الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
يعقوب جناحي باقٍ في الذاكرة
فهد المضحكي
2022 / 7 / 2سيرة ذاتية
رحل يعقوب جناحي «أبو لطيفة» العاشق للوطن، والمرأة والأزقة الضيقة، المكتظة بالأطفال والأحلام، وبروائح البحر والنخيل بعد مسيرة وطنية امتدت لعدة عقود. كان الرجل الضمير الذي تختبر عنده المواقف وتمتحن الحقائق. ما أكثر التفاصيل والمحطات المضيئة التي تعبِّر عن منهجه الفكري التقدمي في ممارساته السياسية والاجتماعية، كان أصدق تعبيرًا عما في نفوس الكادحين والمهمشين في القاع الاجتماعي من تطلعات وتوق شديد لحياة أفضل. في زمن المستعمر، اندمج أسوة بالمناضلين الذين رهنوا أنفسهم للنضال الوطني دفاعًا عن هذه الأرض الطيبة، من أجل الاستقلال الوطني. ومن أجل العدالة وقف ضد مختلف أشكال الاستغلال.. في زمن المستعمر، تم نفيه لايران، وعن كيفية نفيه برفقة المناضل المرحوم محمد حسن قال في حوار أجرته معه إحدى الصحف المحلية عند عودته وعودة رفاق الدرب إلى أرض الوطن مع بداية المشروع الإصلاحي 2001، الذي أحدث تغييرًا كبيرًا في مجال العمل السياسي: «أودعنا في قارب، وكان يومًا عاصفًا والأمواج تتلاطم بشكل سريع، فلم يتمكن النوخذة (الربان) من إكمال الرحلة فعاد بنا إلى البحرين. وأودعنا في التوقيف لمدة يومين ثم أعادونا إلى القارب نفسه وقالوا للربان: هذه المرة لا تعد بهم حتى لو حدثت عواصف وأمواج، يجب أن تتصرف ولا تعيدهم إلينا. هذه الصراحة خلقت نوعًا من الفضول لدى الربان عن سبب تسفيرنا بهذا الشكل فاضطررنا إلى الكذب والقول بأننا إيرانيون ولا نحمل إقامات في البحرين، لذلك قاموا بتسفيرنا من البلاد وكان هذا أمرًا شائعًا في البحرين آنذاك. وطبعًا كان قد سحبت جوازات سفرنا وكل الوثائق الرسمية. عند وصولنا إلى (بوشهر) كنا حذرين كل الحذر أن يعلم أحد بأننا منفيون على خلفية قضايا سياسية لكي نتجنب ما حدث للذين من قبلنا. ففي العام 1960 تم نفي أشخاص قبلنا إلى إيران، وما أن وصلوا هناك حتى تولى جهاز المخابرات الإيراني (السافاك) استجوابهم وتعرضوا للتعذيب والسجن. لحسن الحظ كنا نحمل مبلغًا من المال لقاء أتعاب سنوات الخدمة لدى (بابكو) فاستقللنا سيارة وتنقلنا من مدينة إلى أخرى. وكانت رحلة قاسية بكل معنى الكلمة إلى جانب أننا كنا نجهل التحدث بالفارسية. لكن من المفارقات المضحكة بالنسبة إلي والمرحوم محمد حسن ففي الوقت الذي كنا نعامل به كعرب من قبل الإيرانيين هناك، كان بعض المتعصبين للقومية العربية في البحرين يعاملوننا كإيرانبين، هذه المفارقة كانت تضحكنا».
يقول المفكر محمود أمين العالم: «المثقف الأصيل لا يفصل بين فكره وحياته، وبين آرائه ومواقفه، بل يجعل من رأيه معركة حية، ومن حياته تعبيرًا عن الرأي الذي يراه، لا ينعزل بثقافته عن الشعب، بل يجعلها وقودًا له في معركة التحرر والتقدم». والفقيد المسكون بقضايا الوطن والنضال القومي والأممي، دون مزايدات أو انتهازية أو ازدواجية في المواقف السياسية، كان نمودجًا للمثقف الواعي لحركة الواقع وتناقضاته. وبهذا الوعي العلمي والإيمان المتفائل بحركة التاريخ الصاعدة، آمن بالمستقبل، آمن بالطبقة العاملة، آمن بقدرة الإرادة البشرية وقدرة الوعي البشري على التغيير. كانت حياته وحياة رفيقة دربه ثريا أكثر إصرارًا ووعيًا دؤوبًا من أجل ثقافة مستنيرة، تحترم التعدد والتنوع، وهي رؤية أكثر رقيًا وانفتاحًا.. رؤية عقلانية لا تتسامح مع فتاوى التكفير، والفتن الطائفية، والظلم وقوى الظلام.. رؤية كما عبَّر عنها في أحد مقالاته في جريدة «الأيام»، تهدف إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية الإنسانية في المجتمع البحريني، ترفض كل ما يثير الفتنة والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وتدعم كل المبادرات الخيرة لتطوير الإصلاحات وحل الإشكاليات السياسية والاقتصادية والاحتماعية لصالح الكل دون استثناء او تمييز. ومن الصفات الجيدة التي تميز بها، اللباقة في الحديث، وهو فن اجتماعي لا يتقنه كثيرون، الصفة الأكثر اقترابًا من الناس، قوة كبيرة مؤثرة، تشكل كما تذكر الكاتبة الأردنية كريمان الكيالي، أحد مفاتيح الشخصية، أسلوب يتسم بالسلاسة، وحسن الانتقاء لمواضيع ينسجم معها الناس، تراعي مشاعرهم وأحوالهم، ومستوياتهم الثقافية والفكرية، بل وتقع ضمن الأساليب التي يمكن من خلالها كسب ود الآخرين واحترامهم. فإذا كان فن الإصغاء الأهم في موضوع اللباقة، وهو قيمة إنسانية مهمة، والمتحدث اللبق هو المستمع الجيد، فإن الفقيد قليل الحكي، لكنه يتفاعل مع الآخر، يقدره، يحترم فكره ورأيه، غير أن من المهم الانتباه إلى أن الاستماع لا يعني أبدًا السكوت.
وإذا كان ثمة التزامات إدارية مطلوبة على الصعيد البرلماني والبلدي، فإن جناحي حدد بعض التزامات النائب الإدارية تحديدًا واضحًا، عندما كتب، إن كل مرشح يسعى لأن يكسب عددًا كبيرًا من الأصوات تؤهله للحصول على مقعد نيابي أو بلدي عن طريق طرحه برنامج طموح جدًا قد يفوق قدراته الفكرية والعملية سواء كان مستقلاً أو منتميًا إلى كتلة ما. ما يجب أن يمتاز به النائب من دراية اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها من الأمور لإضفاء قيمة حقيقية لمجتمعه، حيث من المفترض هنا أن يكون النائب ملمًا ولو بشيء يسير بهذه الجوانب، ولكننا بصدد تشخيص النائب في الجوانب الإدارية التي ما أن كانت فعَّالة، فإنها تؤثر إيجابًا على تفعيل برنامجه المطروح. إن طرح برنامج انتخابي معين هو بمثابة تعهد بالوفاء بالوعود للناخبين، وهو على حد تعبيره مبدأ إداري مهم، فإذا تحقق ما وعد به المرشح نال ثقة ورضا الناخبين، وإلا سيكون هناك استياء وعدم ثقة في النائب أو الكتلة النيابية التي ينتمي لها. وهنا يتساءل؛ كيف يمكن للنائب تفعيل الجانب الإداري لديه؟ يعتقد أن ما يجب أن يتذكره النائب هو أن الإدارة في هذا السياق هي التخطيط عن طريق تحديد الأهداف للبرنامج الانتخابي، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة إن وجدت، وتحفيز الآخرين للتعاون ورقابة ما تحقق من إنجازات، ومقارنتها بالإهداف الأولية التي يجب أن تتميز بالطابع الخدمي الاجتماعي. وإن من الأمور الإدارية المهمة والتي على النائب اتباعها هي الامتثال لآداب الحوار الجيد. والنقطة الأخرى المتعلقة بالحوار الجيد هي تقبل النقد البناء، لما له من أثر إيجابي في تطوير النائب. لا يتسع المجال لمناقشة هذا الرأي في هذه المساحة. إنه موضوع جدير بالاهتمام. لقد رحل جناحي لكنه باقٍ في الذاكرة. تعازينا لأسرته، ولأهله ولكل الذين يسيرون على دربه.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدبلوماسية الأمريكية: أي أمل لغزة ولبنان؟ • فرانس 24
.. هاريس - ترامب: أيهما أفضل للعالم العربي والمنطقة؟
.. تونس: ماذا وراء حبس -صنّاع محتوى- بتهم أخلاقية؟ • فرانس 24 /
.. ما أسباب توقيف طالب فرنسي في تونس بقرار من القضاء العسكري؟
.. تونس: السجن أربع سنوات ونصفا لناشطة تونسية على إنستغرام بتهم