الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنعتبُ على أدوارد سعيد وهو غائب عنا ..؟

كمال سبتي

2006 / 9 / 20
الادب والفن


قرأت مقالاً قصيراً قالت جريدة الحياة التي نشرته إنه للراحل الفلسطيني أدوارد سعيد ،كان قد قدم به الشاعر السوري أدونيس في أمسية أقيمت بمقر الأمم المتحدة بنيويورك قبل سنوات وظل غير منشور.
كان التقديم ( أو المقال القصير) إخوانياً روحاً ومنهجاً..
لنتساءل عن حقنا الطبيعي كبشر يقرأون ويفكرون في ألا نصدق جملاً مطلقة يعاف قولها أناس منهجيون ،مثل هذه الجملة : (أدونيس مؤسس فن الشعر العربي بإسلوب لم يظهر له مثيل منذ زمن طويل.).. ؟
كيف يمكن ناقداً أكاديمياً أن يتفوه بمثل هذا القول إن لم يكن واقعاً تحت تأثير مخدر مّا ؟
ما معنى هذه الجملة التي اقتُطِعَ الآن نصفها الأول بعناية ونُشِرَ عنواناً لما قرأه أدوارد سعيد في أمسية نيويورك (أدونيس مؤسس فن الشعر العربي) ، محذوفة منها تكملة لاتقل تشوشاً من بدايتها : (بأسلوب لم يظهر له مثيل منذ زمن طويل ؟)، لا أدري حقاً ماذا أراد بها سعيد ؟ لا أدري إن كانت واضحة أصلاً في ذهنه ، ولا أدري معنى الإهانة الموجهة ، من خلالها ، إلى عدد من الشعراء المؤسسين ممن هم أكثر أهمية في التأسيس من صديقنا الشاعر أدونيس وأكثر أسلوبية منه في الشعر.
إذا كان أدونيس مؤسس فن الشعر العربي كما أراد أن يوحي العنوان بنصف الجملة فماذا نقول عن امرىء القيس ؟ و ماذا نقول عن عمر بن أبي ربيعة ؟ وماذا نقول عن بشار بن برد ؟وماذا نقول عن أبي نؤاس ؟ وماذا نقول عن ابن الروميّ ؟ وماذا نقول عن أبي تمام ؟ وماذا نقول عن البحتري ؟ وماذا نقول عن المتنبي ؟ وماذا نقول عن المعري ؟ وماذا نقول عن الجواهري ؟
و إذا أضفنا للعنوان تكملته " بأسلوب لم يظهر له مثيل منذ زمن طويل " فماذا نقول عن السياب وهو الصوت الشعريّ الأعلى ولم يقل أحد عنه مثل هذا القول قط ؟ وماذا نقول عن نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ويوسف الخال وخليل حاوي وتوفيق صايغ وصلاح عبد الصبور، مثلاً ؟
وماذا نقول عن غير هؤلاء في العصور العربية كلها ؟
هل نحن أمة ولدت أولَ من أمس ؟ أو في أبعد وقت من هذا ، يوم وُلِدَ أدونيس ؟
لماذا يسموننا أمة شاعرة إذن ، قبلاً ، وفن شعرنا ما كان مؤسساً حتى جاء أدونيس فأسسه بأسلوبه الذي لم يظهر له مثيل منذ زمن طويل ؟ وما معنى (زمن طويل) عند ناقد أكاديمي يعلم طلابه أن يتسلحوا بمنهج مّا يفرض بالضرورة على معتمديه تحديداً وتعريفاً لكل شيء ؟ وهل ثمة أسلوب واحد لتأسيس فن الشعر ؟ وماذا عن إسهامات الأساليب الشعرية الأخرى السابقة لأدونيس أو الحالية ؟ وما معنى مثيل الأسلوب أكاديمياً ؟ هل ثمة مثيل للأسلوب ؟
اقرأوا معي أيضاً بعضَ ما جاء من نعوت وألقاب وجمل مطلقة في أدونيس بتقديم سعيد القصير:
(شاعر كبير ومتفرد ، رائد للشعر المعاصر ، يتمتع بملكات لغوية نادرة ووجدان أصيل ، صار أدونيس مؤسساً لفن الشعر العربي بأسلوب لم يظهر له مثيل منذ زمن طويل ، وجهوده هي "الجهود الضخمة, الهرقلية التي بذلها في انقاذ المجموعة الهائلة للنصوص الإسلامية من الأرشيف والمدارس"، الشاعر الطليعي ، شاعر عميق الثقافة ، أدونيس المربي الشعري لزمانه ، مستكشف الحداثة ، والناطق الرسمي باسمها ، الشاعر الأكثر شجاعة ، الأكثر إصالة). اقرأوا معي ، أيضاً ، هذا المقطع النهائي الأخويّ حقاً :
(يحس المرء في أعماله المكتوبة ، وحتى في أحاديثه اليومية،بمتعة كبيرة مصدرها اللغة العربية - الأداة الغنية والمطواعة في شكل اعجازي - التي يستخدمها بطرق لم يفكر أحد بأنها تستخدم بها ، بإيقاعات لم يسمعها أحد قبـل أدونيس ، في تشبيهات لم يحلم أحد بأنها ممكنــة. ولقد كان موضوعه على الدوام،كما يخبرنا اسمه (!)،هو التجديد،وفي هذا المشروع أوغل الى أبعد مما فعله أي شخص يكتب اليوم. سواء كمترجم, أو ناقد،أو باحث، كراء، ومحرر، وكصديق،وكمواطـن في أرضه وزمنه،كان أدونـيس الشـاعر الذي لا يهـاب.)
يوم قرأت كتاب أدوارد سعيد (الإستشراق ، ترجمه كمال أبو ديب) وروجّه عربياً أدونيس على الرغم من علاقاته الشائكة غربياً، مع المستشرقين في الثمانينيات، كنت لا أستطيع أن أكتب كل أفكاري في بلاد الدكتاتور، خوفاً من اتهام جاهز يؤدي إلى السجن أو إلى الموت : الدفاع عن الغرب. لكنني كنت أقول في الجلسات الخاصة بأنه كتاب بكائيّ يوهم القارىء بجديته الأكاديمية ، لكنه في الحقيقة كان كتاباً ملتبساً في منهجه أشد التباس ، كُتِبَ بفكرة واحدة عامة وغير مقنعة: الدفاع عنا ضدّ ما يكتشفه الآخر فينا ويقوله عنا.
لم يسلم أحد فيه من الاتهام بالتآمر ، أو في أحسن حال ، من رجمه بالخطيئة.كل كبار الروائيين والشعراء والمفكرين في الغرب أصبحوا بطريقة أو بأخرى مساهمين في مشروع الغرب الإستشراقي المعادي لنا !
وقرأت له كتابا آخر عن الثقافة والإمبريالية ومقالات أسبوعية في الصحافة الإسبانية التي كان نشرُها يتزامن مع نشرها في صحف انجليزية وأميريكية وفرنسية ( لأنهم كانوا يريدون أن يعرفوا كيف يفكر الآخر فيهم ، على العكس ممّا يقوله سعيد عنهم في أفكاره) وكان في هذا كله لايتحرر من تلك الفكرة البكائية العامة.
وأما ما مدى عمق ثقافته الشعرية ؟ فلم أستدل عليه حقيقة في أي مقال قرأته له ، لكنني وجدت إشارات له غير ذكية جلدَتْ مقاطعَ شعرية رائعة إغريقية ومن القرون الأوربية المختلفة ، في كتاباته ، كان حرياً بألا يكتبها ، إذ بدا فيها مفسراً سياسياً رديئاً للشعر.
وبالتالي فهمت أن الرجل ربما لا يفقه في الشعر كثيراً ، كعدد من نقاد الأدب وكتاب الرواية، أو أنه لايقرأ الشعر إلا قراءة تفسيرية سياسية، وأكدتْ فهمي هذا كلماتُ تقديمه أدونيس في نيويورك.
لكن السؤال الأصعب : كيف يمكن رجلاً أكاديمياً له إسهامات عديدة في الفكر والنقد الأدبي أن يكون خفيفاً إلى هذا الحد في تقديمه أدونيس ؟
هل أراد سعيد أن يردّ ديناً إلى أدونيس الذي تساجلَ مع جلال العظم بشأنه ذات مرة ، أو يشكرَه لترويجه كتاب الإستشراق أو لأمر مّا آخر ؟
وما شأن رد الدين (سلوك اجتماعيّ) بالأدب المحض؟
تقدم كلماتُ أدوارد سعيد (وأقولها في حزن شديد فنحن إزاء مثقف غائب عنا) في أمسية نيويورك الثقافةَ العربية على أنها ثقافة خاوية غير جدية. ليس فيها للتراجيديا الشخصية الحقة أي مكان ، بل هي ثقافة نجوم يتوهمون التراجيديا الشخصية وهماً يتكشف كذبه في قتلهم الكلام كل حين بلا أدنى اعتبار لقيمه الدلالية وبلا أدنى اعتبار لذاكرته التاريخية والشخصية.
كم كنت أتمنى ألا أكتب مثل هذه الكلمات عن ناقد راحل أو شاعر صديق ، لكنَّ اعتداءً كهذا ضدّ الشعر ، وتشويهَ قصة وجودنا كله بتعابير مجانية هزلية دفعاني إلى كتابة هذه الإشارة.
أتبقى للعذاب كلمة في الحياة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال