الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسوية في القصة الشاعرة عند المبدعة ربيحة الرفاعي

صبري فوزي أبوحسين

2022 / 7 / 7
الادب والفن


النسوية في القصة الشاعرة عند الكاتبة ربيحة الرفاعي
تعد تجربة الدكتورة الأردنية ربيحة الرفاعي الأدبية والثقافية أنموذجًا رائعًا للبعد النسوي الإيجابي الفاعل في المشهد العربي الآني، وذلك عن طريق ذلكم الفن الحداثي المثير(القصة الشاعرة)؛ فتدبر السيرة الذاتية المنشورة لكاتبتنا في موقع الحوار المتمدن يدلنا على أنها أكاديمية أردنية الجنسية، من أصل فلسطيني، وأنها ذات عطاء أدبي مميز، وأنها مثقفة ليبرالية عربية فذة، وأنها عضو في كثير من المنتديات الأدبية، وقد صدر لها من إبداعها في فن الشعر ديوان بعنوان (وجع الغياب)، وديوان بالاشتراك بعنوان(سنابل الواحة)، ولها في فن القصة القصيرة إصدار مشترك بعنوان (خمائل الواحة)،..وغير ذلك، هذا إضافة إلى كتاب بالاشتراك بعنوان (أنسام وعواصف)، ولها تجارب مسرحية متنوعة، وقد عملت في الكتابة الصحفية خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وهي ناشطة في مجال التوعية النسوية، وقضايا المرأة، ولها بحث عن خلق المرأة وذكورية المزاعم بعنوان(كانت أولا). وهي في قصائدها و قصصها القصيرة والشاعرة، وفي مقالاتها الاجتماعية في الصحف الأردنية والعربية والمجلات المُحَكَّمة، تتغيا هذه الحالة النسوية الخاصة، قبل أن تنسحب من العمل الصحفي وتتفرغ للكتابة الأدبية.
وتعد من المناصرات الناشطات في مجال قضايا المرأة، ومنشوراتها في الفضاء الزرق دالة على ذلك، وإنها من الشاعرات العربيات، وهي من كتّاب القصة القصيرة ولها كتابات نثرية مميزة، غير أن عطاءها الشعري كان دائما أبرز وأكثر عمقًا، وقد اهتمت بالعمل الثقافي والنهضوي، وهي من الساردات البارزات في المشهد الثقافي العروبي الآني، ولها تجارب رائدة في إبداع القصة الشاعرة، وفي مقاربة القصة الشاعرة، فلها كتاب نقدي بعنوان(القصة الشاعرة جنس أدبي جديد)، ومن مقولاتها الطيبة عن القصة الشاعرة: "إن أهمية القصة الشاعرة تكمن في أنها تخدم محورين أساسيين، الأول هو الحاجة الدائمة لتطوير الأدب وفي كل مناحي الحياة، ولولاها ما كان الإنسان انتقل إلى مراحل بداياته الحضارية، ومن ناحية أخري، فالقصة الشاعرة تُفعل حالة فارقة في المرحلة الحالية من عمر الإبداع في المساحة العربية، باعتبارها ابتكار عربي صرف غير مستورد".
إنها تدرك قيمة الفن في التعبير عن الرؤى الإنسانية فهي القائلة:
ما الشعر قال .. وجاء بالرد الصدى رجعُ الأنين على صحاف الماس
بوح القلوب يدكّها ضرس الأسى مفجوعةً تشدو جوى الإحساس
أو سوْرة الأحلام نشوى بالندى روّى الفؤاد وجاد للأغراس
الشعر نبض الروح تعتنق الهوى سكرى تلوح وما دَنت من كاسِ
عنقود أقمار تعتّق نورها ليدور لحن نبيذه في الناس
ومراكب امتشقت بحار دموعها وجنون إبحار بغير مراسي
والشعر ؛ هاك الشعر .. غضبة ثائر وهسيس جمر الوجد في الأنفاس
ودْق المشاعر في ترانيم الصَّبا وشروق شمس الحس في النبراس
وهي التي تحث كل مبدعة قائلة:
بعض الحروف مقاتل إن باحَ يمحو الظلام ويعلن الأصباحَ
وعنان بوحك مُطلق فاسترسلي سيفا يردّ الظلم إمّا لاحا
ردّي اليقين لأمة مهزومة يطأ البغاة جبينها استفتاحا
بل إن كاتبتنا (ربيحة) لتبدع قصة شاعرة بعنوان (القصة الشاعرة)، فتراها أنثى عالية غالية القيمة والمكانة، فقد (أشرقتْ شمسًا بعتمةِ تيههم بين التهاويمِ المبرقعِ قبحها باسمِ الحداثةِ،) حيث تقول، من نص على نسق تفعيلة البحر الكامل:
(مُذ حلّقتْ فوقَ الرؤوسِ، على ارتفاعِ الحلمِ لؤلؤةُ البديعِ..؛ تموجُ ألوانًا ..
تسابقَ نحوها أهلُ الرجاءِ يراودونَ عن السَّنا علياءَها!
..
لكنها استعصتْ وأعلتْ مهرها؛ ليصيبَ منها حظّهُ من عزمهُ أهلٌ لخوضِ غمارِ بحرٍ من مفاتنِ وصفِها، فتقوْلبوا !
وتمذْهبوا !
وتشايعوا في حربِهم للنّيلِ ممن أشرقتْ شمسًا بعتمةِ تيههم بين التهاويمِ المبرقعِ قبحها باسمِ الحداثةِ، والأصيلِ يردُّ عن شطآنهِ المتنطعينَ ..
ومِن على الجوزاءِ ألقتْ في دروبِ فلولهمْ أسرارَ رفعتِها تجابهُ عجزهمْ ..،
..
فتبعثروا)
فتشير إلى حالات من البشر تجاه هذه الغالية العالية حبًّا وإقبالاً، أما التاركون النافرون فعجزوا وتبعثروا! لأنها (مِن على الجوزاءِ ألقتْ في دروبِ فلولهمْ أسرارَ رفعتِها تجابهُ عجزهمْ ..،)!
وها هي ذي تبدع قصة شاعرة بعنوان(وتطاولوا)، أراها تشبه القصة الشاعرة السابقة في بنيتها ومغزاها!
ولها من القصص الشاعرة(معراج)، و(انتفاضة)، و(إرهاب)، و(الذبيحة)، و(عقوبة)، و(صفقة)، و(أوربا كَوْرَنت)، و(قتلى المشفى)، و(فرقعة)، و(يهوى السد)، و(مغامرة)، و(على ثراها)، و(ط أ ط أ ة).
وتعد القصة الشاعرة (الذبيحة) نسوية في بطلتها وأحداثها ومرماها، فهي تدور حول شخصية نسوية مظلومة وصفتها الكاتبة بأنها (غابتْ .. فعاثَ الليل جورا )، وذكرت أن شيوع هذا العنف بقولها: (والرماحُ تجوبُ أروقةَ /القلوبِ مع الرياحِ .. ،)، ثم ذكرت الكاتبة الفاعل الجائر الهمجيـ وفعله العنيف ضد هذه الشخصية النسوية الضحية بقولها:( بينما " العنتيل " يسندُ ظهرهُ /لحديدِ لحدٍ باردٍ ..،/نامت بهِ في عجزِ جثّةِ دميةٍ/مغدورةٍ، ألقى عليها نارهُ/ذاتَ اشتعالِ فحولةٍ/ همجيّةٍ ..،/واغتالَ نبضَ وجودِها .. !,)، ومثل هذا الهمجي خال من كل إيمان ومن رشاد، ومن ثم وصفته الكاتبة بأنه (أناخ قِبلتهُ اليقينُ بلا هدى (ولفظة (العنتيل) هنا تدل على المتابعة الجيدة والعميقة من الكاتبة الأردنية (ربيحة) للهجة المصرية المعاصرة؛ فهي لفظة دالة على ذلك الذكر الشهواني المشهور باعتدائه على كثير من النسوة!
وأقف أخيرًا هنا مع القصة الشاعرة (أوربا كورنت) لما فيه من دلالة على حضور ما أسمية (الأدب الكوروني) إضافة إلى ما فيها من بعد نسوي؛ ففي العنوان نرى اسم القارة العجوز أوربا الذي يستخدم في العربية المعاصرة على أنها مؤنثة، والتي نصها:
[ركعت بباب الموت..، ترقب حتفها في زحمة الجثث المقيمة في سراديب المشافي، استسلمت بمرارة.. لمجونه المزعوم..! لم تسمع لإيزيس، استفاقت بأسها من غفلة، وأتت عليه، تزيح كورونا بغضبة ربة، فبكى التفرنجُ وانحنى.]
فالنص يبدأ بالإشارة إلى شخصية نسوية مقهورة(ركعت)، و(ترقب حتفها)، و(استسلمت)، ويوجد فاعل ذكر لعله(الموت)، ونسب إليه(مجون مزعوم)! وفي المقابل لهذين الطرفين: الضحية والفاعل، نجد الكاتبة تتناص مع الأدب الفرعوني حين تستدعي اسم (إيزيس)، التي هي إلهة رئيسة في الديانة المصرية القديمة، والتي انتشرت عبادتها في العالم اليوناني الروماني. والتي عرفت بدورها المزعوم في الإحياء، وفي الفن المصري القديم، كانت إيزيس غالبًا ما تصور في صورة امرأة لها سمات الآلهة النموذجية: فستان رقيق وحزمة من البردي في يد وعلامة الحياة عنخ في اليد الأخرى.. وفي العصر البطلمي شملت دائرة تأثير إيزيس الكون كله؛ لكونها الإلهة التي تحمي مصر والتي تؤيد ملكها، وكان لها سيطرة على كل الأمم!
وكأني بالكاتبة (ربيحة الرفاعي) تشير من طرف خفي إلى التعامل الذكي والواقعي من مصرنا مع الوباء الكوروني، على حين وقعت القارة المتحضرة(أوروبا) ضحية لها، مما يدل على غفلتها وعدم استجابتها لرؤية(إيزيس) وموقفها ! ومن ثم كان موقف أوربا أكبر دليل على فشل التفرنج والمتفرنجين، وأنه ينبغي لنا أن ننحني لإيزيس وما تمثله من حضارة عريقة صلبة قادرة على مواجهة الطواعين والأوبئة!
إنن نحن في هذا النص الكورني أمام أنثيين: أنثى تاريخية قوية، وأثنى حديثة ضعيفة غافلة، والفكرة المستهدفة هنا أن الأنثى التاريخية القوية لها الفوز والنجاح والفلاح والبقاء، أما الغافلة فهي عرضة للجراثيم والأضرار والأوضار!
والمغزى إذن أن الحضارة التي تمثلها(إيزيس) تسبق التقدم المادي الذي تمثله(أوروبا)! وهي رسالة عظيمة هادفة وبناءة تقوم بها القصة الشاعرة، وتؤديها (ربيحة الرفاعي) دامت مبدعة ودامت ناشطة، وما زال في جعبتها الكثير بحثًا وإبداعًا ونقدًا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاق الفنانة نيللي كريم من لاعب الإسكواش هشام عاشور


.. الفنانة جميلة عوض تحتفل بزفافها على المونتير أحمد حافظ




.. السعودي حمود والد يكشف لصباح العربية سر محبته للثقافة السودا


.. -رفعت عيني للسما- أول فيلم مصري يحصد جائزة العين الذهبية بمه




.. اسئلة متوقعة وشاملة في اللغة الإيطالية لطلاب الثانوية العامة