الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة سريعة في مشاريع وثائق المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي

إبراهيم إسماعيل

2006 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان مجرد الأقدام على عقد المؤتمر الوطني الثامن للحزب، يعـد مؤشراً أخر على عمق تمسك الشيوعيين العراقيين بنهج الديمقراطية والتجديد الذي بدأوا السير عليه منذ عام 1993 إثر نجاح مؤتمرهم الخامس، فإن الأمر يزداد تألقاً وإثارة للأعجاب، عند الأطلاع على التغييرات البنيوية التي شملت مفاصل نظام الحزب الداخلي وبرنامجه السياسي، إنسجاماً مع المهام النضالية الجديدة على الصعيد الوطني، وإستفادة من الدروس التي أفرزها النضال المشّرف لليسار العالمي، بكل نجاحاتها وإخفاقاتها، وفي مقدمتها دروس إنهيار تجربة ما كان يسمى بالمعسكر الأشتراكي.
وتأتي مشاريع الوثائق التي ستقدم للمؤتمر، لتؤكد ثانية على أن صمود الحزب الشيوعي العراقي بوجه نتائج الزلزال الذي عصف بالعديد من أحلام العمر، قد تأسس على قراءة موضوعية لتلك النتائج، تمثلت في:
• رفض تبرير إنهيار القلعة "المعصومة" بوجود خونة ومؤامرات فقط، وعدم التمسك بالعشق الصوفي للتجربة الأشتراكية، حد التوهم بعدم إكتمال ثورية المرء بدون محبة الأتحاد السوفيتي، ورفض تنكب درع الحتمية التاريخية أو الأكتفاء بالصمت إنتظاراً لمخَلص ينقي دوحتنا من الدنس ويعيد اليها الطهارة المبتغاة.
• رفض الطروحات الجزعة والمتخاذلة التي إتسقت مع ما طرحه العدو الطبقي وأنتقل أصحابها لخنادقه حاملين رايات الليبرالية السياسية والاقتصادية، والسعي الحثيث لرؤية الواقع بالنظر لا بالنظرية عبر تلمس مكامن الخلل الذي تشققت بسببه سدود الفكرة العلمية!
ومن هنا أكدت مشاريع الوثائق على أن بوصلة الشيوعيين العراقيين كانت وستبقى تؤشر لجوهر اليسار بأعتباره الحركة الجذرية التي ترفض المحافظة وتدعو الى التغيير، وترفض التسلط وتدعو الى التحرر، وترفض الظلم وتدعو الى العدالة الاجتماعية، شرط تلازم هذه الصفات مع بعضها وتمحورها حول غاية شاملة هي التحديث المتواصل للمجتمع. وبهذا المعنى بقيت الماركسية مرشداً أبرز، في سياق كل ما أنتجه الفكر الإنساني العراقي أو الأممي، لا بأعتبارها نظرية مقدسة بل لكونها منهجاً علمياً خاضعاً للتطور، يساعد على دراسة الواقع الاجتماعي وتغييره وتحويله. كما جاءت مفردات الوثائق لتؤسس لتحرير الفكر الماركسي من الأسر الأيديولوجي، ولتعكس إدراكاً متميزاً لطبيعة المجتمع العراقي والأساليب والإنساق التي تحدد حركته، وفي الصميم منها التفهم العميق لتفاعل العامل الذاتي بالعنصر الموضوعي، والتخلي عن القفز في الفراغ على أساس شعارات حماسية أو رغبات سياسية محضة.
الوثيقة البرنامجية
يعتمد مشروع الوثيقة البرنامجية حلولاً لإشكاليات التحديث المرتبطة بالديمقراطية، حيث يقف التخلف الذي تعاني منه البلاد حاجزاً بين اليسار وبين قاعدته الاجتماعية وحيث يشكل هذا التخلف أرضية خصبة لتواصل التبعية والهيمنة الأمبريالية، فتضع على عاتق الشيوعيين مسؤولية الكفاح من أجل التحديث الشامل، عبر تبني قضايا التنوير والتقدم الحضاري كمحو الامية وحرية المرأة وافكار التعاون وتطوير العملية التربوية وتوفير العمل والتعليم للجميع وتنظيم علاقة الدين بالدولة وإقرار مفهوم الولاء للوطن بدل الولاء للقومية أو العشيرة أو الطائفة والمساواة في الحقوق والواجبات وإقامة دولة القانون وكفالة حقوق الإنسان وتوزيع أعدل للدخل القومي ومواجهة الهيمنة الأجنبية وتحسين شروط التعامل مع الخارج بما يخدم المصالح الوطنية، والمزاوجة بين السوق وشكل الملكية الاجتماعية، خاصة في القطاعات المرتبطة بحياة الناس وبأستقلالية الدولة الوطنية، وتحديث قطاع الدولة وتطهيره من الفساد والبيروقراطية وتعزيز قدرته التنافسية مع القطاعات الأخرى.
وتقر مسودة الوثيقة بأن الأساس الحضاري للمجتمع المنشود يتطلب الجمع العضوي بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، وتولي الأولى الموقع الأقدم بعد أن أثبتت التجربة الإنسانية بأن وجود الديمقراطية السياسية يجبر الرأسماليين على تخفيف الأثار السلبية لغياب الديمقراطية الأجتماعية (دولة الرفاه الاجتماعي مثلاً)، لكن غيابها قد يجهض حتى ما يتحقق من عدالة إجتماعية مما يحطم جناحي الحرية معاً. ومن هنا كان الاعتراف بأن الأشتراكية ستكون نتاج سيرورة طويلة- فترة انتقالية متطورة ومتكررة - تسعى الى تغيير تدريجي للتنظيم الرأسمالي للمجتمع حد تجاوز الرأسمالية.
وأحتلت الحياة الروحية للإنسان مكانة تليق بها في الوثائق، حيث تتداخل الأشكال الثقافية والعوامل الرمزية في تشكيل العلاقات الاجتماعية، وحيث تبرز بشدة مهمة تعبئة المبدعين بأعتبار أغلبهم جزء من القاعدة الاجتماعية لليسار، وحيث يعترف بالأستقلال النسبي للعالم الروحي للأنسان عن عالمه المادي، وإحترام الأديان ودورها في المجتمع ودعم حركات الأصلاح والمواءمة بين الدين والعقلانية.
ورغم كل هذه الأسس التطويرية، فقد طرح الحزب في البرنامج عدداً من القضايا التي تتطلب في تقديري تدقيقاً أكبر ومنها:
1. وردت في الوثيقة البرنامجية مقدمة تعريفية بالحزب وعبارة تتحدث عن التزامه بممارسة الديمقراطية في حياته الداخلية، ونصوص تلخص أهداف الحزب بصدد قضايا القطاعات الشعبية المختلفة وقضايا الوطن العامة والتي يعاد ذكر تفاصيلها في أبواب البرنامج، ومنعاً للتكرار وبغية تكثيف النص، ينبغي التخلص من كل هذه العبارات.
2. تحتاج الوثيقة البرنامجية لتثبيت كل القضايا الخاصة بأستعادة السيادة وإنهاء الأحتلال وتوفير الظروف المناسبة لتحقيق ذلك، في بند خاص بها ، بأعتبارها الهدف الأرأس من أهدافنا في المرحلة الأنتقالية.
3. جرى خلط غير مفهوم بين إعتماد الفيدرالية كحل للقضية القومية، وتعبير عن الشكل الذي يريد الشعب الكردي في العراق تقرير مصيره به، وبين أشكال طائفية أو إدارية للفيدرالية. وبغض النظر عن ما ورد في الدستور، والذي لا ينبغي أن ننسى بأننّا صوتنا لصالحه رغم تحفظاتنا على بنود عديدة منه، فإن طرح هذا الشعار الأن وإعتماده هدفاً يعد أمراً غير منسجم معنا كحزب (وطني مستقل، يضع مصالح الشعب والوطن قبل أي مصلحة، ويكافح لتحقيق المطامح الوطنية للشعب بأسره ).
4. حدث تداخل بين المهام التي يسعى الحزب لتحقيقها عبر مساهمته في العملية السياسية وبين الأهداف البرنامجية التي يسعى الحزب لتحقيقها عند وصوله الى السلطة في تداول سلمي، لوحده أو ضمن تحالف يكون له فيه دور متميز.
5. إن تبني التداول السلمي للسلطة والتمسك بدولة القانون، لا يتطلب هذا التكرار غير المبرر لرفض العنف وبطريقة غاندوية، خاصة إذا ما علمنا بأن تراجعات كبيرة عن الحياة الديمقراطية قد حدثت في بلدان ذات تقاليد عريقة، إضطرت معها القوى السياسية لأستخدام العنف للقضاء على الأستبداد والعودة للتداول السلمي للسلطة!
النظام الداخلي
يؤكد مشروع النظام الداخلي على توسيع القاعدة الاجتماعية لحزب الطبقة العاملة العراقية، لتشمل كل الكتلة الشعبية المتضررة من الهيمنة، والتي تقاربت طموحاتها الطبقية في ظل العولمة الرأسمالية. ويفتح الباب واسعاً أمام الأستفادة من التجارب الأشتراكية ـ غير الشيوعية ـ وما أفرزته من دروس كبيرة، وفي مقدمتها تجربة دولة الرفاه الأجتماعي في الدول الأسكندنافية. وتميزت مسودة النظام الداخلي بتطوير كبير للديمقراطية الداخلية، لتحقق إنسجاماً مطلوباً وضرورياً بين النهج الديمقراطي للحزب على الصعيد السياسي وبين دمقرطة شاملة لحياته الداخلية. الا إن هذا لا يلغي حاجة المسودة للتدقيق في العديد من الملاحظات منها:
1. أعتقد بأن من الأفضل الأشارة الى أن الحزب الشيوعي العراقي قد تأسس كضرورة موضوعية حتمها تطور كفاح الشعب العراقي والحاجة لتجذير الطابع الوطني والديمقراطي لهذا الكفاح. كما ينبغي أن لا تبقى القاعدة الاجتماعية للحزب محددة بذات الصيغ القديمة، بل أن يكون الحزب (حزب شغيلة اليد والفكر من العمال والفلاحين والمثقفين وسائر بنات وأبناء شعبنا، المناضلين ضد الأضطهاد ..الخ). ولعل إعادة صياغة المقدمة وتنقيتها مما فيها من تكرار وجمل مرتبكة، سيضمن الأجابة على تساؤلات عدة منها: هل يمكن أن تغنى الثروة الفكرية للحزب من مصادر متعددة إذا ما كان الأسترشاد بالماركسية على وجه التخصيص. وما دقة أن يبقى أسم الحزب شيوعياً دون أن يرد ذكر المجتمع الشيوعي كهدف بعيد المدى، أو حتى مجرد حلم إنساني، وأليس من الأدق أن تتضمن المقدمة جمع الحزب بين أهدافه الوطنية والقومية والأممية بعلاقة جدلية.
2. يعد ذكر الوحدة الفكرية إنشداداً للماضي، إذ أن السماح بتعدد الأراء وكل هذا الأنفتاح الديمقراطي الواسع في الحزب على الصعيد التنظيمي أو السياسي، يتناقض مع إشتراط الوحدة الفكرية، والتي لا يعني غيابها ضعف وحدة الأرادة والعمل، التي تستند الى اللحمة التنظيمية والسياسية والأنضباط الواعي، ذاك الذي يقرر معه الشيوعي تنفيذ كل القرارات بطوعية بما فيها تلك التي لا تتفق مع تصوراته. ورغم أن تحقيق أي عمل سياسي لا يمكن أن يتم بدون تنظيم وإنضباط، فإن مبدأ المركزية الديمقراطية قد يتعرض للتشويه في التطبيق إن لم يتسق مع المستوى الثقافي للناس ومع التربية الدورية للأعضاء. وبهذا الصدد ربما كان الأجدى بالنظام الداخلي تقسيم المهام الى عاجلة تتطلب تنفيذاً قبل المناقشة، وعامة تستدعي مناقشة قبل التطبيق.
3. إن إعتماد برنامج يضمن أوسع قاعدة إجتماعية، وإلغاء فترة الترشيح والتزكيات التي كانت مطلوبة فيما مضى، لا يتناسب والواقع السياسي في البلاد، ولضمان تنظيم متجانس يمكن أن يعتمد شكلان للعضوية، عضوية مؤازر لكل من أقر برنامج الحزب ونظامه الداخلي ودعمه مالياً، على أن ينتقل هذا المؤازر ليكون عضواً عاملاً بعد أن يرغب في ذلك وتتم إجراءات التوثق منه.
4. لقد حذر لينين من إتخاذ تطبيق المركزية الديمقراطية اتجاها معاكساً وأن تغترب عن فكرتها فتجهض الهدف منها، ودعى الى تشكيل لجان الرقابة المركزية، وفيما أبقت مسودة النظام الداخلي على المبدأ ألغت لجان الرقابة دون أن تخصص لمهامها جهة أخرى!
5. لقد منحت توصيات الرفيق الخالد فهد، الأنظمة الداخلية للحزب دوماً طراوة وحميمة لأسباب إعتبارية كثيرة، ولعل في إعادتها الى خاتمة النظام الداخلي، ما يفيد خاصة في بلاد يعشق شعبها رموزه وينحني أمام القيم الأصيلة ومنها قيمة الأستشهاد، مع التنبه الى كون تعديلها بما يتناسب والتطور أمر ممكن بل وضروري.
كل النجاح للمؤتمر الثامن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-