الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سِباق التعرُّج 10

علي دريوسي

2022 / 7 / 7
الادب والفن


نهاركم جميل بإذن الله،

عدنا إلى منزلنا بعد رحلة سريعة إلى العاصمة السويسرية. هناك اِلتقينا بتاجر يهودي عريق، عمره تجاوز الثمانين بقليل، يعمل بالذهب منذ طفولته، ورث المهنة عن أبيه، تعرفنا إليه بوساطة جارتنا إديلتراوت. خلال ساعة من الزمن اتفقنا معه على بيع السبائك الذهبية، أعطانا سعراً جيداً لم نحصل عليه في ألمانيا، ثمانية وخمسين ألف يورو لكل كيلوغرام، حوالي ثلاثة ملايين ونصف يورو للسبائك الخمس. لم نرض أن نحمل المال معنا. مشينا معه عدة خطوات إلى البنك الألماني وحوّل المبلغ المطلوب على حسابنا مباشرة. وهو يودعنا رفع عكازه عالياً وقال لنا موصياً "الطريق إلى المجد يثقبه الإنسان بوطءِ قدميه، وإذا ما فقدهما لسبب ما فبوطء عكازاته. لا تهدروا وقتكم مهما سئمتم من الحياة!"

في البيت فتحت زوجتي صندوق البريد، برقت عيناها فرحاً، فقد وصلتنا موافقة البنك على منحنا قرض بقيمة ثلاثين مليون يورو لترميم المنازل الخمسة التي اشتريناها في لايبتزغ وكيمنتس.

نتائج لقائنا الثاني مع الأخوة السوريين "الحرفيين" ـ الذين يفهمون بكل شيء إلا بحرفتهم ـ لم تكن أفضل من اللقاء الأول. أعتقد أن السوري في الغربة، في ألمانيا تحديداً، يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل كي يعرف موضع رأسه من قدميه. ما نسمعه عن "قدرات وتفوق" الأجنبي بعد مضي سنتين أو أربع على إقامته في ألمانيا مجرد وهم وسراب .. والله أعلى وأعلم.

فشل محاولة العمل المشترك مع السوري لم تحزنني أبداً، بل على العكس، حررتني. قد يتساءل أحدكم عن سبب هذه الخيبة. لن أتعبكم بالإجابة لأنكم قادرون بالتأكيد على التنبؤ بالأسباب.

فاجأنا السيد كلاوس الأخصائي في إدارة المشاريع والذي يعمل معنا منذ بضعة أيام بأنه أعد الخطة ب في حال فشل الخطة أ. فقد اتفق مع ورشتي بناء الأولى بولونية والثانية رومانية. سيبدأون العمل "دون شروط سورية تعجيزية" في مطلع الأسبوع القادم. لم أفكر مثله بالتحضير لخطة بديلة. لا يمكن للأجنبي المقيم في ألمانيا ـ ومهما بذل من طاقة ومجهود ـ أن يتفوق على الألمان، لكنه يستطيع أن يتميز بينهم في ميدان محدد.

وصلني بريد إلكتروني من شخص سوري معروف جيداً، كان عضواً سابقاً في مجلس الشعب السوري، سخر في إيميله من تفكيري السطحي ـ كما وصفه ـ في فن الاستثمارات. كتب بالحرف الواحد: "مقهى ثقافي دفعة واحدة يا رجل!؟ لو وزعت هذا المال على إخوتك أليس أفضل لك ولهم؟ ثم ما الذي يمنعك من المجيء إلى سوريا وبناء شركة لتصنيع العنفات الهوائية مثلاً؟ وأنت العارف كم موجعة هي أزمة الكهرباء في وطنك! لماذا تتخلون عن بلدكم الذي كبّركم وصرف عليكم وأوصلكم إلى ما أنتم فيه؟"

دراسة وتخطيط وتصميم وتصنيع وتركيب وتشغيل عنفة هوائية وحمايتها وضبط آلية عملها ومراقبة إنتاجها والاستفادة الفعلية منه هي جملة من المراحل الإنتاجية المعقدة والعظيمة. للأسف الشديد ـ ومهما قيل وقيل وقيل ـ لا يمكن تحقيق ذلك أبداً أبداً في بلدان زراعية خفيفة ذات نظم سياسية واقتصادية بالية. التفكير ببناء صناعة ثقيلة متكاملة في بلدان العالم الثالث - قبل التفكير بالاستثمار في بناء الإنسان - هو ضرب من الخيال؛ على الأقل في العقود الخمسة القادمة. غياب الحريات الفردية والمؤسسات الديمقراطية مقبرة التفكير بالاستثمار الثقيل.

فقط في الأنظمة الرأسمالية عالية التطوُّر يمكن الحديث عن حريةٍ فردية، لهذه الأنظمة مصالح كبيرة في التداول الديمقراطي للسلطة، في اِحتضان الفن والأدب والفلسفة، في تنمية المواهب ودعم المبادرات الذاتية، في تشجيع التعددية الثقافية والديمقراطية متعددة المشارب والثقافات، في إنعاش مفهوم الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي بين شرائح المجتمع بتعدداتها القومية والدينية والفكرية، في تشجيع الحريات الشخصية وحقوق المواطنة وحرية الأديان والتَدَيُّن وحرية التعلُّم والتعليم والبحث العلمي وكذلك في إصلاح المؤسسات الديمقراطية المتواجدة وتطوير وسائل لمشاركة المواطنين والمواطنات في إبداء الرأي حول مسائل اِقتصادية واِجتماعية وبيئية وصحية وسياسية. لو علم وفهم أبناء العالم الثالث قيمة الجودة الحياتية التي يتمتع بها الألمان وما زالوا يعيش هناك لصاروا إرهابيين في وجه حكوماتهم الشنيعة.

سأتابع موافاتكم ببعض التفاصيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث