الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة المغربية تطالب بحوار اجتماعي حقيقي 1/2

خالد جلال

2006 / 9 / 20
الحركة العمالية والنقابية


لقد أولت غالبية دول العالم عناية خاصة للحوار الاجتماعي باعتباره أسلوبا حضاريا يجمع على طاولته الأطراف المعنية لتدارس مختلف القضايا والملفات الاجتماعية ومعالجة المشاكل المطروحة وكذا فض الخلافات والنزاعات. ومن أجل تحقيق هذا المبتغى، تبادر هذه الدول إلى تفعيل آليات الاستشارة والتشاور والمفاوضة والتوفيق بين مختلف أطراف الإنتاج بهدف تدارس جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك والمتعلقة أساسا بالتشغيل والتكوين والارتقاء بالقوى الإنتاجية ودعم تنافسية المقاولة وكذا ضمان الحقوق الأساسية للأجراء. وفي المغرب، اعتمدت الحكومة الحوار الاجتماعي منذ سنين كأداة أساسية للتشاور بين أطراف الإنتاج في مجال العلاقات المهنية لمعالجة المشاكل الاجتماعية وتحسين وتنظيم علاقات الشغل ووسيلة لإقرار ما يسمى بـ "السلم الاجتماعي". فهل ساهم الحوار الاجتماعي ببلادنا إلى معالجة المشاكل الاجتماعية وتحسين علاقات الشغل؟ وهل أفضت نتائج الحوار الاجتماعي إلى ضمان الحقوق الأساسية للأجراء؟ وما تقييمنا للجلسات السابقة للحوار الاجتماعي ونتائجها وفي مقدمتها "السلم الاجتماعي" ؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار "الحوار الاجتماعي" حوارا حقيقيا؟ وهل يمكن اعتبار النقابات العمالية متورطة في موافقتها على "السلم الاجتماعي" بصورته الحالية؟ وما هي مقومات السلم الاجتماعي الحقيقي؟ هذه بعض التساؤلات التي تطرح للنقاش في العديد من المحافل والمنابر وفي أوساط الطبقة العاملة لأنها لسبب بسيط لازالت تعتبر إشكاليات كبرى وتشكل مبررات انتقاد الأطراف المشاركة في الحوار وتمثل كذلك الدواعي الرئيسية للحركات الاحتجاجية الاجتماعية.
لقد أفضت الجولات السابقة للحوار الاجتماعي بين الأطراف الثلاثة المعنية، حكومة، نقابات وأرباب عمل، إلى فرض "سلم اجتماعي" مجحف وغير عادل تمثل في إعطاء الطبقة العاملة أقراص منومة لتمرير العديد من القوانين التراجعية ووضع قيود على إرادته في تغيير الواقع وتكميم أفواه الأجراء ومنعهم أحيانا بالعنف والتعسف والقتل وبتجريم نضالاتهم ومحاكمتهم أحيانا أخرى. لقد أصبحت هذه المشاهد مألوفة ومتوقعة بسبب تكرارها بالعديد من الوحدات الإنتاجية والخدماتية والضيعات الفلاحية، وأصبحت المضايقات المستمرة ضد العمل النقابي السمة البارزة في ميدان الشغل رغم الأصوات الجريئة المرتفعة هنا وهناك منادية بوضع حد للانتهاكات والتجاوزات التي تطال العمال والنقابيين على حد سواء.
وصل الاستهتار بإرادة ومصير الطبقة العاملة، تلك الشريحة المجتمعية التي تحمل مشعل التنمية على أكتافها، إلى مستوى خطير وغير مسبوق بحيث تكالبت بعض الأطراف على الإجهاز على مكتسباتها ومطالبها من خلال سن قوانين حملت في طياتها تراجعات اجتماعية وأجهزت على مجموعة من المكاسب المهمة التي انتزعتها الطبقة العاملة بنضالات عمالية تاريخية وتضحيات جسيمة عبر عقود من الزمن. ومن هذه القوانين التراجعية يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر مدونة الشغل والأنظمة الأساسية لكل من موظفي وزارة التربية الوطنية، موظفي قطاع العدل والتقنيين...وغيرها.
وبالنظر لهذه القوانين التراجعية، يطرح الأجراء عدة تساؤلات مشروعة حول جدوى الحوار الاجتماعي وتلك الجولات المارطونية والمنسباتية والتي غالبا ما تتم تحت ضغط الاحتجاجات أو الإضرابات قصد إسكاتها بفتح حوار شكلي يراد منه ربح الوقت والمماطلة في تسوية الملفات. وللأسف، لم يحمل الحوار الاجتماعي معه إلا المزيد من الانتكاسات والتراجعات الاجتماعية والمزيد من الإحباطات، الشيء الذي دفع بالطبقة العاملة إلى فقد الثقة في النقابات والنفور من العمل النقابي ورفض التنقيب والتبطيق، بل والتمرد عليها أحيانا من خلال تشكيل جمعيات ولجن وطنية، أغلبها فئوية، بهدف الدفاع عن حقوقها ومكتسباتها.
إن التعامل السلطوي والفوقي المتمثل في انفراد القيادات النقابية بإبرام الاتفاقات مع الأطراف المحاورة دون الرجوع إلى القاعدة العمالية لاستشارتها من خلال عقد المجالس الوطنية قصد التداول حول مختلف الخيارات المطروحة وفتح حوار جاد ومسؤول حول مختلف القضايا التي تستأثر باهتمام واسع لدى الشغيلة، قد أصبح السمة البارزة في العلاقة بين القيادة والقاعدة، بل تدهورت أحيانا إلى أدنى المستويات لتصبح علاقة بين الشيخ والمريد، الشيء الذي كان له الأثر السلبي على الممارسة النقابية الحقيقية كما تتوخاها الطبقة العاملة من جهة وكما ينشده المناضلون الشرفاء من جهة أخرى.
ونتيجة لذلك، فقد ضاقت الطبقة العاملة ذرعا بطريقة تدبير النقابات العمالية لقضاياها الملحة ولملفاتها الاجتماعية الأساسية، وأصيبت بدهشة واستغراب غير مسبوقين للنتائج المخيبة المحصل عليها خلال جلسات الحوار الاجتماعي، بل وأصبحت تنظر بعين الريبة والشك إلى هذا النوع من الحوار الذي يحمل معه بشكل مستمر السلبيات أكثر من الإيجابيات بحيث فطنت الحكومة لقواعد اللعبة الجديدة وأصبحت تعطي القليل باليمنى وتأخذ الكثير باليسرى إما عن جهل وعدم تمكن النقابات من تقنيات الحوار والتفاوض وبتفوق الجهاز الحكومي في هذا الميدان إذ أصبح يصرف اعتمادات مهمة لتكوين المفاوضين ببعض الدول الأجنبية، أو بتساهلها وتواطئها بحيث أصبحت تستسلم بسهولة وتهادن وتوقع دون استشارة الأجهزة التقريرية للنقابة، مما يضع ألف علامة استفهام حول هذه الاتفاقات المشبوهة.
وفي كلتا الحالتين، فإن هذه النقابات متهمة بقبول التوقيع على "سلم اجتماعي" مغشوش ومجحف في حق المأجورين بحيث تهدف من ورائه وضع الأغلال والقيود في أيدي العمال والعاملات، ويراد به تكميم الأفواه ومحاولتها إقناع الطبقة العاملة بالرضوخ والاستسلام والرضى بالأمر الواقع دون أية مقاومة. لقد باتت الطبقة العاملة تتهم النقابات بشكل مباشر وصريح بالمساهمة في الإجهاز على المكتسبات التاريخية وبتسهيل تمرير الحكومة لقوانين مجحفة وظالمة في حق الأجراء.
إن الحوار الاجتماعي الحقيقي والمسؤول الذي تسعى إليه الطبقة العاملة هو حوار شفاف ونزيه مبني أساسا على تعاقد أولي وميثاق شرف بين القاعدة العمالية وبين تنظيماتها النقابية بهدف وفاء وإخلاص هذه الأخيرة لقضاياها والدود عن مصالحها. إن الحوار الاجتماعي الحقيقي المنشود هو ذلك الحوار الذي يفضي إلى نتائج إيجابية ويحقق مكاسب جديدة للأجراء، هو ذلك الحوار الذي يصون المكتسبات ولا يفرط فيها ويدافع عن الحقوق ويعمل على انتزاعها، هو ذلك الحوار الذي يعمل على إقرار سلم اجتماعي حقيقي يضمن مكاسب الشغيلة وحقوقها الأساسية من جهة ويعمل على تأهيل المقاولة وتحسين أدائها وتنافسيتها وتطوير إنتاجيتها من جهة أخرى، وذلك من أجل تنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية.
وكعادتها مع كل دخول اجتماعي جديد، تنظر الطبقة العاملة بعين الترقب والقلق بداية جولات الحوار الاجتماعي يحدوها الأمل في أن تكون نتائجها إيجابية وأن تصطف النقابات إلى جانبها وتعبر عن آلامها وآمالها وأن تقف الند للند في وجه كل من أرباب العمل والحكومة، وأن ترفض أية مساومة أو تنازل للمكتسبات وأن تضع مصلحة الأجراء فوق أي اعتبار، وأن تقول "لا" لاستمرار "سلم اجتماعي" غير منصف كرس لسنين الفوارق الاجتماعية وأجهز على القدرة الشرائية وجمد الأجور وشرعن التسريح الجماعي للعمال وضيق على الحريات النقابية وجرم الحق في الإضراب... وأن ترفع شعار النضال في مواجهة كل أشكال الاستغلال والاستعباد وكل أوجه التفقير والتهميش والإقصاء ومحاربة كل الممارسات الحاطة من كرامة الأجراء والعمل على فرض احترام الحق في ممارسة الحق النقابي وإسقاط الفصل 288 من القانون الجنائي. أما إذا بقيت دار لقمان على حالها، وإذا استمرت مسرحية "الحوار الاجتماعي" المغشوش والمجحف، وتلك الجولات واللقاءات الشكلية والاستعراضية التي تستقبل فيها الحكومة قيادات التنظيمات النقابية وتتطرق إليها مختلف وسائل الإعلام المرئية منها والمقروءة بدون حتى التوقيع على محضر اجتماع أولي يؤطر بشكل عقلاني ومنظم للحوار الاجتماعي خلال السنة بأكملها ويشتمل على الملفات الاجتماعية الكبرى التي سينكب عليها الأطراف خلال هذه الفترة والالتزام بإيجاد حلول عادلة وفي آجال محددة، وإذا لمست الطبقة العاملة ومعها عموم المواطنين أن لا شيء يرجى من هذا الحوار ومن القائمين عليه، فإن لغة الاحتجاج هي اللغة التي ستكون سائدة وسلاح الإضراب هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن احتجاج واستياء وتذمر الشغيلة من سوء تدبير هذه الملفات الاجتماعية والمماطلة في تسويتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| في يومهم العالمي.. العمال يعانون البطالة وقسوة


.. لمن ستذهب أصوات العمال الأميركيين في الانتخابات المقبلة؟




.. كل يوم -د. أحمد غنيم لـ خالد أبو بكر: قانون التأمين الصحي ال


.. الشرطة في جورجيا تفرق محتجين حاولوا اقتحام البرلمان احتجاجا




.. العالم الليلة | عنف الجامعات يثير انقساماً في أميركا.. وجورج