الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-انحدار حضارتنا أمر لا مفر منه-

بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)

2022 / 6 / 24
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


إن تقرير " ميدوز" - Rapport Meadows (1) - عمره الآن 50 عاما. ولا تزال إعادة إصداره هذه السنة، أمرًا بالغ الأهمية. ويبدو أن عالمنا القائم على النمو محكوم عليه بالفشل. فهل الانهيار حقيقة أم مجرد نظرة مبالغ فيها ؟
---------------------------------
(1) يصف تقرير "ميدوز" نتائج نموذج خوارزمي عشوائي مبرمج بالكمبيوتر في عالم محدود ، وكانت هذه أول دراسة رئيسية سلطت الضوء على المخاطر البيئية للنمو الاقتصادي والسكاني. يمكن تلخيص هذه الأخطار في عبارة واحدة: الانهيار الحضاري.
------------------------------------------

خلق هذا التقرير ضجة كبيرة في العالم. حتى أنه يعتبر في كثير من الأحيان واحدة من معالم الإيكولوجيا السياسية. ومع ذلك ، فإن أفكار تقرير عام 1972، لم يتم تناولها إلا القليل جدًا من قبل القادة السياسيين. بفضل هذا التقرير ظهر لأول مرة أن الاقتصاد لا يمكنه الاستمرار في النمو إلى ما لا نهاية في عالم محدود.

إن أحدث نسخة من هذا التقرير، صدرت تحت عنوان "حدود النمو في عالم محدود". وظل "دينيس ميدوز" - Dennis Meadows- أحد المعدين لهذا التقرير، الدفاع عن اعتقاده بأن النموذج الغربي كان محكوما عليه بالفشل ، ودعوته إلى ضرورة الخروج من دائرة التخمة.

في عام 1972 ، حذر تقرير "نادي روما" الحكومات بأنه يتعين عليها تنظيم نفسها لتجنب التدهور المستمر في رفاهية الإنسان. وأظهرت إعادة إصداره سنة 1992 أن البشرية قد تجاوزت بالفعل حدود الكوكب. وبعد ثلاثين عاما ، تم التساؤل: هل فات الأوان لتجنب الانهيار؟

حسب "دينيس ميدوز"، إن مصطلح "الانهيار" هو كلمة بسيطة للغاية ، لكن العالم أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير. فبعض المجتمعات ، على سبيل المثال في منطقة الساحل ، منخرطة بالفعل في عملية الانهيار. من ناحية أخرى ، من غير المرجح أن تشهد المناطق والشعوب الأخرى تغيرات كبيرة في العقود القادمة. والتدهور هو مسار تدريجي ، تدهور تدريجي للموارد الطبيعية ، والتلوث التدريجي للمياه ، وما إلى ذلك. ومع ذلك ، في عام 1972 ، كان لا يزال لدينا فرصة لإبطاء هذه العملية ، على الأقل من الناحية النظرية ، والحفاظ على التركيبة السكانية والاستهلاك عند مستويات مستدامة. وهذا لم يعد ممكنا. بطريقة أو بأخرى ، سوف تنخفض الخصائص المادية للمجتمعات.

غالبًا ما تساءل "دينيس ميدوز" ما إذا كان الأباطرة الرومان اعتقدوا أنهم كانوا يمرون بالانهيار. وخلص إلى أن "الإمبراطورية" الغربية الليبرالية الجديدة تتبع ببساطة دورة الحياة التي سادت لعشرات الآلاف من السنين الماضية. ولا يفهم حقًا لماذا نتخيل أن مجتمعنا يجب أن يعيش إلى الأبد ، وأننا يجب أن نتجنب بشدة فقدانه. وفي إحدى تصريحاته قال: "منذ أن تقاعدت وأنا أقرأ كتب التاريخ عن صعود وسقوط الحضارات. الفينيقيون والأزتيك والرومان والمغول ... عندما ندرسهم ، نبدأ في الاقتراب من تدهور الآخرين بطريقة أكثر استرخاءً... إن انحطاط حضارتي يجعلني حزينًا ، لكن هذا في ترتيب الأشياء".

فماذا يمكن ان نتوقع؟
وتوقع "دينيس ميدوز" أن يكون لهذا التراجع العديد من النتائج الاجتماعية والسياسية. فالنمو هو احتمال حصول الجميع على المزيد منه ، وهذا يشكل أساس الإجماع السياسي في الديمقراطيات الغربية. لكن ليس هو الحال في الديكتاتوريات ، حيث يتم اتخاذ جزء كبير من القرارات من طرف رأس الدولة.
يكفي النظر فقط إلى الديمقراطيات الغربية، فليس سراً معاينة اليوم طفرة في الحكومات الشعبوية والسلطوية ، بما في الولايات المتحدة. ففي السياسة ، لا يمكن لعامل واحد أن يفسر كل شيء. إن القيود المادية بدأت بالفعل في الحد من القدرة على تكوين ثروة حقيقية. منذ زمن بعيد ، ابتكر أناس مثل "هنري فورد" طرقًا لإنتاج ثروة حقيقية. فمن الآن فصاعدًا ، يجب على النخب أن تأخذ من الآخرين لتصبح أكثر ثراءً. يحدث نمو الناتج المحلي الإجمالي اليوم في القطاع المالي ، وليس في التصنيع ، وحتى أقل من ذلك في الزراعة.

فكيف الحد من هذا التدهور ؟
يجيب "دينيس ميدوز" بالقول يجب أن نتأكد من أن يكون هذا التدهور يحدث بشكل سلمي ومنصف وتدريجي. وإذا لم نفعل ذلك ، فإن الأمر يشبه ترك الكوكب يفعل ذلك من أجلنا ، وهو يعد بأن يكون أكثر تدميراً. ويندهش من عدم قدرة الناس على تخيل عالم يعيش تقلص مستمر للموارد. وهذا في وقت أضحى من الضروري تقليص استهلاكنا للطاقة إلى النصف. إن النخب اليوم تتصور أن النمو مازال هو الحل لجميع المشاكل.

إلى اليوم، سعت جميع المؤسسات والسياسيين والاقتصاديين والمواطنين إلى فهم كيفية تحقيق المزيد من النمو. إن الاعتقاد السائد هو أن هناك طريقتان لتحقيق السعادة: امتلاك المزيد ، أو الرغبة في القليل. ويرى "دينيس ميدوز" أن علينا أن نعرف كيف نكتفي بالأقل. وإذا شرعنا في فهم هذه الأشياء ، يمكن بلورة خيارات للحد من التدهور.

فكيف يمكن تفسير أن النمو ظل يمثل الشغل الشاغل لقادة كوكبنا ، رغم أن هذا المسار أظهر منذ عام 1972 أنه كان طريقًا مسدودًا؟

يقر "دينيس ميدوز" أنه من المستحيل فهم الجدل حول حدود النمو دون إدراك مدى فائدته على المدى القصير للحكام. فهذا يمنحهم القوة السياسية والثروة المالية. وعندما يقدم شخص ما بديلاً عن هذا النموذج ، فإنه يُعْتَقَد غريزيًا أنه سيؤدي إلى فقدانهم لقوتهم ونفودهم وثروتهم. وبالتالي يقاومون ذلك بشدة.

وهناك مشكلة الاقتصاديين ، خاصة في الولايات المتحدة ، الذين بنوا حياتهم المهنية بأكملها على فكرة النمو اللامتناهي. إن التساؤل عن ذلك يعني القول إن "علمهم خاطئ "، أو على الأقل مليء بالعيوب. لقد أمضت النخب حياتها في تصور النمو باعتباره الحل لجميع المشاكل.

وبخصوص إشكالية المناخ ، يرى "دينيس ميدوز" أن تغير المناخ هو استعارة مثالية للصعوبة التي يواجهها العالم اليوم: حتى لو كان المزيد من الناس على دراية بواقعه ، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا تزال تتزايد. بالطريقة نفسها ، بدأ الناس يفهمون أن النمو السكاني هو مصدر قلق ، مثل تلوث المحيطات ، ومع ذلك فإننا لا نفعل شيئًا لوقفه.

علما ، حسب "دينيس ميدوز" ، إن وقف تغير المناخ لن يحل المشكلة. إن المشكلة الحقيقية هي النمو المادي المفرط في عالم محدود. ومع استمراره بدأت أعراض التوتر في الظهور. وتغير المناخ أحدهما ، وتآكل التربة وتلوث المحيطات من العوامل الأخرى. بالطبع ، الأمر يستحق محاولة حل مشكلة تغير المناخ. لكن هذا مثل إعطاء الأسبرين لصديق يعاني من الصداع عندما يكون مصابًا بالسرطان. إنه مفيد ، لكن لا يمكننا أن نتخيل أنه سيشفيه. حتى لو تمكنا من إيقاف تغير المناخ بطريقة سحرية ، فلن يحل المشكلة. سيظل هناك نمو، وستظهر أعراض الإجهاد بطرق أخرى.

ومن المعروف عن "دينيس ميدوز"، أنه يؤمن باستراتيجيات المرونة المحلية أكثر مما يؤمن بالمفاوضات الدولية للتعامل مع هذه القضايا. إذ تسمح هذه المرونة بمواصلة العيش على الرغم من الصدمات والمفاجآت. ولطالما كانت الحركة البيئية حركة محلية. إن القضايا المحلية، مثل الجفاف أو إزالة الغابات أو الفيضانات ، هي التي تحفز الناس على العمل. إنه لا يرى إمكانية خلق حركة بيئية عالمية قوية ومأثرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة