الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بوصفه دولة ثابتة محددة: 100 عام على سايكس بيكو (2)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة: محمود الصباغ
إن أراضي دولة العراق، كما هي موضحة اليوم على الخرائط الحالية، ليست هي الأراضي التي انبثقت عن اتفاقية سايكس بيكو -التي قسمت عراق اليوم بين مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية- بل إن أراضيه إنما نتجت، بالأحرى، من تفكيك ثلاث محافظات عثمانية (بغداد والبصرة والموصل) لتكوين دولة واحدة هي الدولة التي تعرف اليوم باسم العراق الذي تعينت حدوده، في السنوات ما بين 1921 و 1932، مع شبه الجزيرة العربية وسوريا وتركيا وإيران. ومنذ ذلك الحين، وحتى الآن، مازالت هذه الحدود موضع تساءل وانتقاد، باعتبار أن العراق "دولة مصطنعة"، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، لافتقاره إلى التجانس الإثني الطائفي. وانضم تنظيم الدولة الإسلامية إلى جوقة المنتقدين والمشككين في العراق في حزيران / يونيو 2014، عندما أصدر التنظيم شريط فيديو بعنوان "نهاية سايكس بيكو" هدد فيه "بضرب المسمار الأخير في نعش مؤامرة سايكس بيكو"(1). ويمكن القول إن وضع الخطوط بدقة على الخريطة -حدود العراق الخارجية- كان من أقل الجوانب إثارة للجدل في الخضوع الاستعماري للعراق، فالمناطق الحدودية مع المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا، هي مناطق قليلة السكان في معظمها، وكانت، تاريخياً، سهلة الاختراق بما يكفي للسماح بالتجارة التقليدية والاتصالات بين التجمعات السكانية العابرة للحدود. حيث لامست الحدود مناطق استراتيجية غنية بالنفط بالقرب من الخليج الذي يشكل المنفذ البحري الوحيد للعراق، ولعبت، هذه المناطق، من خلال وضعها، دوراً في إشعال حروب كبرى مع إيران والكويت. ولا يعد العراق، في هذا الصدد، حالة فريدة من نوعها، إذ تنطبق ديناميكية مماثلة على العديد من الدول في العديد من مناطق العالم.
تنوع بدون تمثيل
تمثلت الجوانب الأكثر إثارة للجدل، في ولادة العراق الحديث، في التقاء مجموعة متنوعة وفريدة من الأعراق والطوائف والطبقات في ظل أشكال غير تمثيلية في الحكم. ولاشك أن أحد أهم هذه الجوانب، وأكثرها جدلاً، كان نتيجة رسم الحدود مع تركيا في العام 1926، حيث ضم البلد جزءً من الأمة الكردية داخل حدوده الإدارية الحديثة. بينما خضعت مجموعات الأقليات الرئيسية الأخرى -التركمان واليهود والمسيحيين الآشوريين، على سبيل المثال لا الحصر- للحكم من بغداد. وبالمثل خضع العرب الشيعة، وهم أكبر مجموعة إثنية طائفية، لحكومة يهيمن عليها ممثلون غير شيعة. وهكذا، وبما أن حدود العراق الحديثة وجنسيته أصبحتا حقيقتين واقعتين، فقد تماسكت هذه المجموعات عبر مجموعة متنوعة من الوسائل. كانت القوة العسكرية للحكومة في كثير من الأحيان حاسمة في صد الثورات والانتفاضات التي قام بها الأكراد والشيعة. وعززت الثروة النفطية والسياسة الحزبية من بروز مظهراً متقدماً اجتماعياً وبداية دولة ريعية، حيث تم إخماد غضب المواطنين من خلال رعاية الدولة. ولاحقاً، فقدت ديكتاتورية صدام حسين العنيفة السيطرة على الشمال الكردي، وبدأت القوة الجاذبة للدولة تضعف بشكل كبير في ظل العقوبات الغربية. وبدلاً من الديكتاتورية، سعى التحالف إلى فرض ما لم يعمل، محلياُ، على تطويره سابقاً، أي إقامة ديمقراطية تمثيلية من شأنها أن تحفز الانتماء و العضوية الوطنية لجميع مكونات العراق. قد لا يكون هذا المفهوم فشل بشكل قاطع، ولكن من الواضح أن الديمقراطية القائمة على الكوتا والإثنية والطائفية وهيمنة الأحزاب، اليوم لم تربط العراقيين معاً بشكل أوثق -بل عملت، في الواقع، على عكس ذلك تماماً. كما لم تساعد أيضاً ظروف أخرى، مثل صعود الدولة الإسلامية وهبوط أسعار النفط. لم تكن القوى الجاذبة في العراق -القوة العسكرية للحكومة والنفوذ الاقتصادي- بمثل هذا الضعف من قبل. إن فكرة تقويض سلطة الدولة على أساس الهوية الإثنية والطائفية لم تكن فكرة جذابة، قط، للعديد من العراقيين منذ ولادة الدولة. كل هذا يطرح السؤال عن الكيفية التي يجب أن تنظر بها الولايات المتحدة إلى العراق، وكيف تتقاطع المصالح الأمريكية مع طبيعة وشكل الدولة العراقية. هل ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى إلى نتيجة حاسمة -لنقل، "سياسة عراق واحد" أو، على العكس من ذلك، كردستان مستقلة؟ أم ينبغي على الولايات المتحدة أن تنتظر العراقيين ليحددوا أجندتهم الخاصة بهم؟
تسهيل إعادة الضبط لبغداد والأكراد
تعتبر قضية كردستان موضعاُ مهماً للبدء بها، لأنها قد تمثل أكثر العيوب وضوحاً لترسيم العراق الحديث منذ بدايته. على الرغم من أنه يمكننا أن نجادل بخصوص الأراضي غير الجبلية المتنازع عليها ، إلا أن الدولة العراقية التي يسيطر عليها العرب والسكان العراقيون ليس لديهم اهتمام حقيقي أو يزعمون أحقيتهم في السيطرة على معظم مناطق المرتفعات التي تديرها حكومة إقليم كردستان. إن معارضة العرب وغيرهم من غير الأكراد للاستقلال الكردي متجذرة في معاملة المناطق المتنازع عليها المختلطة عرقياً وذات الأهمية الاقتصادية، وخاصة كركوك الغنية بالنفط. وقد كان الأكراد العراقيون يتمتعون باستقلال إداري عن الدولة العراقية ما بين 1991 و 2003، على الرغم من أن ميزانيتهم كانت لا تزال مستمدة من حصة تديرها الأمم المتحدة من صادرات النفط العراقية. وبعد العام 2003 اتفق الأكراد على إعادة الاندماج مع العراق كتجربة في إدارة منطقة فيدرالية غير متكافئة داخل العراق. قد تجري حكومة إقليم كردستان استفتاء هذا العام لجمع الأدلة على أن غالبية أكراد العراق يرغبون في إنهاء التجربة والعودة إلى علاقة أكثر مساواة مع بغداد، إما ككيانات ذات سيادة مزدوجة داخل كونفدرالية عراقية أو ، على الأرجح ، ككيان كردي مستقل. أي دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة. غير أنه من بين القوى الخارجية، يبدو أن تركيا تخلت بصدق عن معارضتها لدولة كردية ذات سيادة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أكراد العراق أوضحوا أنهم لن يحكموا إلا داخل الحدود الاستعمارية الانتدابية للعراق. ويبدو أن إيران معادية جداً لهذه الفكرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى توطيد العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان، وجزئياً بسبب المثال المحتمل الذي قد يمثله وجود مثل هذه الدولة الكردية المستقلة، للأكراد الإيرانيين، ولكن ليس هناك ما يشير إلى ما إذا كانت إيران ستواصل عداءها لوجود دولة كردية مستقلة، في حال كان هناك اجتماع دولي يدعم حصانة حكومة ذات سيادة لأكراد العراق. وإذا ما تم التعامل مع المناطق المتنازع عليها بشكل صحيح، فإن العديد من العلامات تشير إلى أن بغداد قد تكون قابلة "للطلاق الودي".
يجب أن تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط العملي في المساعدة في هذا الفصل الودي وضمان ظهور الكيانات العراقية والكردية كجيران جيدين. تتمتع الولايات المتحدة بمستوى مدهش من البصيرة والخبرة فيما يتعلق بالمشكلة الشائكة للمناطق المتنازع عليها في العراق ويُنظر إليها على أنها وسيط نزيه. حيث يمكن للقيادة الأمريكية أن تساعد في ظهور جهد متعدد الجنسيات لإيجاد حلول مرحلية طويلة الأجل لمناطق مثل كركوك. كما يجب على الولايات المتحدة المساعدة، أيضاً، في ضمان عدم إغفال الأقليات -التركمان والمسيحيين واليزيديين والشبك والكاكائية وغيرهم- نظراً لكونهم أصحاب مصلحة مهمين في المناطق المتنازع عليها ولديهم مظالم وتطلعات فريدة.
العمل الفيدرالي في العراق العربي
إلى جانب القضية الواضحة للنزعة الانفصالية الكردية، هناك التحدي الدقيق المتمثل في المصالحة والهوية الوطنية داخل العراق الفيدرالي، أي الأجزاء ذات الغالبية العربية من البلاد. تتعلق بعض خطوط الصدع بتناقص الدور السياسي للمجتمع الشيعي في العراق، ولا سيما في ظل نظام صدام، مع وجود خطوط صدع أخرى، غير أنها أحدث: لقد عانت جميع المجتمعات من العنف المستشري والتمييز منذ العام 2003. فعلى سبيل المثال، خلقت الجرائم التي ارتكبت ضد السنة العراقيين من قبل إخوانهم في الدين، في سياق القتال ضد داعش، تحدياً كبيراً لجهود المصالحة داخل المجتمع السني، وليس فقط بين السنة والشيعة. ويحتاج العراقيون في المناطق غير الكردية أيضاً إلى معالجة بعض الأسئلة العميقة الجذور فيما يتعلق بالدولة العراقية المستقبلية وتمثيلها. أي من سيحكم العراق وكيف سيُحكم؟. نشأت الدعوات للانفصالية السنية من رفض شرعية الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد ورد الفعل على معاملة المواطنين السنة في المناطق المختلطة واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وتشير الدلائل إلى أن الفترة الكارثية لحكم الدولة الإسلامية في العراق السني أدت إلى التوجه العقلاني لكلا الجانبين باتجاه الانقسام الطائفي. يتحدث القادة السنة، على المستوى المحلي، بدرجة أقل عن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل العام 2003، ولكنهم يتحدثون أكثر عن ضمان عودة السكان إلى مدنهم وتأمين تلك المناطق بالشراكة مع الحكومة. مئات الآلاف من المشردين السنة عاشوا لمدة تصل إلى عامين في مجتمعات شيعية وكردية ، وأطفالهم يذهبون إلى المدارس المحلية، وبالكاد نشأت حادثة عنف واحدة وسط هؤلاء السكان النازحين. قد تكون هناك فرصة أمام قيادة شيعية منهكة لتقديم تنازلات لمجتمعات سنية متواضعة تماماً. ولعل الحل الفيدرالي، من خلال المحافظات والمجالس الأقوى يؤمن إمكانات جيدة للعمل في المناطق غير الكردية. إن الولايات المتحدة في وضع جيد لتكون بمثابة وجود مطمئن في التفاعلات بين الكتل الشيعية وممثلي المجتمع السني الناشئين -المحافظون، ورؤساء مجالس المحافظات، ومديرو المناطق، وقادة الميليشيات المدعومة من الحكومة. ولا بأس من إعادة التأكيد بأن الولايات المتحدة تمتلك بعض الخبرة في دعم النهجين من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى لإنجاز المصالحة في العراق، وكلاهما مطلوب الآن. وسوف تكون مجالات إعادة الإعمار، وتطوير قوات الأمن المحلية، وكذاك تحسين الاستثمار المحلي والحوكمة، جميعها نقاط يمكن للقيادة الأمريكية أن تحفز فيها برامج المساعدة متعددة الجنسيات طويلة الأجل.
دور الولايات المتحدة في العراق اليوم
يجب على الولايات المتحدة أن تنظر بجدية في تصوراتها المسبقة حول العراق، ولكن لا ينبغي أن تحاول وضع أجندة لمستقبل البلاد. قد تستحق الحدود الخارجية للعراق الحفاظ عليها وتأمينها، وبالفعل لا يكاد أحد يهتم بتغييرها. لكن الوضع الداخلي للعراق شيء يبدو أن العراقيين أنفسهم يدركون أنه بحاجة إلى تعديل. إذا كان العراقيون منفتحين على انفصال عادل عن الأكراد، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تكون مع "وحدة العراق" أكثر مما يريده العراقيون أنفسهم. لدى واشنطن مصلحة قوية في إقامة علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية قوية بين عراق أكثر تماسكاً وبين كيان كردي جديد. فبعد كل شيء، هؤلاء الجيران كلاهما حليفاً قوياً للولايات المتحدة. إلى أي نقطة ترغب الولايات المتحدة أن لا ينسجم فيها حلفاؤها المقربون؟
قد يؤدي الفصل البطيء إلى تغيير قواعد اللعبة وحتى اسمها بخلق نوع مختلف من العراق العربي المهيمن تكون فيه اللامركزية على مستوى المحافظات والمصالحة الوطنية والمجتمعية هو العنوان الجديد. كما أنه سوف يكون مكان على الفعاليات الاقتصادية النفطية وغير النفطية أن تعمل بجانب بعضها البعض، حيث يوفر أحدهما الوظائف، حيث يؤمن ملاهما حصصاً متفاوتة في ميزانية الدولة، و سوف يساعد هذا العمل المشترك لهذه الاقتصاديات في ضمان اتصال مستدام بين المناطق النفطية والمناطق غير النفطية.
وعلى الرغم من صعوبة تصور ما سوف يحدث في بعض الأحيان، إلا أن جميع المناطق داخل عراق اليوم سوف تتم خدمتها بشكل أفضل من خلال حكم تمثيلي متعدد الثقافات ومتعدد الطوائف واللغات. وبغض النظر عن الكيفية التي ينتهي بها المطاف في كردستان والمناطق المتنازع عليها والعراق الفيدرالي، فلا يمكن أن يكون هناك تفصيل كامل لنسج العراق المتنوع – وهذا ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار في الحكومة المستقبلية. علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة ألا تتخلى عن المفهوم الأساسي المتمثل في تبني حكومة تمثيلية في العراق. في الواقع، يجب على الولايات المتحدة مساعدة العراقيين على تنفيذ هذه الرؤية بالكامل في وقتهم الخاص، والوصول في النهاية، وربما بسرعة كبيرة، إلى حكومة أغلبية مكونة من كتل من جميع الجماعات العرقية والطائفية. وكما قال أحد القادة الشيعة البارزين للكاتب: "بغض النظر عن عدد الشيعة هناك، لن يُسمح لنا أبداً بإدارة عراق ناجح ما دامت كل حكومة يجب أن تكون حكومة وحدة. ربما يتعين علينا تفكيك التحالف الوطني [عموم الشيعة] ". ويشير هذا النوع من الأفكار، النابع من زعيم عراقي طائفي للغاية ، إلى الطريق الذي ينبغي على سياسة الولايات المتحدة السير فيه قدماً في العراق: عدم وضع أجندة ، بل مساعدة العراقيين بقوة على تنفيذ أفكارهم الجيدة.
....
العنوان الأصلي: The Lines That Bind, 100 Years of Sykes-Picot
اسم المؤلف: Michael Knights
الناشر: THE WASHINGTON INSTITUTE FOR NEAR EAST POLICY, https://www.washingtoninstitute.org
1. تم حذف الفيديو منذ ذلك الحين ؛ الرابط الأصلي: https: //www.you- tube.com/watch؟v=i357G1HuFcI








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل