الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقابلة صحفية مع الله - الحلقة الثانيةَ عَشْرَةَ

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 7 / 6
الادب والفن


الحلقة الثانيةَ عَشْرَةَ
12

شعرت بالنعاس يدب في أوصالي من شدة الحرارة وشعرت بالرغبة في الإستلقاء على الأرضية الإسمنتية الباردة، لحظة سمعت خطوات ثقيلة في الممر، انفتح بعدها باب الزنزانة وظهر شرطي يتثائب على المدخل يبدو كأنه استيقظ لتوه من قيلولة طويلة وأشار لي بأن أتبعه، وقبل أن أتحرك سألته إن كان بالإمكان أن أذهب لدورة المياه، وضحك ضحكة أوتوماتيكية لم أعرف لا المعنى ولا السبب، ولم يرد على سؤلي، وأدركت فشل المحاولة، ونهضت متثاقلا وسألته إن كا بإمكانه أن ينقذني بسيجارة، ولكنه لم يرد على السؤال، كأنه خمن عملية الإستفزاز، وسرت ورائه في ممر طيل به حجرات عديدة على كلا الجانبين، ويبدو وجود العديد من الناس في هذه الحجرات المغلقة، حيث العديد من الأصوات تتناهى من بعضها. وفي نهاية الممر توقف الشرطي أمام باب مكتب حديث الطلاء وطرق مرتين طرقات خفيفة وفتح الباب ثم تنحى جانبا قائلا لي : تفضل، ودخلت وقفل الباب ورائي.
كان الضابط، أو ما أفترضت أنه ضابط، لعدم درايتي بالرتب العسكرية أو بالتراتب الإداري في مثل هذه المؤسسات، كان وراء مكتبه يتصفح كراستي بدون إهتمام واضح، واتجهت نحوه وجلست على الكرسي الوحيد المتواجد أمام المكتب. وقال وهو ما يزال يقرأ آخر صفحة كتبتها في المقهى: تفضل، إجلس. فقلت له: شكرا، يا .. وأشار لي بيده دون أن ينظر إليّ إشارة مفادها أن أسكت أو أنتظر أو كلاهما معا. وتململت في مكاني منزعجا من إشارته وكذلك لأنه يقرأ أوراقي الشخصية دون أن يكون له الحق في ذلك. ونهضت في النهاية غاضبا ووقفت أمامه قائلا بصوت هادئ ولكن بحزم: يا حضرة الضابط، لقد بقيت ساعة أو أكثر في زنزانة لا نوافذ لها بحجة أن رئيس مركز الشرطة يريد مقابلتي أو التحقيق معي في قضية أجهلها. ومددت يدي وأخذت كراستي من يديه بهدوء وبدون عنف، وواصلت : هذه أمور شخصية يا حضرة الضابط ولا يحق لأحد الإطلاع عليها .. إلا بأمر من القضاء. لم يرد ولم يظهر على وجهه أي تعبير، وبقي صامتا ينظر إلى الكراسة في يدي وكأنه يحلم أو يتضاهر بالحلم. فقلت له: الآن ما الذي تريده مني؟ لماذا بعث شرطيين لإحضاري وكأنني أرتكبت جريمة، لقد كنت جالسا في مكان عام يسمى المقهى أشرب قهوتي، فهل هذه جريمة ؟ الآن كان ينظر إلي من وراء نظارته وكأنه يفكر أو يدبر أمرا ما، وفي نهاية الأمر أتكأ بكرسييه إلى الوراء قائلا وكأنه يريد تغيير موضوع الحديث: هل تعرف بأنك تعيش في مجتمع تقليدي، نحترم العرف والعادات التي نقلها لنا آبائنا وأجدادنا ؟ هل تعرف أن الإستخفاف بالدين أوالتعدي على الدين أوإهانة الدين جريمة يعاقب عليها القانون؟ أما التعدي على جلالة الله فعقابها قطع الرأس، ثم واصل بغضب: هل تعرف ذلك، قطع الرأس. فقلت له بوقاحة غير مقصودة: هل رفع الله ضدي قضية ؟ هل أشتكى الله من تصرفاتي أو من آرائى نحوه ؟ ومن أخبرك بأنني تعديت على صاحب الجلالة ؟ وهل كلفك الله للدفاع عنه ؟ وفي نهاية الأمر، هل أنت في خدمة الشعب أم في خدمة صاحب الجلالة ؟ من يدفع راتبك ؟ فنزع نظارته متمتما: أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله .. أعوذ بالله، ثم قال مشيرا لي بسبابته متوعدا: لا تلعب معي هذه اللعبة، لدي دليل واضح مكتوب بخط يدك. قال ذلك وهو يشير إلى كراستي التي وضعتها في جيبي وجزء منها ما زال بارزا. وواصل مغتاضا : ما علي إلا أن أكتب تقريرا وأرسلك للقاضي. فقلت له: يالا على بركة الله، وتوجهت إلى مدخل المكتب بهدوء، وسمعت صوت صرير كرسيه وهو ينهض ثم يصرخ قائلا : إسمع ، أنت في مركز شرطة، مع رئيس مركز الشرطة، عليك أولا أن تحترم الأوامر، أنا الذي يوجه الأسئلة هنا وأنا الذي أقرر. فقلت له بهدوء: إنني رهن إشارتك يا سيادة الضابط، أرسلني إلى القاضي أو القاضية، أنا مستعد للذهاب حتى محكمة الأمن الدولية إذا تطلب الأمر، لدي ما يكفي من الوقت، لم أرتكب أي جريمة ولم أنتهك أي قانون، إلا إذا كانت هناك قوانين سرية لا نعرفها. وأعادني إلى مكاني وجلست قبالته على الكرسي، وبعد لحظات من الصمت وهو يهز رأسه يمينا وشمالا قال: أين تعتقد أنك تعيش؟ من أين خرجت؟ هل أنت من أهل الكهف؟ أليس لديك ولو فكرة بسيطة عن الدنيا التي تحيط بك؟ أنت صحفي ومثقف و.. فقاطعته : إنني مجرد صحفي ولا أدعي الثقافة، أكتب ما أراه وأسمعه وأبيعه للجرائد والمجلات. فقال: المهم، أنت كاتب تعيش من بيع الكلام والأخبار والقيل والقال، وأنا رئيس مركز الشرطة في هذه المدينة وعلي أن أقوم بعملي، وعملي هو حماية المواطنين من بعض أنواع الكلام الذي تبيعه أنت وغيرك، حسب ما يقره القانون. أنت الآن مشكلة بالنسبة لي، لقد خالفت القانون وعلي أن أتخذ قرارا بخصوصك، وهذا القرار يتوقف عليك وحدك، تتعاون أو ترفض التعاون؟ لم أحاول ولو للحظة واحدة أن أفكر في المسائل القانونية لعلمي بأنه لا يجهل القانون من ناحية ومن ناحية أخرى أنه لا يحترم هذا القانون، وأعرف أنه في الواقع هو وحده القانون ويستطيع أن يقرر ويحكم بما يشاء، ومع ذلك سألته سؤالا قانونيا لمجرد حب الإستطلاع: يا حضرة الضابط هل لي الحق في معرفة التهمة الموجهة لي ومن قبل من؟ فقال دون تردد: هذه قضية ثانوية في الوقت الحاضر، ومع ذلك يمكن الإجابة على هذا السؤال الذكي، التهمة هي إهانة الأديان والتجديف في حق جلالة الله، والسخرية من الله عز وجل وأستطيع أن أضيف عدم إحترام أجهزة الدولة ومؤسساتها القانونية وإهانة الشرطة إلخ. إن الإدعاء بمقابلة الله والحديث معه هذا تجديف في حق الجلاله وهذا وحده يكفي لإرسالك للأشغال الشاقة مدى الحياة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا