الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القومية العربية هوية ومنهج حياة (حوار مع أحد الماركسيين العراقيين)

حسن خليل غريب

2022 / 7 / 3
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في ردك الأخير أخي الدكتور (...) عن رؤيتي للقومية، شبهتها كمثل ما شبَّهت الشعارات الماركسية وحركات الإسلام السياسي، وجاء فيه أن شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، ووحدة حرية اشتراكية)، بأنه شعار خيالي ولم يعد يتبنَّاه إلاَّ الشعراء والمثاليين. وتعيد الأسباب إلى أن (متطلبات الحياة تتجاوز العواطف القومية والدينية، وعليها لكي تكون مقبولة من الناس أن تتحدث عن اليوميات وليس عن الخيالات).
هنا اسمح لي بأن أدلي برأي حول ردك:
-أولاً: باعتقادي أن التاريخ لا يمكن لأي رأي منفرد أن يبتره، ويجبُّ ما قبل ذلك الرأي. ولا يمكن لعصر تاريخي أن يبتر العصر الذي سبقه. وذلك لأن أي عصر فيه من السلبيات التي علينا أن ننقدها ونأتي بأحسن منها للمستقبل. كما لا يجوز لنا، من منظار علمي، أن نلغي الإيجابيات، بل علينا أن نثبِّتها ونطوِّرها ونبني عليها. وغير ذلك، سوف نبدأ في البناء من الصفر.
وهنا، إذا ألغينا فلسفة الأقدمين، لم يكن الفكر البشري ليعرف التطور. ويكفينا أن نأتي بمثل عن ذلك مما تركه الأقدمون، ويأتي ما تركه سقراط، وبنى عليه أرسطو، وأضاف إليه أفلاطون. وما تركه المحدثون في فلسفة ماركس وأضاف إليه لينين، وجدد البعض من تلك الأفكار. وما تركه المفكرون القوميون العرب من أفكار مثالية، وجدَّد فيه عفلق ونزل به إلى حيِّز التطبيق في تأسيس حزب يترجم الأفكار النظرية ويحوِّلها إلى ما يلبِّي حاجة المجتمع العربي في ثلاثية الوحدة والحرية والاشتراكية. وجاء من بعده صدام حسين الذي ترجم تلك الأفكار، وبنى دولة حديثة في شتى المجالات، السبب الذي زرع الخوف في نفوس أعداء العراق والعروبة. وكانت السبب في إعادة العراق إلى ما قبل العصر الصناعي، كما وعد وزير خارجية أميركا.
قد تقول، كان صدام حسين ديكتاتوراً. ولكن هل ديكتاتوريته، إذا صحَّت، تلغي إنجازات الدولة التي قام ببنائها؟ وهل ديكتاتوريته تبرر لـ(جماعات المعارضة) أن يستعينوا بأميركا وإيران لاحتلال العراق؟ وهل يبيح سبب الديكتاتورية أن يبنوا نظاماً من أكثر الأنظمة تخلفاً في العالم؟ ومن يحكمه شلة من اللصوص الذين سرقوا كل شيء.
بين هذا وذاك، هل يجوز لقوى التحرر المصرية أن يهدموا الإهرامات لأن فرعون الذي بناها كان ديكتاتوراً؟ وهل يجوز هدم مدينة بابل العراقية لأن من بناها كان ديكتاتوراً؟ وهل على الروس أن يزيلوا إنجازات ستالين حين بنى دولة مرهوبة الجانب، حيث وقفت نداً لند في مواجهة الرأسمالية العالمية؟ وهل... وهل...
حتى الآن عزيزي الدكتور (...)، حتى يثبت عندي العكس، منهجك يسير على مثال هذه المقدمة. وأرى أنك قمت بتجميد تاريخ العراق عند حدود مرحلته الراهنة، واعتبرت أنه لاوجود لاحتلال أميركي يجب إنهاء وجوده، ولا استيطان إيراني يجب طرده. وأخشى أن تحسب أن تحرير الأرض هو خيالات مثالية.
-ثانياً: فإذا كنت تعتبر أنه لا ضرورة لتحرير الأرض، ولا أظن ذلك، فهذا ما لا يجب أن أوافقك عليه على الإطلاق. وأما إذا كنت تعتبر تحرير الأرض واجباً فأنا لم أقرأ لك في كل مقالاتك الحوارية ما يدلُّ على ذلك. وإذا خاب ظني فيما جنحت أنا إليه وكان موقفك تجاهل تحرير الأرض العراقية، فهذا أمر مؤسف.
وأما عمَّا إذا كان رأيك مع تحرير الأرض، فإن تحرير الأرض يجب أن يكون له سبب، وتأتي المحافظة على الهوية من أهم أسباب التحرير، بل في المقدمة منها. والمحافظة على الهوية ليست شعاراً خيالياً، بل هو حق واقعي نصَّت عليه الشرائع الأممية التي تعترف بحق كل شعب بتقرير مصيره. فهل تلك الشرائع على حق، أم على باطل؟
وإذا كان تحرير العراق من الاحتلال واقعاً ملموساً وليس شعاراً مثالياً وخيالياً، فلأنه حاجة شعبية عراقية. ولأن أكثر من قطر عربي يتعرَّض للاحتلال الأميركي والإيراني، بشكل أو بآخر، فمقاومة الاحتلال حاجة عربية. وعلى المقاومة أن تكتسب هويتها العربية، وهذا يقتضي أن يتعاون الشعب العربي في جبهة واحدة لتحرير الأرض.
وكما أقرأ من رأيك السلبي عن القومية باعتبارك لها جزءاً من خيالات الشعراء المثاليين، وإنك تعتمد فقط على العمل من أجل (متطلبات الحياة... لكي تكون مقبولة من الناس). وإذا كان رأيك على هذا المثال، هل يمكنني أن أستنتج أن علاج القضايا المطلبية للشعب العراقي الآن له الأولوية؟ أم أن القضيتين: تحرير الأرض يُعتبر مترابطاً عضوياً مع النضال من أجل القضايا المطلبية. هل تعتقد أنه في ظل (العملية السياسية) الحاكمة الآن، باحتضان من الاحتلالين، يمكنها أن تقوم بتوفير ضمانات لـ(متطلبات الحياة) للعراقيين؟ وهل أنت مقتنع بالأسباب التي دفعت (حميد مجيد) أمين الحزب الشيوعي العراقي بالتعاون مع الاحتلال الأميركي، وبصمته عن جرائم النظام الإيراني، وهل يقوم الحزب الشيوعي العراقي الآن بدور في الحراك الشعبي العراقي منذ ثورة أكتوبر من العام 2019. وما هو موقفه من الاحتلالين، هل يقف معهما، أم عليه أن يقاومهما؟
-ثالثاً: لكي يكون حوارنا مثمراً، أود أن أعرف بوضوح، هل أنت مع تحرير العراق من الاحتلالين معاً، وكيف؟ وهل تعترف بأن حزب البعث كان له دور أساسي في (المقاومة الوطنية العراقية) منذ التاسع من نيسان، أم لا؟
-رابعاً: عود على بدء معالجة القضية الفكرية، من زوايا أممية وقومية وقطرية:
1-عن شعار البعث: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) (وحدة حرية اشتراكية).
أ-تصف حضرتكم الشعار بأنه خيالي: وجوابي أنه باستثناء مصطلح (خالدة) الذي أتحفظ عليه إذا كان يحمل معنى نرجسياً، وإنما هو مصطلح مثالي من دون شك، لأن الخلود هو للمُثُل العليا التي أعتبرها منهج حياة لكل الشعوب، ولم تختص بها أمة من بين الأمم الأخرى.
وأما الأقسام الأخرى فهي ليست خيالية ولا مثالية، بل لها علاقة وثيقة بـ(متطلبات الحياة) السياسية والاجتماعية والاقتصادية. واستناداً إلى نصوص دستور الحزب الذي أقرَّه المؤتمر القومي الأول في العام 1947، والذي أرجو من حضرتكم إعادة قراءته، سوف أقوم بتفصيل كل واحدة منها على الشكل التالي:
-قومية عربية: إن الشعور القومي نزعة تشبه علاقة أفراد الأسرة الواحدة، واتَّسعت لتشمل الأقربين من النسب الواحد. واتسعت أكثر لتشمل الجيران الأقربين، فالأبعدين، وأبعد أبعد الأبعدين ممن تجمعهم أرض واحدة، ولغة واحدة، ومصالح مشتركة. وساعتئذٍ أصبحت تُعرف بـ(القومية)، أي الجماعات التي ترتبط بمجموعة من الشروط، كاللغة الواحدة، والتاريخ المشترك، والأرض الواحدة، والمصير المشترك.
اكتسبت القومية قيمتها النظرية في الغرب، كرد فعل على الكنيسة التي كانت تبتز أقواماً أوروبية غير متجانسة. وقام بالخطوة الأولى، مارتن لوثر الألماني. واتسعت مفاهيمها إلى أن بلغت أعلى درجات رقيها النظري في التشريعات التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة منذ أوائل القرن العشرين.
منذ ذلك التاريخ، وبسقوط الإمبراطورية العثمانية، كأكبر إمبراطورية في عصرها، اكتسبت المسألة القومية أهميتها في إدارة المجتمعات. وأصبحت واقعاً محسوساً لا يمكن لأي شعب أن يتجاوزه، ولم تعد شعاراً رومانسياً أو مثالياً أو خيالياً. ولأن أي شعب لا يمكنه أن يكون من دون هوية قومية، نعتبر أن المسألة القومية هوية واقعية، عليها أن تؤسس دولة توفر لمواطنيها سبل العيش الكريم من سياسة واقتصاد وسبل الحماية العسكرية.
وإذا كانت كل دول العالم قد أسَّست قومياتها، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فالأتراك التزموا بقوميتهم التركية، والإيرانيون التزموا بقوميتهم الفارسية. والدول الأوروبية التي كانت خاضعة لنفوذ الإمبراطورية العثمانية التزمت كل منها بقوميتها. ولكن كان من المخطط له أن لا تلتزم الشعوب الناطقة باللغة العربية بالقومية العربية. فهل أنت مقتنع عزيزي الدكتور حسن بأن لا يلتزم العربي بقوميته العربية، لأنها كما تحسب نظرية خيالية ومثالية؟
أنت تعلم كم هي حركات الإسلام السياسي، بشقيها السني والشيعي، تقف في صف العداء للقومية العربية، بحيث يعتبراها (ما وُجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام). هذا بالإضافة إلى مشاريع التقسيم الاستعمارية والصهيونية التي وضعت اتفاقية سايكس بيكو للحؤول دون وحدة الوطن العربي. تعلم أنها تشكل ثلاثية معادية للقومية العربية. وأرجو أن لا أكون قاسياً باعتبارك للقومية بأنها خيالية ومثالية، عندما أقول: وهل هذه الدعوة لا تصب في خدمة ثلاثية أعداء العروبة؟
-وحدة: بعد أن اقتنع مؤسسو الحزب بالنظرية القومية، ونادوا بها لأنها تحديد للهوية العربية التي يجتمع العديد من الشروط في تكوينها. ولأنها الهوية التي رفض الاستعمار في مؤتمر كامبل بانرمان توحيدها، لا بل نصَّ على منع توحيدها لأنها ستشكل خطورة على مصالح دوله. نتساءل: أين الخطأ في أن يكون شعار الوحدة أحد شعارات الحزب المركزية؟ وهل الوحدة أصبح شعاراً مرفوضاً لأنه بعيد التحقيق بسبب العوائق الكثيرة، الخارجية والداخلية، التي تقف في مواجهته؟
وأنت عزيزي، الذي تسكن دولة أوروبية، تعلم أن دولاً أوروبية من هويات قومية مختلفة، بذلت أقصى الجهود من أجل تأسيس الاتحاد الأوروبي، هل من المستغرب والمثالي والخيالي، أن يدعو حزب البعث إلى قيام وحدة بين أقطار عربية يجمعها عامل اللغة والتاريخ والمصالح المشتركة؟
لأن مميزات اقتصاد الأقطار العربية متكاملة، تصبح الوحدة السياسية حاجة اقتصادية ضرورية من توفير أقصى ما يمكن من (متطلبات الحياة) لمواطني الدولة العربية الواحدة. وهذا التكامل يشكل أرضية ضرورية لبناء المجتمع الاشتراكي العلمي.
-حرية: ومتى كان شعار الحرية ترفاً؟ ومتى كان شعاراً خيالياً؟ ومتى كان شعاراً مثالياً؟ ومتى كان لا يلبي (متطلبات الحياة)؟ أترك الجواب لك عزيزي الدكتور، كونك لم تبق في بلدك الأم هرباً من (الديكتاتورية). ومدى صمودك في بلدك الثاني، هو توفير مساحات واسعة للحرية لك.
ألم تكن الحرية، في الظرف الذي تأسس فيه حزب البعث، وفي الظروف اللاحقة، وفي الظروف الراهنة، هي أحد أكبر الحاجات الحياتية لمواطني الأقطار العربية.
-اشتراكية: عندما تتحول الرأسمالية إلى عامل لسرقة جهد العمال والفلاحين، ولأن استرداد حقوق هذه الطبقة، لأنها متطلبات حياتية تمنع استغلال جهدهم لتصب في جيوب طبقة رأسمالية محدودة، كان من الواجب أن يتم التفتيش عن وسيلة تضمن استعادة هذه الحقوق، فوجد المفكرون الأوائل الحل في المذهب الاشتراكي.
وبعد أن درس الحزب، من ضمن منهجه الاقتصادي والاجتماعي في تحقيق العدالة والمساواة بين البشر. فكان من الطبيعي أن يعتنق حزب البعث المذهب الاشتراكي. ولكنه إذا كان من الصعوبة بمكان تحقيق هذ المنهج في الوطن العربي، على أساس قطري، فإن تكامل الموارد الاقتصادية، استخراجاً وتصنيعاً وتوزيعاً، كفيل بتطبيق قواعد المجتمع الاشتراكي العربي.
وإذا كان البعض يريد أن يجد البديل للاشتراكية العلمية، كبعض الدول الغربية الرأسمالية، فوجدوا الحل في نظام العدالة الاجتماعية.
وإذا كان هناك اعتراضاً على صعوبة تطبيق المنهج الاشتراكي، فهذا لا ينفي أهميته في توفير العدلة بين جميع مواطني الدولة العربية.
عزيزي،
إن شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية لها علاقة وثيقة بأهداف أوسع الجماهير. ومن دون الغرق بالتفاصيل، أعتبرها شخصياً، أهداف حقيقية، وليست خيالية من صنع الشعراء، بل هي شعارات استندت إلى أسباب علمية.
أعتقد أننا بحاجة ماسة لمتابعة الحوار. مع أجمل تحيات أخوكم حسن خليل غريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ