الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعبوية وضياع بوصلة بعض النخب

علي الجلولي

2022 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



انتهى يوم 20 جوان الأجل الذي حدده قيس سعيد كي تنهي "اللجنة الوطنية الاستشارية" المكلفة بصياغة "الدستور الجديد" أعمالها. وبالفعل فقد قدّم رئيس اللجنة، الصادق بلعيد،في التاريخ المذكور مسودّة هذا"الدستور"إلى سعيّد لكي يتولى بنفسه في أجل أقصاه يوم 30 جوان إصدار الصيغة النهائية للمشروع الذي سيعرض على "الاستفتاء" يوم 25 جويلية. ورغم الضيق الكبير للوقت، ورغم عدم استجابة الأعضاء المعينين بالصفة للمساهمة في إعداد مشروع الدستور وهم خاصة عميدات وعمداء كليات الحقوق، صيانة لكرامتهم العلمية، فإن الصادق بلعيد قبل المهمة وعمل بصيغة "الحاضر يززّي".ولا أحد يعلم اليوم ما تضمنه مشروع "الدستور الجديد" ناهيك أن عدة تسريبات تؤكّد أن أعضاء اللجنة أنفسهم لم يتسلموا نسخة من المشروع الذي يفترض نظريا أنهم ساهموا في وضعه وأن معلوماتهم عنه لا تتجاوز المعلومات التي جاءت في بعض تصريحات الصادق بلعيد الذي أظهر في المدة الأخيرة عنجهية كبيرة في تعامله مع وسائل الإعلام وبالتالي مع الرأي العام لا تقل عن عنجهية سيده الذي عينه كاتبا في الغرف المظلمة لمسودة دستور على القياس. ففي المرات التي تكلم فيها بلعيد تكلم بلسان سعيد لا بلسان القيم والمبادئ الديمقراطية، ولا باسم الدولة الاجتماعية التي يريد الكثير مغالطتنا بكون قيس سعيد يناصرها ويعمل من أجلها. وفي كل الحالات فان المشروع الذي سيصدر بالرائد الرسمي لن يكون الا دستور قيس سعيد الذي مثلت لجنة بلعيد ورقة التوت التي تستر بها كي يظهر بمظهر "الإنجاز الجماعي" لعدد من "الخبراء".
الدستور الجديد دستور كاتبه.
إن الشعب التونسي، الصامت في معظمه اليوم، سوف يبقى لعقود، يتندر بـ/ ويتهكّم على/ حجم التحيّل الذي مورس على حسابه، تحيل مزدوج لأنه أتى من حاكم مستبد لا هاجس له سوى حفظ الكرسي واحتكار كل السلطات، ومن بعض النخب التي كان من المفترض أن يكون لها الحدّ الأدنى من الحسّ النقدي حتى لا نقول الحدّ الأدنى من احترام الذات لعدم المغامرة بوضع كل البيض في سلة واحدة. . لقد كانت القناعة واسعة قبل 25 جويلية 2021 أن الصراع صلب المنظومة الحاكمة كان صراعا حول "الصلاحيات"، صراعا على "الكرسي" لا علاقة له بجوهر الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والخارجية السائدة والمتّبعة التي أرهقت غالبية الشعب التونسي بطبقاته الكادحة والمفقّرة. لقد كان واضحا أنه صراع القصور الذي لا علاقة له بمطالب الناس وتطلعاتهم التي ظلت تُدمّر منهجيا من قبل كل منظومة الحكم التي تربعت على مفاصل القرار منذ 2011.ولم يكن فريق 2019 الرئاسي والبرلماني والحكومي مختلفا عما سبقه، الاختلاف الوحيد هو كون رئيس الدولة دخل بقوة في معركة المحاور وظل يترصد اللحظة المناسبة لحسم الصراع لصالحه. وهو ما حققه بانقلاب 25 جويلية 2021. وهاهو يحتكر منذ قرابة العام كل السلطات تشريعا وتنفيذا وحتى قضاء، ورغم ذلك فان أوضاع الشعب لم تتغير إلا نحوا الأسوأ على مختلف الأصعدة، والقناعة التي تنتشر اليوم بين ظهرانينا أننا بصدد رأس للحكم مغامر وشعبوييريد أن يحكم البلاد بالخطب الرنانة لا غير. وما هو وضع استثنائي اليوم سيتواصل بل سيصبح وضعا قانونيا عاديا بمقتضى التسريبات عن الدستور الجديد الذي سيكرس نظاما رئاسويا لن تكون فيه الحكومة والبرلمان والقضاء إلا وظائف تسيير تحت إمرة "الموظف الأكبر" وليست سلطات، ولن تكون ثمة هيئات تعديلية، بل هيئات صورية ترتبط برأس السلطة التنفيذية بما في ذلك المحكمة الدستورية. في كلمة إن دستور سعيد سيخرج البلاد من وضع سيء إلى وضع أسوأ، بل أن بابا كباب الحقوق والحريات الوارد في دستور 2014 قد يتحول إلى مجرد ذكرى لدى نخب البؤس التي لم تكن لديها الجرأة والشهامة كي تطالب على الأقل بالحفاظ على هذا الباب الذي عُمّد بالدماء في ذروة النضالات ضد حركة النهضة ومشاريعها الاستبدادية، مع توفير الضمانات الكافية لصيانة تلك الحريات وفي مقدمتها الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الخ...
الاستفتاء الكذبة
يواصل الموالون لـ"فخامته" الحديث عن كون الاستفتاء هو أرقى أشكال الممارسة الديمقراطية المباشرة، هكذا دون تدقيق ولا تنسيب وذلك بقصد المغالطة لا غير وهم يعلمون مثل غيرهم أن الاستفتاء كآلية قرار يرتبط بسؤال محدد في مسألة محددة يتم الحسم فيها بالقبول أو الرفض، مع تدقيق شروط القبول وخاصة النسبة من الأصوات والنسبة من المشاركة للجسم الانتخابي (ما يعرف بالعتبة). كما أنهم يعلمون أن من شروط الاستفتاء الديمقراطي أيضا وجود هيئة انتخابية مستقلة وإدارة محايدة علاوة على تمكين الناس من الاطلاع مبكرا على ما سيستفتون فيه ليناقشوه ويكونوا رأيا حوله. أما أن يعرض مشروع دستور، "قطوس في شكارة"، يضم أبوابا وفصولا متعددة على الفصل بنعم أولا، فهذا لا علاقة له بالديمقراطية. وإذا كان إعداد المشروع وعرضه والحملة حوله كلها عمليات لن تدوم أكثر من شهرين، فعن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء؟وإذا كانت، فوق ذلك كلّه، "الهيئة" المشرفة منصّبة من صاحب الاستفتاء والإدارة غير محايدة بعد أن أدخل عليها تغييرات لصالحه وصالح مؤيديه، فعن أي استفتاء نزيه "يخرّف" هؤلاء؟ إن هذا النوع من العمليات لا اسم له سوى التحيل على الشعب، ولا اسم له سوى استغلال غضب الشعب لتمرير نظام أساسي جديد للدولة قوامه حكم الفرد.
لقد صرح قيس سعيد قبل وصوله إلى قصر قرطاج أن الاستفتاءات على الدساتير هي تحيل لتمرير الاستبداد وفرض الدكتاتورية. كان هذا القول قبل التربع على الكرسي، أما اليوم فالحال غير الحال، لذلك تتعزز قناعتنا أن الصراع الذي يخوضه سعيد ويقوده ليس صراعا في صالح الشعب بل هو صراع من أجل الكرسي واحتكار السلطة لا غير، وهو احتكار لا ينتفع منه إلا أصحاب المصالح الكبرى في الداخل والخارج لأن هؤلاء هم الذين لا تتراكم أرباحهم ولا تكبر مصالحهم إلا بالحكم الفردي المطلق وتحويل الشع إلى رعيّة. إن الفاتورة التي سيدفعها شعبنا ووطننا تحت معصار الشعبوية ستكون ثقيلة، وستكون أثقل ولمدة غير معلومة إذا كان المستفيد الأساسي منها في النهاية قوى اليمين الاستبدادي الأخرى أي حركة النهضة وحزامها اللذان أنعشاهما قيس سعيد بأفعاله وأعماله والحزب الدستوري الحر الذي يحنّ إلى حكم ما قبل 14 جانفي 2011 الذي ثار ضده الشعب مستغلا ضعف الحركة الثورية والتقدمية وتشتتها وعشرية الفشل والفساد التي قادتها حركة النهضة وحلفاؤها. إن شعبنا ووطننا جديران بحاضر ومستقبل أفضل. وهو ما لن ينزل من السماء وإنما تخلقه القوى الحية والواعية من المجتمع، من الطبقات الكادحة والمفقرة ذات المصلحة في التغيير ومن المثقفين والمبدعين، نساء ورجالا الواعين ومن المناضلات والمناضلين المتمسكين بأهداف الثورة التونسية المغدورة.
علي الجلولي
تونس في 22 جوان 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!