الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البورغواطيون وقياس الزمن

عذري مازغ

2022 / 6 / 25
الادب والفن


نسمي الغربيين في المغرب بالنصارى (خصوصا بالدارجة المغربية، او الروم (بالأمازيغية أرومي)، أرومي كنا نطلقها بشكل عام على سكان أوربا ، وعموما المصطلحان يرتبطان في المخيال الجمعي بالخلفيات التاريخة على الرغم انهما مصطلحان سوسيولوجيا يعبران عن الغزاة من أوربا، أرومي نسبة إلى الإمبراطورية الرومانية، أما النصراني فنسبة إلى الحروب او الحملات الصليبية وهكذا برغم اختلاف الروم عن الصليبيين واختلافهما معا عن الاستعمار الفرنسي أو الإسباني، ففي الذاكرة الجمعية يمثلون نفس العنصر البشري: غزاة من الشمال، هناك تسميات أخرى لغزاوت اخرى ربما أو فقط هي للتمييز، الناس القادمون من الشرق عادة نسميهم بأسماء قبائلهم، من الجزائر نسمي القادم منهم ب"أقبلي" أي من منطقة لقبايل بالجزائر، هناك من يعتقد ان أقبلي تعني أسود لكن ليس الأمر صحيح، فالعائلات التي تحمل هذا الإسم مثلا بالأطلس المتوسط هي شقراء وليست بلون أسود، القادمون من جنوب الصحراء نسميهم احرضان (في دروس التاريخ ربط هؤلاء بجيش السلطان إسماعيل ويقال انه جيش عبيد البخاري، ظاهريا يبدو الأمر مقنعا وكلمة أحرضان هي اقتباس لجملة مركبة :"حر ثاني" أي العبد الذي أصبح حرا للمرة الثانية، وعموما لم نبدأ بعد في المغرب في التاريخ بالنحت الأنتروبولوجي للوقوف أو عدم الوقوف إلى هذه الخلاصة، فاللون الإفريقي موجود بالمغرب قبل السلطان العلوي ..

الوافدون من العرب نسميهم بالجمع "إعرابن" ومفردها "أعراب" وهذا الإسم حافظ على قيمته في اللفظ العربي بنفي حرف الياء في النطق الامازيغي "أعرابي" التي تعني البدوي (وليس الأمر للتحقير فأنا ايضا بدوي، إنما الكلمة احتفظت على سياقها الدلالي كما في أوصاف ابن خلدون للعرب ، كلمة "أنسلم" التي تعني المسلم، لا نطلقها على العرب لأنها لا تميز في الدلالة عند الامازيغ بين العرب والأمازيغ الذين هم أيضا مسلمون: "إن الدين عند الله هو التقوى" كما في الحديث واعتقد ان الأمازيغ استوعبوا جيد هذه القولة حينما يسمون العربي ب"أعراب" والتمييز هذا يعبر عن عمق دلالي وهذا يكرس الفهم البورغواطي للإسلام: البورغواطيون هم من القبائل الأولى التي انتفضت ضد وجود إمارة الأمويين بالمغرب: هذا الأمر هو نتيجة تراكمات في الوعي الذي مارسته الملكة داهية وبعدها إكسيلان إضافة إلى انتفاضات اخرى في الغرب الطنجي: "إذا جئتم لنشر الإسلام فنحن مسلمون، لكن لا نقبل هذا التمييز بيننا وبينكم..." هذه كانت خلاصة كل المنتفضين للوجود الأموي بشمال إفريقيا وهي تعكس الوعي حينها بأن المسألة لا تتعلق بنشر دين وإنما تتعلق باستعمارأو هي بلغتنا الحالية تتعق بنفوذ سياسي، ذكاء البورغواطيون في المغرب ليس فريدا حين أرسلو (مخبرين بلغتنا الحالية) قصد الإطلاع على الدين الجديد، حتى إسبانيا أيضا ارسلت وفودا إلى مصر للإطلاع على الدين الجديد (وهذا يذكره المؤرخ الإسباني "إغناسيو أولاغي" في كتابه: "الثورة الإسلامية في الغرب" والذي يذهب بعيد في التحليل ليستخلص انه لم يكن هناك فتح في الأندلس بل الذي كان هو قبول أندلسيين للدين الجديد من خلال علاقتهم بالأريوسية المسيحية والتي إلى حد ما تتشابه مع الدين الجديد الذي هو الإسلام: الأريوسية كانت تنفي الثالوث المسيحي وتعتبر المسيح إنسانا مثل البشر وليس ربا، وهنا يتكلم إغناسيو اعتمادا على وثائق قديمة مسيحية عن وفود إسبانية إلى مصر، وهنا ايضا اتذكر وفود بورغواطية إلى المشرق لفهم الدين بدون وساطة نتج عنها ما نسميه حاليا بالاسلام المغربي : مثلا في غياب آلة لقياس الزمن لتحديد الصلوات الخمس اعتمد البورغواطيون في تحديد اوقات الصلوات على صياح الديك وكان يعمل بهذا التحديد حتى مغرب القرن العشرين قبل أن تظهر الساعة وتنتشر المساجد كما نراها الآن، وهذا لم يكن معروفا سابقا كما يحاول بعض زائري المغرب من مصر حين يصفون المغرب على أن الناس تتنافس فيه في بناء المساجد في الوقت الذي، الكثير من سوسيولوجيي المغرب، يرون أن ظاهرة المنافسة في بناء المساجد جاءت مع الموجة الوهابية والأفغانية وأن قرى هي الآن اصبحت مدنا لم يكن بها مسجد على الإطلاق، وأن يعض المدن، حتى حدود الثمانينات من القرن الماضي كان يوجد بها مسجد واحد او مسجدين (ودعونا نتحفظ على ذكر أسماء هذه القرى او هذه المدن)، لو وضعت صورة مدينة أزرو في العشرينات من القرن الماضي لخجلنا ان نسميها مدينة، إنها تجمع سكاني من الخيم قرب عين تيط احساين واعتقد أن أول الدور فيها كان قشلة عسكرية (قاعدة عسكرية فرنسية) وضعت لخنق السكان الوطنيين، بجانبها حي للبغاء الذي لم يكن معروفا أصلا في ثقافتنا الأمازيغية (في اللغة الامازيغية ليس هناك مرادف لكلمة قحبة) وهذا عكس الذين ينعتون مدنا بالمغرب على ان البغاء فيها متأصل في ثقافتنا الأمازيغية كتسويق لبيع الجنس وعموما البغاء في المغرب ظهر مع ظهور الثكنات العسكرية الفرنسية أو الإسبانية.
كان موضوعي في البداية هو تغريدة في الفايسبوك حول الساعة اليدوية، من خلال الشيء بالشيء يذكر، تطور الجدل إلى امور في التاريخ ، وباعتبارنا بقايا تلك الدولة الرائعة البورغواطية التي تاريخيا همشها التاريخ الرسمي المغربي رغم انها كانت هي السائدة حتى في زمن إمارة زرهونة (دولة الأدارسة في التاريخ الرسمي) ودام سلطانها حتى عهد الدولة الموحدية التي قضت عليها واعتبرتها دولة شيطانية (انتهت إمارة الأدارسة في عهد الدولة المرابطية ومع ذلك بقيت الدولة البورغواطية بسبب إبرام علاقة بيعة او توافق او تحالف، عموما التاريخ الرسمي لا يتكلم عن سر بقاء البورغواطية حتى حدود الدولة الموحدية)..
لا اعرف العلاقة بين الساعة الديكية البورغواطية واختراعات سويسرا، واعتقد بأن للأمر علاقة حتى بالفهم السوسيولوجي للزمن عند دولة سويسرا التي ابدعت ساعات يصيح فيها ديك، وعموما ليس هذا غرض كتابتي ، الغرض هو معرفة ما إذا كان الأمر موجود في باقي الدول في شمال إفريقيا والمشرق: في طفولتي كان ابن النصارى (ودعونا نتكلم اللغة المغربية) في يدهم ساعة، في المدرسة الإبتدائية كان الذين في يدهم ساعة هم أبناء الطبقة المحظوظة، وحين اسأل جدتي بأن تشتري لي ساعة وهي المراة التي اشرفت على تعليمي كانت تقول لي بان الساعة من علامات الجنة وان هؤلاء الذين لهم ساعة يعيشون جنتهم الدنيوية وأني انا ستكون لي ساعة في جنة الآخرة، كانت تقول لي: من يملك ساعة الآن هو في الجحيم غدا لأنه يعيش جنته الآن. اما انا فكانت الساعة مطلبا ملحا لي، ليس لحساب الوقت، بل لأنها لعبة جيدة ان ترى آلة تتحرك عقاربها من تلقاء نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??