الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال التقديم في كتاب -الدهيشي- عيسى قراقع

رائد الحواري

2022 / 7 / 7
الادب والفن


جمال التقديم في كتاب
"الدهيشي"
عيسى قراقع
الكاتب النبيه هو الذي يعي طبيعة ما يقدمه، فيحسن اختيار الشكل والطريقة التي يقدم بها مادته الأدبية، فعندما يحمل الأدب مضامين وأفكار وأحداث قاسية، عليه أن يجد وسائل وطرق تخفف على المتلقي، وهنا تكمن أهمية الأدب، إيصال فكرة قاسية بأقل الأضرار النفسية على القارئ، وحتى إيصالها بطريقة ممتعة، هذا ما فعله عيسى قراقع في كتابة "الدهيشي"، فرغم أن حجم المأساة التي تناولها، ورغم كثرة الشهداء والمعتقلين والجرحى في الكتاب، ورغم أن المكان المركزي هو مخيم الدهيشة، إلا أن الكاتب استطاع إخراجنا من ضيق المخيم إلى فسحة اللغة وجمالية الصور.
ولكي نقرب القارئ من هذا المنجز الأدبي المدهش سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء فيه، ونبدأ من الدهيشي الذي قدم بهذه الصورة: "الدهيشي ليس اسما مذكرا ولا مؤنثا، هو اللا اسم، لا ينسب لمكان واضح أو لسلالة وعشيرة، ربما حسب اللغويين هو المندهش والمدهوش، المفتوح العينين دائما، ... الدهيشي يريد الحياة ويريد الموت معا ..الدهيشي ليس له وقت" ص15و16، بهذا الشكل أستطاع الكاتب أن يستوقف المتلقي عند الطريقة التي قدم بها "الدهيشي" فهو يجمع/يجمل/يوحد المكان بالإنسان، بحيث يصعب التفريق بينهما، وهذا الثنائية هي التي تدهش المتلقي، وبما أن لفظ الدهيشي" بمعناه المجرد يحمل فكرة الدهشة، فإن القارئ ستصله الفكرة من خلال المضمون الذي تحمله الفقرة ومن خلال اللفظ أيضا.
وعندما يريد توضيح علاقة الإنسان بالمكان ويكون هناك حديث عن الشهداء، فإن طريقة التقديم تكون بهذا الشكل: " استشهد براء الدهيشي، ولا زال دمه تحت علم الأمم المتحدة ويافطة وكالة الغوث، ولكنه عاد حيا مغسولا بزيت شجرة زيتون رومانية، حالة طوارئ واستنفار في الكنيست الإسرائيلي وفي تل أبيب، دولة إسرائيل مصابة بالاندهاش والعصبية من خروج الحي من الميت، أيديها على الزناد" ص42، إذا ما توقفنا عند هذا المشهد سنجد صورة أبعد من المنطق، لا يتقبلها العقل العادي، لما فيها من غرابة، شهيد يعود حيا، بعد أن غسل بزيت الشجرة، والدولة الأكثر عسكرة في المنطقة مدهوشة وفي حالة عصبية!!، فالفرد/الشهيد الذي هز أكبر قوة عسكرية في المنطقة هو المدهش والمثير، وهنا يكون الكاتب قد أوصل فكرة عظمة الفرد/الشهيد، وضعف دولة الاحتلال.
إذن الكاتب يتألق أدبيا عندما يتحدث عن الشهداء، فهم من يمدونه بالأدوات الفنية لكي يقدمهم بطريق استثنائية: "عكازات الجرحى في مخيم الدهيشي تتوحد مع عكازات المقعد الشهيد محمد الجبالي في طولكرم، إني رأيت في السماء أجسادا تطير تفتش عن أقدامها الضائعة" ص 213، اللافت في هذا المقطع أن المكان واضح وقدم بطريقة (عادية)، لكن الكاتب يتجاوز هذه العادية من خلال حديثه عن الجرحى والشهداء، الذي يحلقون في السماء بحثا عن أقدامهم، فالفانتازيا التي يستخدمها أراد بها التعويض/التخفيف من حدة القسوة التي يحملها حدث مقتل المقعد محمد الجبالي.
وعندما يريد أن يتحدث عن الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال، يقدمه بهذا الشكل: "الولايات المتحد كانت دائما منذ عهد ترومان إلى اليوم أكبر صديقة لإسرائيل، وأن التزامها بأمن إسرائيل لن يتضعع، وقد أرسل لها الأسلحة والطائرات والأدوات التقنية الأمنية وتنكات الخراء أيضا لقمع اللاجئين الذين لم يتوبوا بعد" ص58، بهذه السخرية استطاع الكاتب أن يقدم فكرة الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال، مستفيدا من رش الفلسطينيين بالمياه العادمة التي يستخدمها الاحتلال عندما يريد أن يلحق أكبر ضرر بالمتظاهرين وبأسرهم وبالمكان الذي يتظاهرون فيه.
تمثل السخرية أهم طريقة للتعبير عن حالة الاحتجاج/القهر التي يمر بها الإنسان، فعندما ضع دولة (عظيمة) نفسها في مواجهة أسرة (ضعيفة/محدودة) العدد فهذا يشير إلى تفاهة هذه الدولة: "حسب الدراسات الأمنية الإسرائيلية فإن انسحاب جيش الاحتلال من بيت نضال أبو عكر يعرض دولة إسرائيل لخطر وجودي، لهذا يجب بقاء الاحتلال في البيت، وتحويل بيوت الفلسطينيين إلى أهداف عسكرية وزج اكبر عدد ممكن من السكان في السجون" ص262، إذن الكاتب ينوع الأشكال والطرق التي يقدم بها مأساة الفلسطيني، ويبدع في طريقة تهكمه وسخريته من دولة الاحتلال ومما تقوم بها، ورغم أن مضمون المشهد قاسية، إلا أن السخرية خففت من حدة المضمون، وهذا ما جعل المتلقي يصل إلى الفكرة باقل الأضرار.
الأم حاضرة في الكتاب وبطريقة مذهلة، من الأمهات التي تناولها الكاتب "الحاجة مزيونة والدة الأسير ناصر أبو سرور الذي يقضي 29 عاما في سجون الاحتلال،...إنها عقدت اتفاقا مع أبنها ناصر بأن يموتا مع بعضهما البعض، وقالت: إنها تضع ساطور المرحوم زوجها الذي كان يعمل جزارا تحت الوسادة للتصدي لملاك الموت إذا ما فكر أن يأتي في إحدى الليالي ليخطف روحها قبل عودة ناصر" ص37، مشهد لا نراه/نسمعه حتى في خيال الأطفال، فتبسيط فكرة مواجهة الموت بهذه الطريقة المذهلة هو ما يفرح المتلقي الذي يستمتع بالفكرة المجنونة التي قدمها الكاتب، وتجعله يتجاوز/يتجاهل فكرة الأم التي تنتظر ابنها الأسير، هذا المزج بين المشهد المؤلم والصورة الخيالية هو ما يجعل كتاب الدهيشي مدهش، بحيث يتناوله المتلقي بقراءة واحدة رغم ما فيه من قسوة وألم.
الكتاب من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع