الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قَطَر، مُنْتِجَة الرّوائح الكريهة

الطاهر المعز

2022 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قَطَر، مَشْيَخَة برائحة الغاز

تقدر ثروة حَمَد بن جاسم بن جابر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء القطري من 2011 إلى 2015، بنحو 12 مليار دولارا، وكشف موقع صحيفة صنداي تايمز (26 حزيران/يونيو 2022)، وهي نسخة نهاية الأسبوع من صحيفة "تايمز" اليومية، أن وريث العرش البريطاني تَلَقَّى، ثلاثة ملايين يورو من حمد بن جاسم، تم تحويلها إلى مؤسسات يديرها الأمير، وتعتبر هذه التحويلات بمثابة شراء الضمائر، بصورة مُسبقة، أو للإعراب عن الشّكر، لقاء خدمات تم تقديمها لصالح الأُسْرة المالكة لقَطَر، وكشفت سلسلة من التحقيقات الموثقة جيدًا بعنوان ( Qatar Connection ) بين نيسان/أبريل وتشرين الثاني/نوفمبر 2021، عن شُكْرِ أمير قطر لشخصيات فرنسية، مثل نيكولا ساركوزي ولاعب كرة القدم السابق والمسؤول السابق عن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (ميشال بلاتيني)، بدفع أموال لهم، كما يُشتبه في أن قطر استغَلّت فساد قادة الإتحاد الدّولي لكرة القدم (فيفا ) والشخصيات السياسية وأصحاب وسائل الإعلام مثل برنارد هنري ليفي، فرَشَتْهُم مقابل الحصول على تنظيم كأس العالم لكرة القدم (تشرين الثاني/نوفمبر 2022).
تسببت مواقع البناء، خلال التحضيرات المرتبطة بهذا الحدث الرياضي، في مقتل مئات العمال المهاجرين، ومع ذلك ، فإن منظمة العمل الدولية (تَضُمُّ مُمثِّلِي النقابات وأرباب العمل والحكومات) والفيفا تُهلِّلُ وتُهنِّئُ قطر على "إلغاء العمل الجبري".
نشرت الصحافة الأنغلوسكسونية، منذ العام 2014، عدة تحقيقات عن الظروف المعيشية وسوء معاملة العمال الأجانب في موقع البناء الخاص بكأس العالم 2022، حيث يعمل الآلاف منهم ليلًا ونهارًا لبناء الملاعب والبنى التحتية والمدن الجديدة اللازمة لهذا الحدث، وتُوحِي التحقيقات (الموثقة) بمقتل المئات من هؤلاء العُمّال، ما جعل العديد من المسؤولين في منظمة العمل الدولية - ولا سيما اتحادات النقابات العمالية - يُعَبِّرُون علنًا عن قلقهم، وتقدمت عدة نقابات أعضاء في منظمة العمل الدولية بشكوى، في حزيران/يونيو 2014، ضد مشيخة قطر "لعدم تطبيق بنود اتفاقية حَظْر العمل الجبري واتفاقية تفتيش العمل"، وطلبت النقابات من مكتب العمل الدولي (المكتب التنفيذي لمنظمة العمل الدولية) تشكيل لجنة تحقيق، فَرَدّت أسرة حمد آل ثاني بالتهديد بالانتقام من الدول التي قَدْ تدعم مبادرة الاتحادات النقابية التي تدعو كذلك إلى تنفيذ عدد من الإصلاحات ، بما في ذلك إلغاء نظام "الكفالة"، وانتهجت الأسرة المالكة لِمَشْيَخة الغاز العمل مع الحكومات الغربية وخلف كواليس منظمة العمل الدولية، ونجحت في إزاحة المسؤولين عن الملف داخل منظمة العمل الدولية ، كما نجحت في في تشويه سمعتهم عبر شراء ضمائر مالكي وسائل الإعلام، ما أدّى إلى رفض شكوى النقابات العمالية، وإغلاق الملف، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بعد ثلاث سنوات من المفاوضات العقيمة، واستبدلت منظمة العمل الدّولية التحقيق في الشّكوى بإعلان (سنة 2018) إرسال بعثة تعاون تقني للتفكير في الحلول، وفي العام 2019 أعلنت قطر عن إصلاح هام، وادّعى الإعلان إلغاء "الكفالة" ووضع حد أدنى لأجور العمال المهاجرين، ما جعل منظمة العمل الدّولية ووسائل الإعلام الرئيسية المُهَيْمِنَة تُثْنِي على مشيخة قَطَر...
أما بالنسبة للعمال ضحايا هذه الأشغال الإنشائية الضخمة فإن قطر تعترف رسمياً (حتى نهاية عام 2019) ب 39 حالة وفاة على مواقع بناء ملاعب كأس العالم لكرة القدم المقبلة، أي أن هذا الرقم يخص فقط ضحايا بناء الملاعب ويُهمل ضحايا البنى التحتية الأخرى كالفنادق والطرقات والجسور والمدن الرياضية إلخ.
تقدر صحيفة الغارديان اليومية البريطانية عدد العمال من جنوب آسيا الذين لقوا حتفهم في قطر (باستثناء مواقع بناء الملاعب ) بنحو 6500 بين سَنَتَيْ 2010 و 2019، وشَكّكت مشيخة قَطَر في هذه الأرقام، لكن بعض وثائقها تعلن عن أكثر من 15 ألف حالة وفاة بين العمال الأجانب بين عامي 2010 و 2019، وعدّت ذلك ضمن حالات الوفيات "الطّبيعية"، ناكِرَةً العلاقة بين هذه وفيات العمال (في عُمر الإنتاج، بكامل قوتهم) وظروف العمل وسوء المُعاملة والإهمال الصّحّي والغذاء الرديء الذي لا يناسب جُهْد العمل، والسّكن الرديء وغير الصّحِّي...
وقَّعَ مكتب العمل الدولي اتفاقية تعاون تقني مع قطر التي أشارت حكومتها إلى تخصيص مليون دولار (أكثر من ذلك بكثير في الواقع) لتطبيق هذه الإتفاقية، ووضع أُسُس تطبيقها، مقابل التغاضي عن الضحايا وانتهاكات حقوق العمال وحقوق الإنسان، أي أن المتهم بانتهاك الأعراف والقوانين، يُموّل مَسار التحقيق في صحّة، أو عدم صحّة الإتهامات، وتسوية النزاع.
أشار "لوك كورتيبيك"، وهو زعيم نقابي لاتحاد نقابات العمال المسيحيين في بلجيكا وبالاتحاد الدولي لنقابات العمال، بشكل غير مباشر إلى موضوع التّمويل، فقد كان، منذ العام 2017 يرْأَسُ مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، ونشر ، في العام 2020 ، كتابًا بعنوان: "لا يزال هناك عمل يتعين القيام به"، وهذا يعني أنه لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي يتعين القيام بها، ويكشف الكاتب والزعيم النقابي (صفحة 122 من النّسخة الفرنسية) أن قطر دفعت 25 مليون دولار (وليس مليون دولار، كما ادّعت حكومتها) لدعم برنامج تقني لمنظمة العمل الدولية، كما دفعت قطر لمكتب العمل الدولي تكاليف رواتب وبدلات موظفي المكتب الذين كانوا في مهمة تفتيش بقطر، كما دفعت ثمن الإقامة بالفنادق والتنقّل بسيارات الأجرة والرحلات التّرفيهية... ويمكن الإستنتاج أنى قَطَر استخدمت هذه الأموال ( من مبيعات الغاز، ومن عَرَق العُمّال الآسيويين) لإغلاق ملف التحقيق في واحدة من فضائحها العديدة، كما يمكن استنتاج درجة الفساد التي تُمَيِّز بعض مسؤولي منظمة العمل الدولية، وهي الوصي على احترام قانون العمل على المستوى الدولي، على هناته، وليس من قبيل الصدفة، تزامُنُ كَيْل المَدِيح والثناء على مشيخة قطر، مع تستدي هذا المبلغ الباهظ، وبفضل 25 مليون دولارا، لم تعد منظمة العمل الدولية والفيفا معنيَّتَيْنِ بمصير العمال المهاجرين الذين يبنون الملاعب والبنية التحتية، في قَطَر وفي جميع دويلات الخليج، وأصبحت المنظّمتان، منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، لا تُفوتان أي فرصة للتعبير عن مديح وشُكْر قطر، والتّسْبِيح بحمدها.
في قطر، تسبب إعلان انتهاء نظام الكفالة (الذي بقي مُجرّد إعلان، لم يتم العمل به) في استياء بعض فئات السكان، لأن نظام (الكفالة) يثري العائلات الكبيرة من الأعيان القريبين من السلطة، التي يبيع أفرادها قوة عمل هؤلاء العبيد للشركات ، وفي الواقع، تضمّن مشروع القانون عدة استثناءات التي تُلْغي روح هذا المَرْسُوم. أما الحد الأدنى للأجور، فيبلغ 230 دولاراً في الشهر، مقابل العمل 12 ساعة في اليومن لستة أيام في الأسبوع، في ظروف غير إنسانية، ولم يتم تحديد الراتب وفقًا للأسعار في قطر ( التي تعادل الأسعار المعمول بها في أوروبا)، ولكن تم تحديده على أساس المستوى المعيشي المُتَدَنِّي جدًا في نيبال أو الهند أو بنغلاديش، والغريب في الأَمْر مُصادَقَة مجلس إدارة منظمة العمل الدولية ، في 14 تشرين الأول/أكتوبر2018 على "الاتفاقية الفنية المبرمة مع قطر" والتي تتضمن بُنُود التمييز والأجور المتدنية للغاية، للعمال المهاجرين بقطر، الذي يعملون لمدة 72 ساعة في الأسبوع، ويخلق هذا الحد الأدنى للأجور فئة من العُمّال المُهَمّشين، والمُسْتَغَلِّين بشكل لا يليق بالإنسان، ولا يليق بمنظمة دولية أن توافق على تطبيقه، إذْ يُفْتَرَضُ أن تعمل منظمة العمل الدولية على حماية العمال وتحسين ظروفهم المعيشية ورفع المعايير التي تحكم ظروف عملهم.
اشترت إذًا أموال الغاز القطري مؤسسة من المفترض أن تحافظ على كرامة العمال الأضعف والأكثر فقرًا، وفي الثامن من نيسان/ أبريل 2022 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرارًا يرحب بقطر لاستضافة كأس العالم 2022، ويُشيد بها، وبعد شهر، في الثالث والعشرين من أيار/مايو 2022، كان أمير قطر (تميم بن حَمَد آل ثاني) في دافوس بسويسرا ، في المنتدى السنوي للأثرياء، وأشاد به الأثرياء على "سياسة الباب المفتوح".
لا يمكن "للمجتمع الدولي"، والنقابات العمالية، والأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، والصحافة، والحكومات أن تضع نفسها في مكان عئلات ضحايا ظروف العمل في قطر، وضحايا تنظيم بطولة العالم لكرة القدم 2022، فهؤلاء العُمّال من الأشخاص الذين لا صوت لهم: وتيتجاهل مسؤولو هذه المنظمات لوعة وأَلَم عائلات آلاف الضحايا، ضحايا هذه العائلات، وبذلك تتجاهل هذه المنظمات مفاهيم القانون والعدالة، فهؤلاء الملايين من العمال الذين يعانون ويعيشون.
ملاحظة: نظام الكفالة في دول الخليج، هو نظام مُتوارث، شبيه بالعُبُودية أو القنانة، يضع العمال المهاجرين (الوافدين) في حالة من الوصاية والتبعية التامة تجاه مواطني الخليج، الذين يحتجزون وثائقهم الشخصية، لكي لا يتمكنوا من تغيير رب العمل أو مُغادرة البلاد، أو حتى التنقل داخل البلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا