الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستينية استرجاع السيادة الوطنية

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2022 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة بوصفها كفاحاً وطنيّاً ومدّاً ثورياً قضى على نظام استعماري استيطاني متوحش واستبدله بمشروع وطني جزائري، هدفُه حسب ما نص عليه بيان أول نوفمبر 1954 إقامة منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة تُحقّق آمال وطموح الجزائريين بعد أن عاشوا في ليل مظلم طيلة 132 سنة، وظاهرة تاريخية تندرج في الزمن الطويل، وليس مجرَّد حدثٍ حربي محدود زمنيّاً.انتهى بمجرد اعلان استرجاع السيادة الوطنية في 5 جويلية 1962،
تحتفل الجزائر يوم 5 جويلية بالذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية تحت عنوان : "ستينية الاستقلال تاريخ مجيد وعهد جديد " وإن كنت لا أتفق مع الجزء الأول من العنوان " ستينية الاستقلال " فالجزائر كانت مستقلة وذات سيادة قبل أن تطأ ارضنا اقدام الفرنسيين البرابرة الغزاة ، وأن 5 جويلية هو تاريخ رد حقنا المسلوب بقوة السلاح والإبادة الجماعية للشعب الجزائري ، لا أحبذ السقوط في مقولة فرنسا الاستعمارية بأن الدولة الجزائرية لم يكن لها وجود في التاريخ ولم تظهر الا يوم 5 جويلية 1962 او بالأحرى 3 جويلية 1962 ، حينما اعلن الجنرال ديغول " المجرم " عن استقلال الجزائر .
لنطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة على أنفسنا،
هل كانت الثورة الجزائرية مجرَّد حرب استقلال ضدّ مستعمر استيطاني أجنبي، أم هي ثورةُ تحريرٍ هدفُها تحرير الأرض والإنسان وإعادة بعث الدولة الجزائرية، أم أنّها ذات طبيعة مزدوجة؛ بمعنى أنّها حربُ استقلال وحركة تجديد لبناء المجتمع الجزائري وبناء دولته في آن؟ وهل شهدت الثورة اتجاهاً معاكساً لأهدافها ومعادياً لطموحاتها يمكن وصفه بـ "الثورة المضادّة"، كلنا نعرف أن صائفة 1962 كادت أن تدخل الجزائر في حرب أهلية مدمرة حيث بدأ النزاع بين الاخوة الأعداء على السلطة بعد "اتفاقيات إيفيان"، وأدّى إلى النأي عن قيم الثورة وأخلاقيتها والبحث عن الامتيازات واعتبار أنَّ الثورة انتهت بتحقيق الاستقلال؟ أمّا السؤالُ الثالث، فيتعلّقُ بالدور الهامشي للنخب ومدى تأثير تحييد العناصر ذات الخبرة والكفاءة التي أوجدها نضالُ الحركة الوطنية وبقاؤها بعيدةً عن مراكز القيادة في الثورة بل ومنها من أتهم بالخيانة رغم مشاركته في الثورة.
إنه لمن الواضح، أن الجزائر اكثر حظاّ من بقية البلدان في محيطها الجغرافي ، بسبب مساحتها و موقعها وقربها من أوروبا ، بما حباها الله من به من موارد طبيعية ، كان بإمكانها ان تصبح يابان افريقيا ، كما كان يأمل لها أن تكون قبل عقود من الآن ولكنها ليست كذلك اليوم ، فما الذي حال دون تحقيق احلام الجزائريين وطموحاتهم ؟
وكبقية البلدان في محيطها القريب، عاشت الاستعمار الفرنسي لمدة 132 سنة، الذي خرج منها بثمن عال جدا،
فكل ما عاشته الجزائر من مآسي وويلات خلال الثورة وبعدها وحتى إلى تاريخ بداية الحراك في فيفري 2019 لا يمكن رده للاستعمار وحده، الأمر الذي يعرفه القاصي والداني.
فالثورة الجزائرية التي كانت مفخرة للعالم ذات مرة، تعرضت للتشويه والخيانة والغدر على يد الكثير من صناعها والمساهمين فيها وامتداداتهم، إلى درجة أن خونة الداخل أصبحوا أشد خطورة واجراما من الحركى وخونة الأمس،
وبذلك حق القول، أنها فشلت في تحقيق جميع الأهداف المعلن عنها في بيان أول نوفمبر 1954.
فعلى الجزائريين اليوم حكاما ومحكومين أن يسألوا أنفسهم بكل أمانة عما إذا كانت هذه هي الجزائر التي ضحى من أجلها الشهداء بعد ستة عقود من استرجاع السيادة الوطنية الاستقلال؟
فالواقع، وبالنظر لإمكانيات الجزائر الكامنة، والمعلنة وبالنظر أيضا لتجارب البلدان التي عرفت ثورات أشد عنفا وتدميرا من الثورة الجزائرية، يقول إنه كان بإمكان الجزائر دولة وأمة أن تكون أفضل من جيرانها عدة مرات، وأن الجزائر فشلت فيما نجح فيه الآخرون رغم فارق الامكانيات والمساحة والموقع والمناخ والثروات.
فالقول أن ما حققته الجزائر منذ 1962 الى اليوم يعد من المعجزات، كلام ينقصه الكثير من الصراحة، صحيح لا ننكر ما حققته الدولة الجزائرية لصالح الشعب الجزائري.
ولكن يجب علينا أن نمتلك شجاعة القول، أن الجزائر من أكثر البلدان في محيطها ارتكابا للأخطاء القاتلة وأقلها استفادة من اخطائها
المتواترة ومعادية للبصيرة والحكمة وهدرا للوقت والموارد الطبيعية والبشرية وهذه حقائق لا تسر المنافقين والانتهازيين واعداء الجزائريين المتسترين.
ويعتبر فصل التحرير عن الحرية الذي لا يزال قائما من بين الأخطاء الغبية والقاتلة، الفصل الذي أسفر عن هذا التصحر والتمييع للحياة السياسية ، حيث أصبحت السياسة هي عدم التدخل فيما لا يعنيك وقول كلمة حق في حاكم جائر وفاسد تؤدي بصاحبها الى السجن ، مما جعل الفساد ينتشر ويعانق كبد السماء والناس يكنون العداء لحكامهم وحتى اللجوء الى العنف المضاد لإسماع صوتهم ودرء المظالم الفاحشة على تعددها ، لقد بلغ العداء المتبادل وغير المعلن بين الحكام والمحكومين ، درجة من العدمية والعبث الذي ينذر العثور عليهما حتى في الأنظمة الديكتاتورية البائدة ، كما نراه اليوم في مختلف اشكال التعبير من خلال وسائط التواصل الاجتماعي .
يصاب المتابع لواقع الجزائر على الأرض ومن منطق الغيرة على بلده وعلى ما آلت إليه الأوضاع على أكثر من صعيد، بحالة من الإحباط الشديد والتشاؤم المقلق.
فالبلد الذي يسير من سيء إلى أسوأ وبالخطوة الموزونة وفي جميع المجالات، أمام أعين سلطة في خدمة نفسها، سلطة لا تأبه ولا تكترث لتبعات قراراتها ولا لسلوك أعوانها.
إذ نحن بصدد سلطة تجمع بين مساوئ النظام الموروث عن الاستعمار، مساوئ جرى تطعيمها بجرعات من العقلية الجزائرية المعجزة في خصوصيتها.
لقد تعرض هذا البلد المتعدد الموارد الطبيعية على يد حكامه، إلى أبشع أنواع الاغتصاب وهتك العرض والدوس على كرامة المواطنين وانتهاك حقوقهم والحجز على حرياتهم.خاصة في عهد الرئيس المخلوع. ولولا الحراك الشعبي السلمي لدخلنا في حيط حسب تعبير الجزائريين
فبدلا من أن يصبح عملاق افريقيا، بقي يراوح مكانه في مصاف الدول في طريق النمو ، بفضل السياسات الاقتصادية الكارثية ، بل تحول بالتالي إلى سوق للمواد المنتهية الصلاحية والمقلدة القادمة من الغرب وآسيا.
أن لا يحقق الاكتفاء الذاتي من الأغذية الانعام والبيض واللحوم ، في بلد الفصول الاربعة وملايين الهكتارات في حالة راحة دائمة على مدار عقود ، فهذا يطرح تساؤلات جدية حول وطنية ونزاهة واخلاص حكامه .
لدينا أمراض الفقر وسوء التغذية وهي كثيرة ومتعددة وقائمتها طويلة ومظاهرها واضحة للعيان وليس أقلها التسول والانتحار والسرقة والعنف والمخدرات بجميع انواعها.
فبعد 60 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، لا تزال معاناة الجزائريين ممتدة في الزمن من عهد الاستعمار.
فقد كادت الجزائر تتحول إلى مستورد صاف للمشتقات البترولية، علاوة على تخصيص حوالي 90 بالمائة من عائدات صادراتها من المحروقات لاستيراد الحبوب والحليب والدواء والتجهيزات التي يفترض تصنيعها محليا.
يصاب المرء بالإحباط والرعب عندما يعرف حجم الدمار الذي الحقه الحكام الذين يتواجد بعضهم بالسجون الجزائرية من خلال نهب ممنهج تصلح تفاصيله كمادة لفيلم جيد عن فساد الحكام في الجزائر.
إن ما نشهده اليوم من عودة قوية للديماغوجية الفجة والدجل الثقافي والسياسي في تسيير شؤون هذا البلد المريض، لأمر يبعث على الخوف من المستقبل مع استمرار الدوران في حلقة مفرغة وتزايد الفقر وغلاء المعيشة وانسداد افاق التشغيل وتزيد وتيرة افلاس المقاولات بسبب اسعار الحديد ومواد البناء ..الخ
إن اخطر ما يتهدد الجزائر اليوم ، لا يأتي من حارج الحدود حيث لم يعد اللجوء الى القوة والغزو يحقق الأطماع ، بل من النفاق والكذب الذي يمارسه النظام وتغذيه الترسانة الاعلامية ، ترسانة تكلف خزينة الدولة آلاف الملايير الكفيلة باقتلاع الفقر من جذوره ، ترسانة تقوم بعكس ما يجب أن تقوم به والذي يتثمل في ايصال الحقائق عارية للحكام ووضعهم في صورة المشاكل الحقيقية حتى يتسنى لهم اتخاذ القرارات الصائبة .
لم تكن الجزائر لتصل الى هذه الدرجة من العبث والتشويه والعدمية، لو تم تغليب الحكمة والعقل على المنطق الأعور الذي ساد خلال عقود الاستقلال الذي لم يحقق بعد طموحات ملايين الجزائريين في الحرية والعمل والسكن وبناء أسرة.
فما الفائدة من اخفاء حقائقنا المؤلمة وعن من نخفيها وفي مصلحة من؟ فمشاكل الجزائر ليست من الاسرار التي تخفى على أحد.
لقد استهلكنا جميع فنون الكذب والنفاق والحيل والهروب الى الأمام، ولم يبق أمامنا غير مواجهة الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا