الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان وسايكس بيكو والسياسة الخارجية الأمريكية: 100 عام على سايكس بيكو (5)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2022 / 7 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة: محمود الصباغ
غاب لبنان، منذ فترة، عن الخطاب السياسي الذي يديره سياسيون أو باحثون أو حتى وسائل الإعلام. ولا ينشأ الاهتمام بلبنان إلا عند وقوع حدث أمني على أراضيه أو في سياق معالجة مشكلة حزب الله. ومثل هذا الإغفال هو مؤسف بلا شك، لأن لبنان، الذي ليس جزيرة محصنة ضد الاضطرابات الإقليمية، يساهم، سلباً أم إيجاباً، في مثل هذه الأحداث الكبرى. ولا يمكن، بالتالي، التعامل مع الوضع السائد في لبنان دون مراعاة الديناميكيات الإقليمية المتغيرة. وتأكيدًا على هذه النقطة، عرف لبنان تاريخاً من الحكومات الضعيفة، والتدخل الأجنبي والحدود التي يسهل اختراقها. وكان لبنان، منذ نشأته ككيان سياسي مع إعلان لبنان الكبير في العام 1921، بمثابة ساحة للصراعات الإقليمية، وهو دور تفاقم بسبب الانقسام بين أصحاب المصلحة في البلاد المؤيدين للغرب والمعارضين له. ونتيجة لاتفاقية سايكس بيكو على وجه الخصوص، حكم لبنان في عهد الإنسان الفرنسي من العام 1923 إلى العام 1946. وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية 1948، أصبح لبنان موطناً لأكثر من 110،000 لاجئ فلسطيني، وهو عدد وصل إلى 300،000 بعد حرب 1967 العربية الإسرائيلية وأيلول الأسود في الأردن عام 1970. وقد أبرزت أحداث العام 1958 الضعف المتأصل في الدولة اللبنانية لأول مرة، عندما اندلعت الحرب الأهلية بين مختلف الفصائل في البلاد. واتسم موقف لبنان الدولي بتعاطف رئيسه المسيحي كميل شمعون مع حلف بغداد، لاسيما الشكوك المتزايدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا. ومما زاد من إضعاف الدولة بروز منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في أعقاب حرب الأيام الستة -بعد التأسيس الرسمي للمجموعة في مصر في العام 1964- مما أدى إلى إنشاء دولة داخل الدولة. وهكذا كانت البلاد مثقلة بعبء الفصائل الفلسطينية التابعة المختلفة المتدفقة من سوريا والعراق وليبيا، وأدى تبادل إطلاق النار مع إسرائيل إلى زيادة الشعور بعدم الاستقرار. وشهد العام 1975 بداية الحرب الأهلية المدمرة في البلاد، والتي أدت، لاحقاً، إلى دخول القوات السورية إلى البلاد، فضلاً عن الغزو الإسرائيلي في العام 1978 والتوغل الشامل في العام 1982 الذي وصل إلى العاصمة بيروت، هذا الاجتياح الذي أظهر، منذ العام 1983، بروز لاعب غير حكومي، أي حزب الله ، الذي يضم ميليشيا طائفية شيعية قوية متزايدة بالإضافة إلى ذراع سياسي. ويضع الجناح العسكري، للحزب، نصب عينيه مهاجمة إسرائيل، بينما تسعى القيادة السياسية إلى الاستيلاء على السلطة المحلية وتوسيع النفوذ الإقليمي لراعيها إيران. وبالنظر إلى هذه الخلفية الواسعة، سيحاول السرد التالي الكشف عن الدور المهيمن للاعبين الخارجيين المتداخلين في السياسة والأمن في لبنان. في الواقع، من أصل اثنين وستين عاماً من العام 1943، عندما حصل لبنان على استقلاله عن فرنسا وحتى العام 2005 عندما غادرت القوات السورية البلاد، احتلت القوات العسكرية الأجنبية البلاد لمدة اثنين وأربعين عاماً. ويشمل ذلك الفرنسيين والفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين والأمريكيين، إلى جانب قوات الأمم المتحدة والإيرانيين، عبر وكيلهم حزب الله. وبناءً عليه، لم يتمتع لبنان قط بالسيادة الدولية الكاملة والفعالة. وفي ضوء هذا الواقع الداخلي والاضطرابات الإقليمية التي أبرزتها الحرب السورية، يمكن للمحللين الاستفادة من النظر إلى التحديات الرئيسية والأصول الأساسية للبنان، إلى جانب الطرق المقابلة التي يمكن أن تساعد بها الولايات المتحدة البلاد في الحفاظ على سيادتها وأمنها.
التحديات التي يواجهها لبنان
-التحدي الأول: حزب الله. يشكل حزب الميليشيا الشيعية الصاعد أكبر تهديد للبنان، فيما يتعلق بتأثيره في صنع القرار في سياسته الداخلية والخارجية. بعد أن نما إلى لاعب سياسي وعسكري مستقل، يتمتع حزب الله بإمكانية الوصول إلى أسلحة حديثة وثقيلة ولديه دعم حقيقي من شرائح كبيرة من المجتمع الشيعي في لبنان. وفي حين أن وجود قاعدة انتخابية قوية ليس مفاجئاً بالنسبة لأي حزب سياسي، فإن احتكار حزب الله للطائفة الشيعية أمر غير معتاد وضار، لا سيما في النظام السياسي اللبناني القائم على أساس طائفي. وبدعم من قوته العسكرية، يمكن لحزب الله أن يشل عملية صنع القرار والعمليات الديمقراطية، وبالتالي تحويل مؤسسات الدولة إلى قوقعة مغلقة. بالإضافة إلى ذلك، أثبتت أنشطة حزب الله العابرة للحدود أنه قوة إقليمية تعمل بشكل علني في مختلف البلدان التي مزقتها الحرب تحت قيادة إيرانية مباشرة. استخدمت الجماعة قوتها العسكرية ضد المجتمعات والأطراف اللبنانية الأخرى لتحقيق مكاسب سياسية، كما حدث في المواجهة العسكرية في العام 2008، بالإضافة إلى دعم نظام الأسد في سوريا والانخراط في عمليات سرية لزعزعة استقرار دول الخليج العربية التي يقودها السنة، مما أثار الإحباط والاستياء بين السنة والمساعدة في نشر الفكر المتطرف داخل المجتمعات اللبنانية المهمشة. كما وضع حزب الله لبنان بشكل فعال تحت السيطرة الإيرانية، مما خلق توترات مع خصم إيران الإقليمي، المملكة العربية السعودية، ودفع دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية إلى إعلان حزب الله منظمة إرهابية.
-التحدي الثاني: اللاجئون السوريون. تجاوز التدفق الهائل للاجئين السوريين إلى لبنان المليون، مما أدى إلى إجهاد بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة. بصرف النظر عن الجانب الإنساني، أحدث التدفق المفاجئ أزمة ذات تداعيات متعددة، بالنظر إلى الضعف المؤسسي للدولة، والموارد الضئيلة، والبنية التحتية الهشة، والاقتصاد المتدهور، وربما قبل كل شيء التوازن الطائفي شديد الحساسية. إن إلقاء نظرة فاحصة على قضية اللاجئين يكشف: أولاً، بدلاً من العيش في مخيمات رسمية، يتفرق اللاجئون السوريون بين التجمعات السكانية اللبنانية في جميع أنحاء البلاد. ثانياً، إلى جانب الانقسام الداخلي حول كيفية التعامل مع الصراع السوري، أدى وجود اللاجئين إلى تكثيف المخاوف الأمنية التي تركز على المشاعر السائدة المناهضة للنظام السوري لدى اللاجئين وإمكانية أن تنذر بالتطرف والنشاط الإرهابي في لبنان. ثالثاً، أثقلت أزمة اللاجئين الاقتصاد اللبناني الهرم وألحقت أضراراً بالبنية التحتية وزادت من سوء الوضع الاقتصادي الهش بالفعل، حيث أغرق اللاجئون سوق العمل. رابعاً، أثر تواجد اللاجئين على التوازن الديموغرافي في لبنان، مما أدى إلى تمكين المجتمع السني. وبشكل عام، يعد وجود اللاجئين السوريين في لبنان قنبلة موقوتة ذات عواقب غير واضحة ولكنها قد تكون وخيمة.
التحدي الثالث: الفلسطينيون. تضم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي 450.000 لاجئ، معظمهم من السنة ويمثلون ما يقدر بنحو 10%
من سكان البلاد. وتكاد تكون هذه المخيمات خارج أي سلطة، وتتميز بظروف اقتصادية واجتماعية مزعجة، وتستضيف عدة ديانات، على الرغم من الهيمنة السنية. كما يشمل السكان أعضاء في المنظمات السياسية والعسكرية التابعة لأجهزة المخابرات الأجنبية، بالإضافة إلى عدد كبير من المطلوبين الخارجين عن القانون.
-التحدي 4: الهشاشة الداخلية. وتغذيها التحديات السابقة التي تم ذكرها بالفعل، ويضمر اللبنانيون قلقاً وطنياً بشأن الصراع السوري الممتد إلى لبنان. ويزداد الوضع تعقيداً بسبب الحدود التي يسهل اختراقها، وتهريب الأسلحة، والمناوشات عبر الحدود، وتعميق مشاركة حزب الله الموالي للنظام من جهة، والدور المحدود للإسلاميين السنّة اللبنانيين المناهضين للنظام من جهة أخرى. وتقترن هذه التطورات بالتدفق الهائل للاجئين، وتورط لبنان بشكل أعمق من أي وقت مضى في الصراع المجاور.
الأصول اللبنانية الأساسية
على الرغم من التحديات الهائلة، يمكن الاستفادة من عدد من الاتجاهات الإيجابية التي عززت لبنان حتى الآن لضمان بقائه.
-تراجع الصدع المسيحي الإسلامي. ترافق الضمور النسبي للخلاف الطائفي بين المسيحيين والمسلمين مع تزايد الاستقطاب السني الشيعي من جهة وتصاعد التوتر بين الفصائل المسيحية في حركات 8 و 14 آذار من جهة أخرى. على الرغم من الخطر الكامن في هذا التحول، فإنه يجعل من الممكن تغيير جذري في الخلاف من ديني إلى سياسي.
-المرونة الاجتماعية والسياسية. أظهر اللبنانيون مرونة وقدرة على التكيف مع جميع الظروف. وتجاوزوا مؤسساتها، في مواجهة الدولة المعطلة، ولجأوا إلى البدائل المخصخصة في جميع القطاعات تقريباً. وهذه المرونةـ بصراحة، سيف ذو حدين، لأنها أدت إلى استمرار الأزمة.
-المجتمع المدني الهادف. كان للبنان، تاريخياً، مجتمع مدني نابض بالحياة يعمل على مجموعة واسعة من القضايا السياسية والتنموية ويتمتع بهامش كبير من الحرية. على الرغم من الفصل الطائفي الأكبر من دول المنطقة الأخرى، يبدي لبنان تفاعلًا منتظماً عبر الخطوط الطائفية، غالباً ما يكون غائباً عند جيرانه -سواء في المنظمات المدنية أو أماكن الإقامة أو المدارس أو أماكن العمل أو أماكن الترفيه-.
-قطاع خاص قوي. تتجلى قوة القطاع الخاص بشكل خاص على المستوى الاقتصادي وباعتباره مساهماً رئيسياً في الطبقة الوسطى السائدة في المجتمع اللبناني.
ماذا يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من أجل لبنان؟
مع الأخذ في الاعتبار أن حياد بلد قوي مثل الولايات المتحدة أمر وهمي، لا يمكن استبعاد لبنان من استراتيجية أمريكية كبرى جديدة للشرق الأوسط، نظراً لأن معظم مشاكل البلاد مرتبطة وتعكس الصعوبات العميقة في المنطقة. والفوضى. ولسوء الحظ، فإن تاريخ التدخل الأمريكي في لبنان، منذ عام 1969 - عندما سمح اتفاق القاهرة ضمنياً بوجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وبالتالي بدأ الأزمة الوجودية للبلاد- كان مخيباً للآمال. اختار صانعو السياسة في الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، الرد على الأحداث بدلاً من تبني استراتيجية استباقية وواضحة. علاوة على ذلك، كان من أبرز الأهداف التي رسختها هذه السياسة الحفاظ على أمن الحدود الشمالية لإسرائيل بغض النظر عن أي موضوع آخر. وبالتالي، هناك حاجة إلى تقويم أوسع لسياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان والمنطقة على غرار ما يلي:
- إدارة منخرطة في شؤون المنطقة كلاعب قوي تسترشد برؤية واضحة لما تريده من المنطقة وما تريده المنطقة من الولايات المتحدة.
-في ضوء الشرق الأوسط المضطرب، على الولايات المتحدة تنمية سياسة أمريكية شاملة تتجنب الميل الأمريكي للإصلاحات السريعة وإعطاء الأولوية للمنفعة قصيرة الأجل على المنفعة الاستراتيجية طويلة الأجل.
-ملء الفراغ الذي خلفته السياسة الضمنية الحالية المتمثلة في "القيادة من الخلف". وفي حالة استمرار هذا الفراغ، يمكن أن تشمل الأطراف المتلهفة لملئه متطرفين عنيفين عسكريين أو دينيين ولاعبين دوليين استبداديين مثل روسيا والصين.
-المساعدة في إنهاء الحروب الأهلية في المنطقة بشكل استباقي، وهو انعكاس للحياد الحالي الفعال للولايات المتحدة تجاه مثل هذه الحروب، التي أصبحت المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
-والأهم من إنهاء الحروب الأهلية القائمة، الدفع بالسياسات التي من شأنها أن تساعد في تجنب ظهور دول فاشلة جديدة وحروب أهلية، ودفع دول المنطقة إلى تبني الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي باعتباره الحلول الوحيدة القابلة للتطبيق على المدى الطويل.
-الامتناع عن الاستعانة بمصادر خارجية للمشاكل الإقليمية لأنظمة استبدادية فاسدة وغير كفؤة وقاسية وتمكين وكلاء الديكتاتوريات الإقليمية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة. مثل هذا القمع لا يمكن إلا أن ينتج استقرارا زائفا.
-الدفع بسياسات تركز على المظالم القديمة في المنطقة والمشاكل العميقة الجذور، ولا تركز على الجماعات المتطرفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة. هذه المجموعات هي أعراض لمشاكل المنطقة وليست جذورها.
-الاعتراف بأن التدخل الإيراني في المنطقة أخطر من حيازة النظام للأسلحة النووية.
-وعلى نفس المنوال، القيام بتركيز أمريكي ودولي أكبر على مكافحة التطرف الشيعي، وهو أمر خطير مثل التطرف السني.
-الدفع باتجاه تسوية عادلة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بما يمكنه أن يمهد الطريق لسلام عربي إسرائيلي شامل.
-إعادة بناء الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين التقليديين. أدت السياسة الخارجية الأمريكية المحايدة فعلياً في المنطقة إلى فقدان ثقة الحلفاء دون كسب شركاء جدد من أعدائها السابقين.
لن يتم التوصل إلى حلول جوهرية لمشاكل لبنان مع احتدام حروب المنطقة. في هذه المرحلة، كل ما يريده الكثير من اللبنانيين من واشنطن هو المساعدة في الحفاظ على الأمن، إلى جانب الاستقرار السياسي والاقتصادي، لمنع انهيار الدولة. يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتقوية مؤسسات الدولة، وتعزيز الاقتصاد، واحتواء تفوق حزب الله السياسي، مع تقليص الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه إيران لنظام الأسد. أخيراً، يجب ألا تسمح واشنطن بأي تسوية إقليمية كبرى تتم على حساب هذا البلد الصغير ولكنه هام.
العنوان الأصلي: The Lines That Bind, 100 Years of Sykes-Picot
اسم المؤلف: SAM MENASSA
الناشر: THE WASHINGTON INSTITUTE FOR NEAR EAST POLICY, https://www.washingtoninstitute.org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة