الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راعي يسرح بالكلمات في صحراء تشبه الحديقة: عن نوافذ القيصوم

خلف علي الخلف

2006 / 9 / 19
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


المكان وهوية الكلام:
الصحراء ليست تلك التي تعرفها.. هذا ما تخرج به بعد قراءة ديوان نوافذ القيصوم لنايف الجهني الصادر (حديثا ) والذي ياتي بعد ديوانه الاول (كمن لا يمر) ومجموعة شعر عامي بعنوان( شمال الروح ) ورواية( الحدود ) الصادرة بزمن متقارب مع اصدار الديوان
يبدأ ديوان نوافذ القيصوم بـ " وصف لاشياء مهمة " والتي بدت اشبه بترحيب اليف يقودك كضيف/ قارئ الى فضاء المنزل/ الديوان وفي الطريق الى الديوان يبدو مضيفك كمن يذكرك ببعض الاشياء التي لم تخطر ببالك او تلك التي تراها ولا تنتبه لها أو كنت تعرفها ونسيتها :
المكان حرية ميتة
الضوء عتمة ابصرت
الرياح لهاث الجهات
القبلة طلقة الجسد
الوصايا سفن الموتى التي لا زالت تتحرك
ولا ينسى ان يرش قبل الدخول قليلا من العطر: (الذي هو) فضيحة الورد. ولا يريدك ان تنسى ان الكلام(القادم): هو بخار الروح

الشكل يقود البناء:
تتراوح القصائد بدأ من" الامهات" الى "ظل " بين التفعيلة وقصيدة النثر ولا يخضع اختيار شكل القصيدة) تفعيلة - نثر )لتسلسل زمني محدد اذ انه وحسب تواريخ القصائد المدونة بين عامي17- 21 يتنقل بين الشكلين مما يشي ان الشاعر ليس لديه خيار محدد لشكل قصيدته، فهو يعتبر الشكل (خارج ) بالنسبة للشعر!!. ويمكن ان نلحظ بعض الفروقات في بناء النص في نوافذ القيصوم تبعا لشكل القصيدة ففي قصائد التفعيلة يقوم البناء الاساسي للنص على توالد المفردات وارتباطها بشكل متشابك فوقي/ تحتي لتشكل نسيجا لا يعتمد على انزياح دلالة المفردات فحسب بل وانزياح دلالة الجمل التي تبني نصا يتشظى في احالاته وايحاءاته.. الا ان ذلك لا يغري الشاعر بالاسترسال الهذياني الذي لا يقول شيئا ويبدو النص رغم هذا التوالد والتشظي الدلالي مشذبا غير قابل للحذف دون ان يتعرض بناء القصيدة للاختلال
( هذا انت
سفر يمضي...بلاد لا تعرفها
شجر يهذي حين تهز رياح المنفى غصن الموت
هذا انت وحيد
وتناثرت وحيدا تبحث عن اسئلة اخرى)
وفي سيرة القمح ( انا وانت نسائل البدو الذين تفرقوا
بين الصحارى ينشدون
الريح ان تمضي
وتمسح ما على الاوتاد من رمل قديم)
إلا ان هذا لم يجعل الجهني في قصائد التفعيلة ينجو من عطب عام وقعت تحته النصوص المكتوبة تحت هذا الشكل وهو دورانها في فلك الجملة المستقرة والمتوقعة واستخدامها الاجباري لمفردات بعينها يقتضيها الشكل
اما في قصائد النثر فان محور بناءها اعتمد على رمي الاسئلة البسيطة التي تسكن المخيلة الطفلية وعلى البناء المشهدي الذي يتداخل مع سرد شديد الشفافية غير انه غير منهك بالوضوح، كما في "مشاهد "
(كيف لليل ان يراك
في عراء ظهيرة تتمدد على الارض ببطء
وتدحرج براميلها الصفراء على جباه
اطفال يشعلونها سهرا)
وغالبا ما تكون الدهشة هي خاتمة السؤال او المشهد / النص او مبعث ذلك ولا يغرق النص في افتعالها او البحث عنها :
(تندهش حينما ترى غيمة وحيدة
وتصفق للبرق الذي تمكن
من تفريق احلامها)
اذ يبدو المشهد كاملا كتفسير طفلي للاشياء المحيطة بنا ولا يريد ان يترك للكبر فرصة كي يبدد رؤيته للغيمة التي هي احد اهم احلام الطفولة ومنبع تساؤلاتها
و تعتمد قصائد الديوان تفعيلة - نثر على فضاء ذهني لتشكيل الصور ويتبدى ذلك واضحا ايضا في:

(اتنفس كموجة تكبر عن خيطها البحار
وارقب الذين ينحدرون من الغيم
بسهولة)

تضاد الحيرة والقلق:
يرد التضاد في نوافذ القيصوم كلبنة اساسية لبناء النص في بعض القصائد غير انه ليس الحامل الاساس للقصيدة اذ يعبر هذا التضاد نحو حيرة الذات ويتقصاه ولا يقوم اساسا على لعبة تقابل المفردات اذا تبدو هذه الحيرة جوانية ترتد الى مكاشفة الذات ولا تدعي معرفتها
(وتناثرت الان وحيدا تبحث عن اسئلة
اخرى
عن فاصلة تحجب عن سيرتنا ماء الصمت
تكتب ... تسأل
تسكن ... ترحل
تعشق ... تقتل
تكبر ...تذبل
تنسى نفسك بين خطايا الوقت محاطا بالغايات)
ويتضح قلق معرفة الذات أو وقوع هذه المعرفة للذات في منطقة السؤال وتاليا يقود هذا القلق وعدم اليقين الى البحث من خلال تعاقب وتتالي اسئلة اخرى" تحجب ماء الصمت" وبالتالي يبدو هذا القلق غير ساكن بل إنه دائري، إذ تعود هذه القصيدة في نهايتها الى نقطة البدء
(هذا انت
تشبه صوتي .... حين سكتت
ويرد التضاد احيانا عى شكل مفارقة
يحلم الطين بالجفاف
والرمل بالمياه الرطبة
او كما في وصايا
توصيني امي بالكلام
يوصيني ابي بالصمت
وفي دموع الجمر ينعم بالحرقة / لكنه لا يسيل)
هنا تمتزج الدهشة بالتساؤل الطفلي الذي لا يبارح يرمي اسئلته امام حكمة الشيوخ لا ليبحث عن اجابات بل كي يتحاور مع مخيلته التي لا تستطيع الا ان تكون بدئية كما في "ارتواء "مثلا
(واطفو على موجة الصبح اسأل
جدي الذي ما نسته الموارد
والابل والاغنيات العتيقة
لمن كان هذي الغيوم الانيقة ؟
ونحن عطاشى السراب)

الصحراء ..ذاكرة الطفولة وسيرة العائلة:
تبدو الصحراء في كل هذا هي المتن والهامش في قصائد الديوان واذ تبدا الصحراء من عتبة قصيدة " الامهات " اللواتي
( كبرن حين تفرقت اسماؤهن على
على حبال الارض
واخترن العراء )
العراء الذي يحيل الى الصحراء التي لا تنتهي الا بـ " ظل" الذي يأخذ مداه الا في الصحراء. ولا تبدو الصحراء هنا كاي صحراء بل هي صحراء الشاعر التي احتضنت طفولته وتركت بصمتها على روحه، واذ لا تبدو فضاء مفتوحا غير محدد الملامح فهي بذات الوقت غير منغلقة على نفسها فبالقدر الذي لا تشبه صحراء اخرى لان الشاعر يبللها بطفولته ويرمي عليها خزائن الذاكرة فانها تشبه الذات التي تحيل الى ذوات اخرى وتتقاطع معها.. ولا يمكن فصل صحراء الجهني عن طفولته التي لا تحضر الا مبللة بتلك الصحراء كما في " رسم " "حالة عمار" " لوحات" " اصوات" "الطعنة الخضراء" ولا تستحضر النصوص سيرة الطفولة والصبا فحسب بل وعبرها ومن خلالها تروي لنا جزء مهم من سيرة العائلة والمكان ايضا كما في سيرة القمح
( والقمح بال الريح
لا شبح لهذي الارض
ولا ماء لنا
تركو لحيرتهم سؤال العشب وارتحلو الى السهل البعيد.)
او كما في " سيرة " حيث يحضر الجد الذي يذكر المورد
(ان ابل القمح
ماعادت بها الاسفار
من تلك الجهات بلا اغتراب)
او الجد الذي في" التقاطات" يطلق عصافير نعاسه في فضاء الضحى وفي" مطر واشياء" يطل الاب مبللا بالمطر ليقول
(اذا نزل المطر
توقفت الاودية عن الغناء)
ولا تكمل سيرة العائلة بدون" الطعنة الخضراء" التي هي امي و.....
(كلما غابت قرأت رحيلها في الوقت
لا اسفار تصوب في سهول العمر نبضي)
وترد سيرة المكان في نصوص عديدة "حالة عمار" وفي "القريات" ونصوص اخرى المكان الذي يؤرخ في بعض الاحيان من خلال شخوصه (زكي) و (خبز طبازا ) وحين لا ترد الصحراء كمفردة فان النصوص تذكر مايحيل اليه ا/ القهوة/ الفنجان/ الدلة/ الهيل /النجر /المركى/ الربابة/ البدو/ الابل.... الخ واذا كانت بعض هذه المفردات الاشياء : الشخوص قد هجرت الصحراء وسكنت المدن الا ان النصوص لا تذكرها الا عبر ارتباطها بمكانها الاساسي ففي "صوت النجر" نجد انه ( ينثر في فضاء الصبح زغاريده...) وتحضر الصحراء ايضا عبر نباتاتها الرمث القيصوم اشجار الغضا والشيح والشوك غير ان هذه النباتات الجافه تحضر مبللة بخيالات الطفولة عنها
( الابل اذ تنحني باحثة عن الشوك
نرفع نحن رقابنا
باحثين عن زهور الوصايا)

وتحتل الابل ايضا مكانا وثيرا ومدللا اذ لا ترد كمفردة فحسب بل احتلت نص كامل معنون بـ "يا ابلنا "
كما ان صحراء في نوافذ القيصوم ليست جافة قاسية او هي التي يرحل عنها آهلوها من قلة المرعى والماء بل هي صحراء اليفة ودودة وذات مراعي تتعانق دائما مع المطر المفردة الاكثر اشتباكا مع هذه الصحراء

الهجن يحملها المطر
موهمين البرق ان الغيم جاد
...
تبتهج الارض بلغة المطر لانها خرساء

حتى الحزن في صحراء نوافذ القيصوم مختلف فهو وردياً ...والصحراء نافذة نافذة يطل منها الى طفولته واماكنه واشيائه وبدوه وعلى المرأة التي لا يعرفونها:
(الكثبان الحمراء التي تطل
حاملة تفاصيل بدو
رحلو قبل ان يكملو ا لهجاتهم)

(اريدك امراة بلا وصايا
اغنية بلا ايقاع رتيب
غيمة لا يعرف البدو من اين جائت)
وحين يفكر بالرحيل فانه ينتظر العشب حول مياه القرى مما يستحضر في الذهن اساطير الخصب التي سكنت الانسان الاول .

ما يشبه الخاتمة:
يرتل نايف الجهني في نوافذ القيصوم نشيدا شديد الكثافة والبوح ويلفت نظرنا الى اشياء تلازمنا لكننا لم ندرك صياغتها الا من خلال نوافذه
(الظل لا يتوب عن ملاحقة اجسادنا
وكأن العمر الصقه في حكاياتنا كي نسير)

نقف مع الجهني على نوافذه نطل على صحراء و(يكتبنا الكلام على سطور البرد... ) وحين نغادر صحراءه نخرج أيضاً من نوافذ القيصوم مبللين بصحراء تشبه الحديقة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران.. هيئة الانتخابات تعلن عن جولة إعادة لانتخابات الرئاسة


.. -ليش الطفل في غزة يموت؟- وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت الت




.. أسامة حمدان: الاحتلال الفاشي يمعن في حرب تجويع تستهدف أبناء


.. بسبب مسيرات أمريكا في البحر الأسود.. روسيا تعد الغرب شريكا و




.. أعدت سحرا لرئيس البلاد لتتقرب منه.. السلطات في جزر المالديف