الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة المسرودة .. حانة كاكادو نموذجا

صلاح زنكنه

2022 / 7 / 7
الادب والفن


كثيرا ما أقرأ بعض القصائد فيخال لي بأني أقرأ قصة قصيرة, كونها مكتوبة بنفس سردي واضح المعالم, حيث الراوي والوصف والشخصية المركزية وغيرها من عناصر السرد, وهذا ما لمسته جليا في معظم قصائد الشاعر هادي الحسيني ضمن مجموعته الشعرية الأخيرة (قصائد أوسلو) وتحديدا في قصيدة (حانة كاكادو) التي هي عبارة عن قصة قصيرة مختزلة عن رجل كردي ثمانيني يقيم في النرويج ويموت فيها.
ففي مطلع القصيدة نقرأ هذا المدخل الوصفي لراوٍ عليم (في حانة كاكادو / لا صوت يعلو على صت الموسيقى / النافذة المطلة على شارع تور كاته / تبدو هرمة)
ثم يسترسل الراوي واصافا (باب الحانة مثل رجل يتكئ على عكازه / الكراسي كأنها جلبت من متحف أثري)
بعدها مباشرة يقودنا الى الشخصية المهيمنة على الحدث (ثمة رجل يجلس وحيدا يدعى سالم الكردي)
ويخبرنا الراوي أن سالما هذا في الثمانين من عمره, أنيق الملبس, يدخن ويحتسي خمرا, ويغرم بالنساء, وإليكم بقية القصيدة التي تلاحق سالم في الحانة مع الموسيقى والنادل والخمارين والنساء اللواتي يرقصن بتعري ...
(حين يحتسي من كأس خمرته / يحدق في عيون النساء الشقراوات / فيرتعش قلبه حبا / ثمانون عاما ونيف كان ينتقل بين حانة وأخرى / يضع معطفه الأسود الى جانبه / أناقته تذكرني بأناقة عبد الوهاب البياتي / التدخين ممنوع داخل القاعة / يخرج الى الشارع يسحب أنفاسا من سجارة كان قد أشعلها بعد كأسه الأولى / وتشتعل في داخله نار الحب / ثم يعود الى مائدته يترقب / أحيانا تُقبّله امرأة داخل الحانة / تجلس معه وتحدثه / فينشغل بحبها الوهمي .. يحمر وجهه / ويصبح مثل المراهق يبتسم للهواء / يطلب المزيد من البيرة)
كل هذه المقاطع السردية جاءت على لسان راوٍ مجهول بضمير الغائب (هو) وبغتة يطل علينا راوي آخر بضمير المتكلم (أنا) ليخبرنا ...
(أراه من النافذة يضحك في سره / النساء يرقصن / ينصت الخمارون الى صوت الموسيقى / كؤوس الخمرة يتغير لونها /والنادل منشغل بتنظيف مائدة حبلى بالأوساخ / غادرها اثنان من الرجال الهرمين / تتعالى أصوات الموسيقى / ترقص الستائر, ترقص الكؤوس, ترقص الكراسي, الرجال كذلك يرقصون في باحة الحانة, والنساء يرقصن بتعري)
ويعود الراوي العليم ثانية ليضع نهاية للحدث, وخاتمة حزينة لحكاية أثيرة, عبر موت سالم الكردي وحيدا في الغربة.
(سالم يبتسم للمشهد الصاخب, متأملا سنينه الضائعة فوق جبال كردستان, كان يحتضن بندقيته في البرد القارص, وهو يضحك للموت / لم تحتضنه كردستان, لكنه مات في غربته وحيدا)
وأكاد أجزم أخيرا بأن هذه القصيدة, هي قصة قصيرة بامتياز وفق آليات السرد المتعارف عليها نقديا ومفاهيميا, من دون الانتقاص من شعرية النص وجماليته الحسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا