الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


.. الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا ..الجزء السابع

بسام العيسمي

2006 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


معوقاتها – وشروط الانتقال إليها
(الديمقراطية والمجتمع المدني)
إن مفهوم المجتمع المدني يرتكز أساساً على تحرير الفرد من التبعات والولاءات الشخصية والجهوية والعصبوية والطائفية، ويعمل على صهرها وتذويبها لإعادة إنتاجها وصياغتها من جديد بشكل أرقى وأكثر حضارية وإنسانية، عبر بوابة المواطنة وبولاء واحد فقط هو الولاء للوطن الضامن للحقوق والواجبات المتساوية بين أبنائه جميعاً سنداً لمعيار الهوية ودون اعتبار لأي معيار آخر.
أي تحرير الإنسان من أسر الانتماءات ما قبل المدينة وربطه برابطة المواطنة التي تكفل للجميع تكافؤ الفرص بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العشيرة أو الرأي السياسي أو الانتماء الحزبي أو القرابة العائلية والمحسوبيات المتنوعة الأخرى التي تهدم المساواة القانونية والفعلية بين أبناء الوطن الواحد.
وبقدر ما يشعر المواطن إنه غير محمي قانونياً ودستورياً في ظل إجراءات وتصرفات وسلوكيات تغيّب مبدأ تكافئ الفرص والتساوي في الحقوق والواجبات.
بقدر ما تضعف لديه فكرة المواطنة ويجد نفسه مدفوعاً للعودة إلى مسارب ودهاليز ما قبل المدينة متمسكاً بطائفته أو عشيرته أو أي عصبوية أخرى يشعرها ضالته التي ينشد للاحتماء بها لشعوره أنها تؤمن له الطمأنينة.
فشعور المواطن بمواطنيته تعزز الرغبة لديه في الاندماج الفاعل والنوعي بالشأن العام وتحُمل المسؤولية الفردية والجماعية اتجاه وطنه وشعبه.
حيث أن ضعف المجتمع المدني أو قوته ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقدار فعالية المواطنون ضمن جماعاتهم وجمعياتهـم الأهـلية، ومؤسساتهم المختلفة التي يوجدونها ويشكلونها للدفاع عن مصالحهم، وتوصيف أزماتهم، واقتراح الحلول لها وحق مشاركتهم مع الدولة في عمليات ومراحل صنع القرار السياسي وفق المعايير الديمقراطية التي تسمح بتنوع وجهات النظر والرؤى والتصورات المختلفة وتحمي الصراع السلمي للمصالح المختلفة لإنتاج التوافقات الجمعية التي تجسد المصالح المشتركة للجماعة، وتحصّن الوطن، وتؤمن للمجتمع القدرة والمرونة الكافيتين لإعادة إنتاج نفسه وتقوّي سرعة استجابته لمعالجة الأزمات التي قد يتعرض لها، وتفكيكها والخروج منها بأقصر زمن وأخف كلفة، وهذا لا يتحقق أو لا يكون إلاّ في ظل نظام ديمقراطي يحترم الحقوق المدنية والسياسية للأفراد ويشيع حرية الرأي والتعبير والعقيدة ويقبل ممارسة الاختلاف ويحميها قانوناً كحق للأفراد والجماعات تعزيزاً لاحترام كرامة الإنسان واحترام عقله وميوله، والسماح للأفراد وتكوينات المجتمع المدني الأفقية على امتداد المكان وعلى حامل الرؤى والتصورات والمصالح من النشاط السلمي السياسي والاجتماعي والفكري للدعوة إلى برامجها ومعتقداتها دون أية قيود أو إلغاء أو تضييق لإثبات صوابية رأيها ومواقفها وبرامجها عبر الآليات الديمقراطية التي تؤمن الانزياحات المرنة لأفراد المجتمع سنداً للميول والقناعات والاختيارات غير القسرية وإعطاء الحق للأفراد وتكوينات المجتمع المدني بمراقبة الحكومات وانتقادها وتصويب سياساتها ومواقفها وانتخابها أو استبدالها من خلال صندوق الاقتراع، مما يعطي ذلك المجتمع المدني دوراً هاماً كمساحة تفاعلية حية لإنتاج السياسات العامة وممارسة السلطة في القاع، واتخاذ القرارات المختلفة.
والدولة هنا تكون الحاوية القادرة على تجسيد مصالح الشعب والحامية لمسائل الاختلاف والتنوع في الميول والمصالح والأفكار، ولا سبيل للولوج إلى المجتمع المدني القوي والناضج إلا عبر الديمقراطية المؤسسة على حقوق الإنسان والضامنة لحريته، والطاردة لثقافة الخوف، وإعادة الاعتبار لمجتمعاتنا التي تعاني من الإقصاء والتهميش والعزلة والنظر إليها كمجتمعات حرة وسيدة وأصيلة لا مجتمعات تابعة وذليلة.
فالإنسان الحر المتمتع بحقوقه في ظل نظام يضمن له كرامته وإنسانيته من العسف والاستبداد هو أساس البناء السليم والمعافى لأي مجتمع حر.
فالمجتمع الذي يشعر أفراده بالقلق والخوف والتردد من إبداء الرأي والإجهار في الاعتقاد خوفاً من الملاحقة والمحاسبة لا يكون مجتمعاً سليماً وقادراً على الإبداع والتطور وبناء الدولة الحديثة. الخوف لا يبني أوطاناً بل يضعفها، ولا تبنى إلا بضمانات الحريات الشخصية والمدنية للأفراد وصيانة الحقوق وتأمين المساواة القانونية والفعلية بين أبنائه جميعاً هو المدخل للمجتمع المدني ولبناء دولة المؤسسات ولإخراج الناس من عزلتهم وإدماجهم الطوعي في الشأن العام من خلال جمعياتهم ونقاباتهم ومؤسساتهم الطوعية التي تؤمن لهم في ظل الديمقراطية الإسهام بكل هموم الوطن وآلامه وأحلامه، منظمات تولد بإرادة الأفراد وتعبّر عنهم لا منظمات صورية تولد بإرادة الجهة الوصائية تحشر الجميع وتعلبهم كقطع متساوية تردد نفس الشعار وتقول نفس الكلمة، وتؤدي نفس الدور وتعزف نفس اللحن.
من الخطأ النظر إلى المجتمع ككتلة صماء ولون واحد ومصلحة واحدة وتفرض عليه رؤية واحدة وموقف واحد من الأعلى عبر آليات الخضوع القسري التي لا تنتج إلاّ إجماعاً خاوياً وضعيفاً يعيش حالة فصام حقيقي مع الواقع يدفع الأفراد إلى اتخاذ مواقف وسلوكيات مزدوجة تحت ضغط الحاجة أو تجنباً للملاحقة أو دفعاً لضرر قد يقع عليه، مما تتلون سلوكيات الأفراد بالغش والكذب والخداع وتحل المصالح الضيقة والأنانية الفردية محل مصلحة الوطن وتتسع قاعدة الزبائنية والمحسوبية ويولد جيش من الانتهازيين لا همّ لهم إلا التسلق الرخيص إلى موقع أو وظيفة أو تحقيق مكسب وليذهب بعد ذلك الوطن للجحيم.
أما في ظل الديمقراطية يعيش المرء عضواً في جماعة أو منظمة أهلية أو مؤسسة تتخذ فيها القرارات لمصلحة الجميع أي بنقطة الوسط التي تحقق أكبر مصلحة مشتركة لجميع الأعضاء، لأن الديمقراطية ليست آلية للحكم في الدولة فقط بل هي ذات صلة بصنع القرار الجماعي داخل أي نوع من أنواع التجمعات أو المؤسسات. فالقرارات التي تؤثر على حياة الجماعة يجب أن تتخذ من قبل جميع أعضائها الذين يتمتعون جميعاً بالمساواة الكاملة في نيل الحقوق وممارستها. مما يكون والحال ما ذكر إن الديمقراطية هي المساحة التي يعيش عليها المجتمع المدني ويتطور من خلال ما تؤمنه له من عوامل صحية فالنقاش الصريح كوسيلة للتعبير عن اختلاف الرؤى والتصوّرات والمصالح والتسليم بالاختلاف وإقرار التعددية داخل المجتمع إضافة إلى قيام المساواة القانونية في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الوطن سنداً لرابطة الهوية، واتخاذ المواقف والقرارات الجمعية التي تتشكل عبر تجاذب وتنافر المصالح بطريقة إرادية وسلمية وهادئة لا عن طريق فرضها بالقوة والإكراه توافقات تعبر عن مصالح مجموع الأفراد وتجسد مصالح الوطن تجعل المجتمع المدني حياً وقوياً وناضجاً وتدفعه إلى تكّون فكري أرقى لإنتاج حالة سياسية صحية.
18/9/2006
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف