الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الولاء

سعد سوسه

2022 / 7 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تبدو لفظة الولاء من الألفاظ المثيرة للجدل, والتي دائما ما يتطور معناها, فارتبطت قديما بالسلطة والحرب, وحديثا بالمجتمع والبيئة والقيم الأخلاقية, وبالرغم من أن الولاء قد بات قيمة من القيم التي يطالب الفرد بالتمسك بها, إلا إنها ترتبط بمشكلات كثيرة, منها ما يتعلق بطبيعة الولاء ومدى الحاجة إليها, وما إذا كان فطريا أو مكتسبا, ومنها ما يختص بأنواع الولاء وصفات القضايا التي يتجه إليها, وأخيرا منها ما ينشأ بسبب صراع الولاءات وتعارضها .
ومع تطور المجتمعات وتشعب العلاقات اكتسب مفهوم الولاء أهمية كبرى لعلاقته بتطور المجتمع وتماسكه ولكي يستطيع المرء أن يدرك هذا المعنى الأصيل للولاء عليه أن يُنقي الكلمة من الشوائب التي علقت بها من ارتباطها بهذه أو تلك العادة الاجتماعية, ولن يستطيع تحقيق ذلك إلا إذا عرف المصطلح تعريفاً دقيقاً وبصورة أكثر تحديدا وضبطا عن تلك التي يتناولها التعبير الشائع, والواقع أن تخليص (فكرة الولاء) من كل ما قد يكون علق بها من تفسيرات خاطئة أو علاقات زائفة بأفكار أخرى وإثبات أن روح الولاء هي الروح الحقيقية للحياة الأخلاقية والعاقلة للإنسان( 1 ) .
والولاء نظام اجتماعي قديم في الحياة العربية، يتميز بأهمية تاريخية بالغة ، ومن العسير على أي باحث في التاريخ العربي الإسلامي، أو دارس لألوان تراثنا المتشعبة الواسعة أن يصل إلى حقائق جازمة ما لم يفهم ويستوعب جيداً تركيب المجتمع العربي، وتطوره عبر العصور، بما في ذلك نظام الولاء الذي عرف منذ الجاهلية ( 2 ) .
فالولاء خيار إنساني، يُكوّنُ الإنسان من خلاله أفكاره وسلوكياته ويلتزم بتوَجهٍ فكريّ معين، تجاه ما يدور حوله من قضايا وأحداث ( 3 ) ولو تتبعنا المعنى اللغوي لمفهوم الولاء نجد أن أصل كلمة ولاء في اللغة العربية هو من ولِيَ، وفي معناه قال ابن فارس ( 4 ) :

" (ولي) الواو، واللام، والياء: أصل صحيح يدل على قرب.
- من ذلك: الوَلْيُ: القرب. يقال: تباعد بعد وَلْي؛ أي قُرب.
- وجلس مما يليني؛ أي يقاربني.
- والوَلِيُّ: المطر يجيء بعد الوَسْميّ، سمي بذلك لأنه يلي ألوسمي.
- ومن الباب: الموْلى: المعتِق، والمعتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر،
- والجار؛ كل هؤلاء من الوَلْي؛ وهو القرب، وكل من ولي أمر آخر فهو وليُّه".
- قال: "والباب كله راجع إلى القرب" ( 5 ) .
وعند فحص هذه المعاني التي أوردها ابن فارس لمعنى هذه الكلمة "ولي" نلاحظ أنه: عرفه بالقرب. وضرب أمثلة عليه، مثل:
- الجلوس مما يلي.
- الوَلِيّ هو: المطر يلي الوسمي.
- الموْلى هو: الصاحب ، الناصر، الحليف.. إلخ .
هذا القرب قد يكون مجردا، كالجلوس والمطر. وقد يضاف إليه معنى آخر إيجابي، وهو ما عبر عنه أهل اللغة كالفراء، والكسائي، والزجاج عندما فسروا: "الوَلاية" بالنصرة. كما في تهذيب اللغة ( 6 ) .
وفيه كذلك: "وأما قوله تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة 51]؛ معناه: يتبعهم، وينصرهم". فيكون قربا متضمنا للنصرة، جاء في [لسان العرب]: "ولي: في أسماء الله تعالى: الولي هو الناصر" ( 7 ) .
أذن للولاء في معاجم اللغة معان متعددة تدور كلها حول معان أساسية هي: السيادة والقرابة أو العصبة والنصرة أو التأييد والصحبة أو المعاشرة والمحبة، والاسترقاق، ويمكن رد هذه المعاني إلى أصل واحد هو النصرة، والمولى في اللغة من الأضداد فهي تدل على السيد المالك والعبد المملوك ( 8 ) . وبحسب قاموس أكسفورد فأن كلمة مواليِ (Loyal) تعني الإخلاص الحقيقي إلى ( الواجب, الحب, أو الالتزام ) الثابت والراسخ في الولاء للملك الشرعي أو لحكومة البلاد .
وتستخدم كلمة الولاء أيضاً للدلالة على الصلات والعواطف (رومانتيكية وقانونية) التي تربط الفرد بالجماعة أو شعائرها أو الإخلاص لما يعتقد الفرد أنه صواب كالأسرة أو العمل أو الوطن, والولاء قد يكون طبيعيا ويجب على كل مواطن نحو السلطة الحاكمة ونحو الوطن الذي يقيم فيه مقابل تمتعه بالحماية والأمن كما قد يكون الولاء محليا أو واقعيا وهو الولاء الذي ينتظر من الأجنبي نحو حكومة البلاد التي أختارها لأقامته ( 9 ) .
بينما أشار إبراهيم مدكور إلى أن مفهوم الولاء (Loyalty) يستعمل للدلالة على الروابط و العواطف الروحية والقانونية التي تربط الفرد بالجماعة وهو مصطلح خاص بالقانون الانكليزي ولا يوجد ما يقابله في القوانين الفرنسية والايطالية والألمانية, ذلك لان قيام النظام الإقطاعي في أوربا لم يؤكد فكرة الانتماء إلى الوطن كما حدث في إنكلترا, وأتخذ هذا المصطلح أشكالا عديدة في التاريخ الانكليزي حتى أن عدم الولاء للكنيسة الانكليزية أصبح من صور الإلحاد, ومنذ القرنين السابع عشر والثامن عشر أصبح لهذه الكلمة مدلول سياسي حيث أصبح الفرد ينتمي إلى الأرض الانكليزية وتربطه بها رابطة الولاء منذ ولادته, والاستعمال الحديث لهذا المصطلح في القانون يشير إلى الواجبات القانونية التي يخضع لها الفرد تجاه سيادة الدولة التي يحمل جنسيتها ( 10 ) .
والولاء كمصطلح عام، يدل على تفاني الشخص أو شعوره بالتعلق العالي لشخص آخر أو مجموعة من الأشخاص، أو لهوية دينية أو سياسية. وهو يعبر عن نفسه في كل من الفكر والعمل .
فالولاء هو أخلاص وحب شديدان, وهو ينبثق من التفاعل الديناميكي بين الفرد وبيئته المعاشة, وهذا الإخلاص والحب يوجههما الفرد إلى موضوع معين مثل الذات أو الأسرة أو الوطن أو مذهب ديني أو سياسي, بحيث يضحي الفرد لصالح موضوع ولاءه بمصالحه الخاصة, وقد يصل به الحد إلى أن يضحي الفرد بحياته ذاتها لصالح موضوع ولائه أو دفاعه عنه أو الدعوة إليه, والولاء قناعة ذاتية يتبناها الفرد قلبيا وعقليا دون أن تفرض عليه من سلطة لا يستطيع مقاومتها أو الوقوف بوجهها ( 11 ) .
ويعرف جوزايا رويس الولاء بأنه التفاني الإرادي والعملي والدائم من قبل فرد ما تجاه قضية معينة, فيتصف الفرد بالولاء أولا أذا كان لديه القضية التي يتجه بولائه لها, وثانيا عندما يهب نفسه لخدمتها طوعيا, وثالثا عندما يعبر عن هذا الإخلاص والتفاني للقضية بطريقة عملية مقبولة وبخدمة القضية بصورة فعالة ودائمة ( 12 ) .
أما الدكتور إبراهيم الحيدري فيرى أن الولاء هو حالة دمج الذات الفردية بذوات أوسع واشمل بحيث يصبح الفرد جزءا من كل الجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، كأن يكون الفرد واحدا من أفراد قبيلة أو طائفة معينة، ولكن ليس بالضرورة أن يشعر الفرد بالولاء للقبيلة حتى لو كان منتميا اليها. وقد لا ينتمي الفرد إلى قبيلة، ولكنه لا يكون قبليا بمفاهيمه وتصوراته وسلوكه. ولذلك هناك تعارض بين الولاء للوطن و الولاءات الأخرى، لان الوطن حاضن جميع الولاءات ( 13 ) .
ويعرف الولاء كذلك بأنه أيمان الفرد و أخلاصه والتزامه تجاه قضية ما تشكل محور وجوده وأساس تفاعله مع الآخرين وهي تعبر عن تضامن الفرد وتأييده لمرجعية اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو أيديولوجية تطابق وعيه الذاتي أو الموضوعي, وقد تتعدد تلك المرجعيات التي يدين لها الفرد بالولاء مع اختلاف درجة أهميتها و أولويتها بالنسبة أليه ( 14 ) .
وعند الحديث عن الولاء يجد الباحث أن من الضروري التطرق إلى تعريف مفهوم الانتماء وذلك لطبيعة العلاقة المتداخلة ما بين المفهومين . فالانتماء يسبق الولاء, وبعبارة أخرى أن شعور الفرد وإحساسه بالانتماء هو في حقيقة الأمر جوهر الولاء وكلما كان الانتماء قويا كلما ازدادت مشاعر الحب والإخلاص لموضوع الانتماء .
والإحساس بالانتماء هو ارتباط الفرد الشديد بالجماعة التي ينتمي أليها, وذلك لان هذا الفرد شعر من خلال وجوده بالجماعة بالأمن والاستقرار, وان هذه الجماعة أشبعت وتشبع له حاجاته المادية والنفسية والاجتماعية, ووجوده فيها حقق له بعض أهدافه وأشبع له بعض دوافعه, ومن ثم فهو يرتبط بشدة بهذه الجماعة لأن لديه أحساس قوي بالانتماء أليها, ومن ثم أيضا يأتي ولاؤه للجماعة بعد أحساسة بالانتماء لها فيقدم ولاؤه لهذه الجماعة ويكون لديه استعداد لبذل الجهد والتضحية ببعض أهدافه ودوافعه في سبيل المحافظة على استمرار هذه الجماعة وبقائها ( 15 ) .
فالانتماء هو النزعة التي تدفع الفرد للدخول في إطار اجتماعي فكري معين بما يقتضيه هذا من التزام بمعايير وقواعد هذا الإطار وبنصرته والدفاع عنه في مقابل غيره من الأطر الاجتماعية والفكرية الأخرى ( 16 ) . وورد في معجم العلوم الاجتماعية أن الانتماء هو ارتباط الفرد بجماعة, حيث يرغب الفرد في الانتماء إلى جماعة قوية يتقمص شخصيتها ويوحد نفسه بها مثل الأسرة أو النادي أو الشركة( 17 ) . فالانتماء هو أنتساب الفرد لجماعة معينة, والولاء هو الجانب الذاتي في مسألة الانتماء، ويعبر عن أقصى حدود للمشاركة الوجدانية والشعورية بين الفرد وجماعة الانتماء ( 18 ) .

المصادر
1 . صلاح هادي حسن الحسيني, الولاء قبل الكفاءة في القيادات الإدارية. http://www.iraqstudent.net/detail.php?recordID=1035
2 . أرناؤوط, عبد اللطيف, الموالي ونظام الولاء من الجاهليّة حتى آخر العصر الأموي , awu-dam.org/trath/39-40/turath39-40-017.htm
3 . عبد الملك, د. أحمد, ما بين الولاء والمواطَنة, الخميس 14 فبراير 2008, http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php
4 . ابن فارس, أبو الحسين أحمد , معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل ، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ- 1991م , ص123.
5 . الطبري , محمد بن جرير, جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: د. عبد الله التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى ,2001م , ص 141.
6 . أزهري, محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر, السنة بلا, ص448.
7 . ابن منظور,محمد بن مكرم،لسان العرب، دار إحياء التراث العربي،بيروت،الطبعة الثانية 1413هـ- 1993م , ص400.
8 . عبد اللطيف أرناؤوط , مصدر سابق .
9 . بدوي, أحمد زكي (الدكتور) , معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية, مكتبة لبنان بيروت , 1977 , ص251 .
10 . مدكور, إبراهيم (الدكتور) ,معجم العلوم الاجتماعية , الهيئة المصرية للكتاب , القاهرة , 2006 ص 647 .
11 . فرج, محمد سمير عبد العزيز,الولاء وسيكولوجية الشخصية, رسالة ماجستير غير منشورة ,جامعة عين شمس ,كلية الآداب ,1989, ص 200 .
12 . رويس, جوزايا , فلسفة الولاء, ترجمة أحمد الأنصاري, المجلس الأعلى للثقافة, مصر , ط 1 , 2002 , ص 39 .
13 . الحيدري, إبراهيم, المكونات الاجتماعية والثقافات الفرعية وإشكالية الهوية في العراق, http://www.alitthad.com
14 . الحميداوي , عقيل عبد جالي , جدلية الهوية ومفهوم المواطنة , أطروحة دكتوراه ( غ . م ) , جامعة بغداد , كلية الآداب ,2009 , ص 71 .
15 . راجح , احمد عزت , أصول علم النفس , دار المعارف, القاهرة , 1995م , ص 116 - 117 .
16 . راتب، نجلاء عبد الحميد, الانتماء الاجتماعي للشباب المصري: دراسة سوسيولوجية في حقبة الانفتاح، مركز المحروسة للنشر، القاهرة، 1999 ص57.
17 . بدوي, أحمد زكي، مصدر سابق ، 16.
18 . سلطان, زبير, الهوية والانتماء والولاء , جريدة الأسبوع الأدبي العدد 1052, 21/4/2007.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل