام والصحافة في مختلف بلدان العالم، خاصة في مناطق الاضطرابات والنزاعات.
وتعرض أكثر من (270) صحفيا للاعتقال في عام 2021، وهو أكبر رقم تسجله لجنة حماية الصحفيين الدولية منذ مطلع التسعينيات. فيما بلغ عدد الصحفيين المسجونين في العالم 250 صحفيا على الأقل.
وتمارس الدول القمعية سياسة ممنهجة لقمع الصحافة وتشديد الرقابة وتقييد المعلومات والتهديد والعنف، بهدف منع نقل التغطية الإعلامية المستقلة. فحتى خلال أزمة كورونا تعرض مئات الصحفيين في العالم للاعتقال والحبس والتوقيف، بحسب التقارير الرسمية، بسبب منعهم من تغطية الممارسات الحكومية المتعلقة بمواجهة الجائحة، خاصة في الشرق الأوسط.
وفي عام 2020م ألقى تقرير دولي باللوم على الولايات المتحدة الأمريكية لعدم وجود قيادة عالمية تدافع عن القيم الديمقراطية والحرية، وذلك في معرض دفاعها عن الصحفيين الذين تعرضوا للقتل والاعتقال في بعض الدول التي وفرت لها أمريكا "الغطاء لممارسة الاستبداد والقمع ضد الصحفيين في بلدانهم"، سواء في الدول العربية أو في فلسطين المحتلة.
كما أدرج مؤشر حرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" 2021م.. (12) دولة إضافية في قائمة الدول المصنّفة "شديدة الخطورة" بالنسبة للصحفيين، ليصل العدد إلى 28 دولة، في سابقة لم يشهدها هذا التقييم من قبل!! وكما ورد في تقرير حرية الصحافة الدولي، فلا تزال أوضاع حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير في الكثير من الدول العربية وإسرائيل وفي الشرق الأوسط مقلقة للغاية.
وخلال الأزمات والنزاعات، يقوم الصحفيون بمهمات خاصة، إذ يوفرون أدق التفاصيل المتعلقة بالقصص والأحداث التي يسعى أطراف النـزاع للتستر عليها أمام الرأي العام المحلي والعالمي.
وأكثر ما يتعرض له الصحفيون خلال ممارسة مهامهم في مناطق التوتر هي الانتهاكات التي تودي بحياتهم، والسبب الرئيسي لهذا النوع من الانتهاكات هو تواجدهم المباشر في مناطق النزاع لتغطية الأحداث ونقلها مباشرة، وغالبا ما يتم استهدافهم بشكل متعمد، على الرغم من التزام الصحفيين بارتداء اللباس الخاص بالصحافة ويحملون بطاقات تدّل عليهم.. إلا أنهم يتعرضون بشكل مستمر للانتهاكات والاعتداء.
ولا جديد يقال في أن عملية اغتيال الصحفية شيرين" يعتبر انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الانساني التي توجب احترام وحماية الصحفيين العاملين في مهام مهنية في مناطق النزاع المسلح أو الاحتجاجات .
فحرية الصحافة نابعة من حرية التعبير عن الرأي وحق الحصول على المعلومة التي كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكافة دساتير دول العالم والمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف وميثاق الامم المتحدة، لقد عكف المجتمع الدولي منذ ما يربو على نصف قرن بتوفير البيئة الآمنة لعمل الصحافة ووسائل الاعلام في مختلف مناطق وظروف العمل، خاصة في أماكن النزاع والتوتر والاضطرابات .
كما أن حصانة الصحفيين تستند الى مبدأ حظر الهجوم أو استهداف الصحفيين والمدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولات الإضافية ، وكذلك يكفل القانون الدولي العرفي حمايتهم، ويحق لهم الحصول على عدد كبير من الضمانات الأساسية وحظر القيام بأي من اعمال الاعتداء على الحياة والجسد، كالقتل والتعذيب والاعتقال أو الايذاء أو التهديد أو استعمال العنف بكافة اشكاله أو الاعتداء على الكرامة والمعاملة المهينة ..
ويعتبر انتهاك اي حق من هذه الحقوق جريمة حرب يتوجب التحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها وفق القانون الدولي والقوانين الداخلية، وينطبق شرط الحماية المتعلقة بالصحفيين على النزاعات الدولية أو الأهلية، وبالتالي فان ما أقدم عليه جيش الاحتلال أو غيره من أجهزة الأمن في الدول القمعية.. يعتبر جريمة مخالفة لقواعد القانون الدولي الانساني والقانون الدولي العرفي وتخالف كافة المواثيق الدولية والقيم الانسانية.
ولم تُحاسب "إسرائيل"، ولا غيرها من الدول القمعيّة، حتى اليوم جرّاء اعتداءاتها المتكررة ضد الصحفيين، رغم تقديم شكاوي رسمية الى المحكمة الجنائية الدولية بحقها بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الصحفيين في الأراضي الفلسطينية، من جانب الاتحاد الدولي للصحفيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين والمركز الدولي للعدالة للفلسطينيين.
وذلك ليس بغريب، حيث أظهرت البيانات الرسمية في عام 2021 أن معدل الإفلات من العقاب أو محاسبة الجناة ضد الصحفيين في العالم، وصل الى نسبة (87٪) وهو معدل مرتفع للغاية مقارنة بمعدل السنوات السابقة.
لقد بذل الاتحاد الدولي للصحفيين جهوداً مضنية من أجل ضمان توفير مستوى من الحماية للصحفيين، خاصة في مناطق النزاع، وتقدّم الاتحاد بمشروع قانون الى الأمم المتحدة في عام 2005م يمنح بموجبه الصحفيين ذات الحصانة والحماية التي يحصل عليها الموظفين العاملين في الأمم المتحدة.. وذلك لاتخاذ تدابير دولية جادة لحماية الصحفيين .. ودعت المنظمة في أكثر من مناسبة أعضاء مجلس الأمن إلى تبني تدابير دولية تحمي الصحفيين من الاعتداءات المتكررة.. وتوفر آليات قانونية عملية لمحاسبة من يقومون بانتهاك حقوق الانسان وحرمة الصحافة والصحفيين.

فهل آن الأوان اليوم أن تتضافر جهود الدول والمؤسسات الدولية المعنية لالزام جميع الاطراف باتخاذ كافة التدابير والاجراءات اللازمة لحماية الصحفيين ومقرات عملهم دون أية ذريعة؟؟
وهل آن الأوان المعاقبة الجناة أفراداً ودولاً بحق كافة الجرائم التي ترتكبها ضد الصحفيين، بوصفها جرائم حرب، وفق أحكام القانون الدولي الانساني ؟؟!!

وسؤالنا المُرهق دوماً.. سؤالٌ عبثي ..
فاذا الصحافة "الموءودة" سُئلت .. بأي ذنب قُتلت شيرين؟!
فهل بوفاتها نحلم بتحقيق نوعٍ من العدالة والحماية للصحفيين والصحافة في العالم ؟

رحم الله شيرين وكل من يحمل أمانة الكلمة والحقيقة..
وعزاؤنا الحار لذويها ... ولأهلنا في فلسطين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #