الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل مع سبق الإصرار

محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)

2022 / 7 / 2
الادب والفن


ظل ينظر الى جثتها بصمت. كان قد إنتهى لتوه من خنقها..قال لنفسه" انا لست نادما على شيء..إنها تافهة وتستحق ما فعلته بها ..لسانها سليط , وسلوكها مقيت..ترى كيف سلخت معها أكثر من نصف عمري و دون أن أنتبه الى بلادتها , وسوء تقديرها للأشياء ؟؟؟كيف تقبلت أفكارها الغريبة وتصرفاتها المثيرة للسخرية ..؟؟".
أشعل سيجارة , نفث دخانها بهدوء..إقتعد أريكة مواجهة لجسدها الملقى في صالون البيت..بدا له المكان غريبا , وكأنه لم يقض به أكثر من نصف عمره ..هنا رزق بولده الوحيد , الذي يعيش بأرض المهجر منذ سنوات ..هنا عاش أحداث الوطن وتفاعل معها ..الإنقلابات الفاشلة..الإضربات الدموية ..حرب الصحراء وظلم البلد الجار..رحيل الملك الفجائي وحزن الشعب الكبير عليه..سقوط الوزير الحديدي..
هنا تجرع كأس المرارة وعاش هزائم العرب المتواصلة أمام إسرائيل و أمريكا ..هنا بكى جمال وعرفات وصدام ..هنا عاش حياته الخاصة وتفاعل مع محيطه , وهنا خنق شريكة عمره..لا يهمه الآن ما سيحدث ..الأمور عنده سيان ..غذا سيذهب الى مخفر الشرطة ..سيقول لهم " أنا قاتل, نعم أنا قاتل ..الأمر في غاية البساطة ..زوجتي اِستفزتني , طلبت منها الصمت ،لكن لسانها السليط لم يُسعفها , تَسابْبنا ..تَشاتمنا، قلنا لبعضنا كلاما جارحا ..ثم أمسكنا بتلابيب بعضنا كعادتنا عند كل خصام ،وبدأنا في التجاذب والتدافع كان صِراعُنا عنيفا ..قلت لها: أنت حشرة ليس إلا ..سأريحك وأريح نفسي منك ", أَمسكت بِعنُقها وصِرت أَضْغط دون هوادة , حتى خَفتت أنفاسها وتهاوت على الأرض ..لم أشعر بالأسف أو الندم ..كان يجب أن تموت وقد قتلتها وأنا في كامل قواي العقلية
.
اكتبوا ماشئتم في المحضر ، وسأوقع دون تردد ، فإن كانت هي ماتت مرة ..فقد قتلتني مرات. ذبحتني من الوريد الى الوريد. شربتْ دمي ونهشتْ لحمي "
قام من مكانه. اتجه صوب النافذة ..وقف لحظة ثم عاد أدراجه نحو الجثة المسجاة أمامه ..صرخ بأعلى صوته:" لماذا فعلت بي هذا ؟؟ لماذا حولتيني بربك الى وحش كاسر ؟؟؟لماذا حطمت مسار حياتي بهذا الشكل؟؟؟"
أحس بِدوار غريب , في رأسه تمنى لو أن الزمن عاد الى الوراء , وا ستطاع ِمتلاك ناصية أمره فيغير مجرى حياته تماما ..لكن هيهات هيهات. فما كان قد كان ، وقدره سيواجهه بشجاعة سواء كان مؤبدا أو إعداما ..وستستمر الحياة على كل حال ..سيعتذر لابنه ويطلب صفحه وتقدير ظروفه .
دوى صوت الآذان محطما سكون الليل الذي كان في ثلثه الاخير ..توضأ ثم صلى ..وطلب من الله ان يغفر له ما اقترفت يداه.
غادر البيت نحو مخفر الشرطة ..كان يهذي بكلام غير مفهوم وهو يهرول غير آبه بأحد. وكلما قطع مسافة من الطريق , تزايد هذيانه , الذي أصبح صراخا وهتافا قويا.." ايها السادة..يا أهل المدينة الكرام ..لقد قتلت زوجتي ..خنقتها ..كتمت أنفاسها , لأنها جعلت حياتي نكدا في نكد"
عندما دخل مخفر الشرطة , كَبّر وهَلّل ثم أعلن الخبر بصوت جهوري ..دون الضابط أقواله في محضر ..ثم استدعى رجلي أمن وطلب منهما التحفظ عليه.
بعد حين أركبوه سيارة الشرطة , ثم قصدوا مكان الحادث .." لقد كنت زوجا مثاليا. لم أخنها قط ..أسعدتها قدر المستطاع ..لكنها لا تستحق ..حطمتني ..انا لا يهمني ما ينتظرني ..".كان رجال الأمن يستمعون الى كلامه ببرود وصمت. عندما وصلوا الى بيته..كان الشارع فارغا ولا شيء يوحي بأن جريمة قد اُقترفت، وروحا قد أزهقت, نزل متثاقلا والأصفاد تكبل يديه. سأله الضابط
-هل تسكن هنا؟؟
رد بصوت خافت :
-نعم في الفيلا التي توجد أمامكم
دلف الجميع دفعة واحدة ..عبروا دهليز الفيلا ..ثم ولجوا الصالون. سأله الضابط
-أين جثة زوجتك؟
رد وهو يشير الى مكانها
! -هناك
قاطعه الضابط بغضب :
-أين ؟؟ أنا لا أرى شيئا
لم تكن هناك جثة. صرخ بصوت قوي:
-لكنها كانت هنا. بيدي خنقتها..أنا لا أكذب
اندفع رجال الأمن الى باقي غرف البيت يفتشون عن جثة زوجته ..دون أن يجدوا شيئا..
قال الضابط:
-اسمع يا هذا ..أنت تزعج السلطات وتقدم معلومات كاذبة ..وهذا فعل يعاقب عليه القانون
-لكنني خنقتها..قتلتها بيدي هاتين
قاطعه الضابط :
-أنت مخبول ..لابد من إحالتك على مستشفى الأمراض العقلية
وعلى حين غرة فتح الباب ،ودخلت سيدة في أواسط عمرها , تحمل قفة صغيرة
- -ميمون أين كنت ؟..ومن هؤلاء الذين معك؟؟
-أنت مازلت حية
-ما هذا الكلام الغريب الذي تقول ؟
تدخل الضابط موضحا :
-زوجك قدم بلاغا يدعي فيه أنه قتلك..وقد جئنا لمعاينة الواقعة
ابتسمت المرأة وقالت:
!!-قدم بلاغا
-لقد خنقتِكِ بيدي هاتين. قتلتك بلا رحمة
قاطعه الضابط:
-لابد من إحالتك على مستشفى الأمراض العقلية
وساندته المرأة قائلة:
-هذا عين العقل فقد يفعلها. بحق وحقيق

محمد محضار ..12/12/2008






مشاركة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل