الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة العراقية في مقابل السياسة

صادق الازرقي

2022 / 6 / 22
الادب والفن


عرف العراق بتنوع مصادره الثقافية واهتمامه باتجاهات الثقافة الحديثة، التي كثيرا ما تنبثق في بحر الثقافة العالمية فيتأثر بها ويؤثر، وعادة ما تنشط الحلقات الفكرية والثقافية ويبرز في خضمها ما يدعى بالأجيال؛ ومن ذلك مثا الجيل الستيني الذي أنتج أدباء وفنانين وتشكيليين ونحاتين متميزين، فضلا عن المثقفين الموسوعيين؛ و ترافق ذلك مع التوجه السياسي الذي تمثل في الدعوة الى الحريات السياسية والفكرية والاجتماعية.
لم يشهد العراق واقعا سياسيا مستقرا ليشجع على ادامة جذوة الثقافة العراقية، وكانت الانقلابات العسكرية والحكومات الفردية والاحداث السياسية العاصفة، عامل احباط للثقافة والمثقفين اعاقت اتجاهات التطور المنشود في الثقافة العراقية، التي طالما عرفت بتفردها وتميزها بإقرار الجميع بمن فيهم نقاد الأدب والفن.
ليست بنا حاجة للإشارة الى النماذج وما اكثرها في هذه المقالة القصيرة؛ ولكن الوضع العراقي وبصرف النظر عن السياسة افرز مبدعين حقيقيين واتجاهات ثقافية وفكرية مؤثرة، انسحبت حتى على الأجيال الحالية التي تتابع بشغف نشاطات شارع المتنبي والمقاهي الثقافية برغم بعض السلبيات، فضلا عن معارض الكتب التي لوحظت كثافة الحضور الى ساحاتها لاسيما من الشباب وحتى العائلات.
لقد تمخض النشاط الثقافي العراقي في الستينات وقبل ذلك في خمسينات وأربعينات القرن الماضي عن نشاط ثقافي ملحوظ واسهامات رائعة في الثقافة العراقية؛ ويمكن ملاحظة ان الثقافة العراقية لم تقتصر على ما يسمى بالنخبة بل اسهم فيها المبدعون من المدن الفقيرة في بغداد والمحافظات، وكثيرا ما كان لهم قصب السبق في الكتابة والريادة وابتكار الأساليب الأدبية المستحدثة وأيضا في التفاعل مع الموجات الأدبية والفكرية التي تنبثق في العالم؛ ولطالما انشغل كثير منهم بالمدارس الفكرية والفلسفية والأدبية المبتكرة ومنها على سبيل المثال ما عرف بالوجودية التي انتشرت في المدة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
يتندر بعض النقاد والمتابعين على واقع حال العراق بالقول، ان العراق لم ينتج سياسيين حقيقيين مثلما انتج ادباء ومثقفين وفنانين فاعلين، ومثلما انتج ادبا وفنا راقيين، ويذهب بعضهم الى التطرف في هذا الرأي بالقول، ان العراق لن يفلح إلا في الأدب والفن في حين يفشل في السياسة على حد وصفهم، وهم محقون في ذلك حين ننظر الى الأمر من زاوية الفشل في ادارة البلد وتحسين احواله، برغم ثرواته الهائلة، في مقابل التميز والتفرد في الابداع العراقي، وتلك الأسماء الكبيرة في الفن التشكيلي والنحت والأدب.
يمكننا هنا ايراد بعض الأقوال التي تنقل عن الفيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر، الذي تأثرت به وباتجاهه الوجودي أجيال من الكتاب العراقيين، التي تدعو الى العقل والإبداع بمعزل عن الواقع المؤلم، إذ يعرب سارتر عن سخريته من السياسة بالقول ان السياسة هي علم، يمكنك إثبات أنك على حق وأن الآخرين على خطأ، او حين يدعو الى التحرر بغض النظر عن الواقع بقوله، ان الحرية هي ما تفعله مع ما جرى فعله بك، و الحياة تبدأ من اليأس، والعقل هو جوهر التاريخ ومضمون الواقع؛ وماذا يهمني من المشتري؟ العدالة هي قضية الإنسان، وليست في حاجة إلى إله لتدريسها.
لقد دأب مبدعو العراق برغم الإخفاقات السياسية والاضطهاد الذي تعرض له كثير منهم وموجات الهجرة الجماعية للأدباء والمثقفين، لاسيما في نهاية سبعينات القرن الماضي التي امتدت الى الأجيال اللاحقة، على التقاط أيما فرصة لمعاودة الحياة والالتجاء الى العقل لإدامة الإبداع والتميز، وهو ما يتوجب ان يحرص الجميع على معاودة ومواصلة زخمه؛ كي تواصل الأجيال الحالية من الكتاب والمبدعين إدامة أواصر الارتباط مع ماضي الإبداع العراقي قريبه وبعيده، برغم معضلات الانتشار التي تولدها محدودية المنابر الثقافية التي تجمع ابداعهم، ومنها على سبيل المثال افتقارنا الى المجلات الأدبية والثقافية والصحافة الأدبية المتخصصة أو قلة عددها، ومحدودية المسابقات الإبداعية لدينا، فضلا عن المشكلات المتعلقة بدور النشر وانسحاب كثير منها الى خانة العمل التجاري الصرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل