الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشيتا نو جو.. عندما يغير الكرتون الواقع

وليد الأسطل

2022 / 6 / 22
الادب والفن


في فيلم اليوم السادس تحاول بنت المراكبي إحباط عوكا القرداتي بقولها “حلمك أطول منك”، فيرد عليها بهزل يدعو إلى التدبر”طيب ما أبويا كان قد الباب، شخطة واحدة من أمي تحتار مين بابا ومين ماما”؛ أي أن تحقيق الأحلام ليس مشروطا بحجم إمكانياتنا المادية ولكن بحجم شغفنا وبقوة إرادتنا وإيماننا بأنفسنا.

فإبان فترة الستينات كان هناك ما يعرف بـ”البيضة الذهبية” (Golden egg)، وهو تعبير كان يطلق على الشباب اليابانيين الذين كانوا لا يدرسون، ويشتغلون في الأعمال الشاقة من أجل أن يدفعوا اليابان إلى الأمام، فظهرت منظمة أطلقت على نفسها اسم الجيش الأحمر الياباني، التي اختطفت طائرة كي ترسل رسالة تعبر بها عن رفضها لهذا الوضع، أي أخذ الشباب وتوظيفهم في أعمال شاقة كالبناء… إلخ، و قالوا قولتهم الشهيرة “نحن جو الغد” (we are tomorrow’s joe)؛ يريدون أن يقولوا إنهم سيغيرون الغد مثل “جو” بطل الكرتون الشهير Ashita no Joe الذي كان في بدايته بلا قيمة في المجتمع، ثم أصبح “جو الغد” شخصا مختلفا كليا وبطريقة مبدعة.

الشيء الذي جعل الكثير من اليابانيين يعشقون كرتون “أشيتا نو جو”، أي “جو الغد” المعروف في عالمنا العربي بـ”جو البطل”، هو أن بطل القصة “جو” كان في البداية شخصا سيئا، كان يسرق، ثم تم وضعه في السجن… إلخ. وهذا يعكس فترة الستينات في اليابان، حيث كانت اليابان بحاجة إلى أن تنهض من جديد بعد الحرب العالمية الثانية.

“جو” يعكس شخصية الكثير من اليابانيين في تلك الفترة، خاصة الشباب منهم، الذين كانوا فقراء مثله، وكانت تصرفاتهم تشبه تصرفاته السيئة. ولكن مع تطور القصة سيصبح الأمر مختلفا كليا، حيث ينتقل “جو” من كونه شخصا سيئا إلى بطل حقيقي يتسم بشخصية نبيلة ومتحدية، ليثبت لنا أن النبل مرتبط بالأخلاق وبالسلوك وليس بالنسب، ذلك أن “جو” نشأ في ملجأ للأيتام. من هنا تحول إلى مصدر إلهام للشباب الياباني.

ويشرح لنا هذا الكرتون طريقة تفكير وأسلوب حياة الأبطال الذين يندر أن يتكرروا، وأن البطولة أثقل الأحمال، حين نصاب بالهوس المقدس على حد تعبير المفكر المصري الكبير عبدالوهاب المسيري. “ريكيشي و كارلوس، أحسا بنفس الشيء، نفس الشيء” في مقطع من الكرتون، أي أنهما قد أحسا بالشغف ذاته الذي يتملك “جو” تجاه الملاكمة.

ويعتبر “أشيتا نو جو” أكثر كرتون أثر في اليابانيين، كما يعد عراب كل الرسوم المتحركة التي تتكلم عن الملاكمة، حتى أنه بإمكاني أن أضعه في مرتبة متقدمة على أفلام روكي الأميركية.

وقد نحتت عدة تماثيل لـ”جو” في اليابان، وعندما مات في آخر حلقة من الكرتون أقيمت جنازة حضرها أكثر من ألف شخص، رغم أنه شخصية خيالية لا وجود لها في الواقع. أعلم أن هذا الأمر يبدو سرياليا نوعا ما، لكن هذا ما حدث بالفعل.

لقد تفطن الكثير من الفنانين والأدباء الكبار لضرورة الاقتراب من الناس بغرض فهمهم وبالتالي التأثير فيهم بواسطة كتاباتهم وأعمالهم الفنية. فقد كان معروفا عن مكسيم غوركي كثرة اختلاطه بالعوام، حتى أن جبران في قصته الموسومة بـ”فلسفة المنطق أو معرفة الذات” يقول على لسان بطله سليم أفندي دعيبس “وبي ميْل إلى مجالسة الرعاع وهكذا كان غوركي”.

وهذه الصفة جعلت شخصيات غوركي تبدو حقيقية تماما، فمن قرأ لغوركي لا يمكنه أن ينسى شخصية اللص “تشالكاش”، أو “فلاسوفا” في رواية الأم، فلاسوفا المناضلة أصبحت أما لكل المناضلين، حتى أن المسرحي الألماني برتولت بريشت استمد منها مسرحية الأم الشجاعة.

أقول هذا لأؤكد على أهمية التجارب الحياتية في حياة الأديب، فلو لم يعش حنا مينة عيشة التشرد، ولو لم يتقلب بين مهن متنوعة واختلط بنماذج بشرية متباينة، لما تسنى له ربما أن يجعل شخصيات رواياته تغدو حقيقية في نظر الناس، حتى أن أحد أصدقائه صاح فيه ذات يوْم وهو يقْسم جادا غير هازل “وشرف الطروسي ما قلته صحيح”، والطروسي هو بطل أهم أعمال حنا مينة “الشراع والعاصفة”.

الكثيرون من الفنانين والأدباء الكبار تفطنوا إلى ضرورة الاقتراب من الناس لفهمهم وبالتالي التأثير فيهم بواسطة كتاباتهم

“اعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما” قول لأحد فلاسفة الإغريق.

النقطة الأخيرة هي أن الأدب و الفن من أهم الأدوات المصلحة للوعي، فعلى سبيل المثال حين ضحلت ثقافة الأثينيين وفسد ذوقهم كتب أرسطوفانيس رائعته “ملهاة الضفادع” عام 405 قبل الميلاد، ولحسن الحظ أنها نالت إعجاب الأثينيين، واعتبروها أروع ما جادت به قريحة شعراء الملهاة اليونانية القديمة والمتوسطة والحديثة.

تتحدث المسرحية عن رحلة يقوم بها ديونيسيوس راعي المسرح وإله الخمر إلى عالم الأموات، ليحضر أحد الشعراء الكبار ليصلح من ذوق وثقافة الأثينيين التي كان يرى أنها قد انحطت، “سلاما أسخيليوس، اذهب وانقذ مدينتنا بنصائحك السديدة، علم الأغبياء فما أكثرهم”.

الأمر الذي ليس غريبا على الإطلاق هو أن أثينا سقطت بين أيدي الإسبرطيين بعد سنة من كتابة هذه المسرحية، وهذا دليل واضح على أن الدول والحضارات تسقط عندما يتدهور وضعها الثقافي وحسها الفني، فينعكس ذلك على شكل تطاحن سياسي رهيب كما هو مقرر في المسرحية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع