الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار خارج شرنقة

حسام علي

2022 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن دامت في انكلترا حروب داخلية (أهلية) وسادت المكائد السياسية أغلب رحاها بين البرلمانيين والملكيين ما بين الاعوام 1642 و 1650 والتي انتهت بغلبة البرلمانيين، ما أدى الى اعدام الملك تشارلز الاول والانتهاء من سلطة الكنيسة واحتكارها لزمام الامور في البلاد. فكان المنتصر الاول خلال الحرب هي الدفة الاقتصادية التي طردت منافسيها من الساحة السياسية.
فحصلت فيما بعد هذه الحرب، تحولات جديدة في أذهان عامة الناس وطريقة عيشهم التي طالما خضعت لعواطفهم، فتشكلت تيارات وميول فكرية مختلفة وإن كانت متناقضة فيما بينها بداية ولادتها، إلا أنها عبرت عن نفسها ومارست أدوارها بكل جرأة، لم تكن تشهدها من قبل في ظل سيادة التسلط الكنيسي.
تلك التيارات الفكرية، تمتعت منذ البداية بالنظرة الواقعية الى العالم، نظرة متطلعة لمستقبل، قادر فيه أي انسان أن يصنع ما يشاء، بمعونة ما يتوصل اليه من علم وفن، فتفتقت وتحررت الافكار وطريقة التعامل معها، مثلما تتفتق الشرنقة فتخرج منها فراشة تصول وتجول بين أزهار الحدائق التي حرمت منها طويلاً.
لذلك، فقد شهدت (البشرية) في انكلترا عهد الاكتشافات والاختراعات المتزايدة، نظراً لما أولته هذه البشرية من أهمية للتوسع في أجواء الحرية الفكرية الى أقصى ما يمكن. وصارت المجازفة والإصرار بفضل استثمار التقدم العلمي، في ولوج زوايا الحياة بكل ما فيها، شيئان لا يمكن أن يحدهما حد ولا تقيدهما قيود.
فبلغ أهل المدن والطبقات المتوسطة بفضل "مجازفاتهم" الكثيرة وخروجهم عن المألوف المقيت، مكانات اقتصادية عالية، وعلى ضوء ذلك أيضاً، نراهم لم يترددوا في تبوء أفضل المراتب الاجتماعية والسياسية التي كان لابد من أن تتناسب مع مكانتهم الاقتصادية الجديدة.
على ضوء ذلك، بدأت تلك الطبقات الجديدة في أفكارها والتي اكتسبت مواقع اجتماعية لائقة لها بفضل جهودها المتأتية من أفكار راقية متطورة لا تخاف التشكيك حتى تتيقن، بدأت بإزالة كامل العقبات والتراكمات المتخلفة المتوارثة، بالتزامن مع تكريس ممارسة الحريات في مجالات هامة ارتبطت بطبيعة العلاقات والمعاملات الحياتية.
وكان منطق أنا أعلم اتركني بمفردي، هو الذي مهد الطريق أكثر لتخطي حواجز ومفاهيم الكنيسة التي وضعها سادة الكنائس وخدامهم. أنا أعلم، فلا حاجة لي بتعاليمك، أنا أعلم أن القتل لا يجوز وأن السرقة لا تجوز وأن الاعتداء لا يجوز وأن الخيانة لا تجوز وأن المساعدة والتسامح والتعاون امور طبيعية يتمتع بها كل انسان طبيعي، فهي تجوز. أنا أعلم أن الافعال السيئة غير لائقة وأن الافعال الحسنة تجلب رضى الناس ورضى الخالق. أنا أعلم أنني لو امتلكت أموالاً كثيرة فلابد من مساعدة الفقراء، ومد يد العون للمحتاجين، فلا تجعلني أضطرب بتفاسيرك وتبيان حججك الواهية، اتركني بمفردي، أفكر مثلما يحلو لي، وأعمل مثلما أرغب به، وطبقاً لما أنا أعلمه. فلا داعي لتعاليمك وهوس أفكارك.
لذا، فقد شهدت الفترة اللاحقة في انكلترا تطهيرات دينية من الشوائب الطارئة التي حصلت والمظاهر الشكلية الزائفة التي روّج لها سادة الكنائس لتحقيق ملذاتهم وشهواتهم، فتحطمت سلطة البابا المركزية، وبعد أن تبين أن البابوية إنما هي سلطة تتبع شخصاً واحداً ومؤسسات تابعة، هي السلطة المسؤولة عن تفشي أوجه الفساد في المعمورة. وهذا ما دفع بضحايا التمييز والظلم الى تفويت الفرصة على الذين كانوا يستغلون براءاتهم وطيبة قلوبهم الى الانقلاب عليهم وقطع دابرهم.
فما حدث في انكلترا وفي فرنسا فيما بعد وتحديداً في عام 1789، كان قد عكس وحدة النهضة الفكرية والاتفاق على رص صفوفها في عموم اوروبا، ما أثمر عن غرس الفسيلتين الانكليزية والفرنسية، نبتات يانعة أدهشت اوروبا ذاتها، كما أدهشت العالم.
فترتب عن هذه النتائج الايجابية التي نالتها اوروبا بفضل تجدد افكارها وشن هجومها على الافكار القديمة الكنيسية، تحولات كانت على درجة عالية من النجاح والتميز، أهمها، تهديم صروح كانت أشبه بكابوس طالما جثى على الصدور لم يعي أحد ثقله، إلا بعدما تحركت ونشأت الافكار، فتحررت وتبينت الصالح واتبعته، ورصدت الطالح فطردته، فغنمت معايير انسانية جديدة رممت بها حضارتها وسعت الى تدعيم قواعدها. وما على شعوب في العالم النامي اليوم، سوى ان تجدد افكارها هي الأخرى، لتطيح برؤوس طالما همشت أدوارها وعطلت انجازاتها مستغلة عواطفها، بإفراط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتيل وجرحى في انهيار مبنى بمدينة إسطنبول التركية


.. مبادرة شابة فلسطينية لتعليم أطفال غزة في مدرسة متنقلة




.. ماذا بعد وصول مسيرات حزب الله إلى نهاريا في إسرائيل؟


.. بمشاركة نائب فرنسي.. مظاهرة حاشدة في مرسيليا الفرنسية نصرة ل




.. الدكتور خليل العناني: بايدن يعاني وما يحركه هي الحسابات الان