الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد

عصمت منصور

2022 / 7 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


الفيديو المصور الذي نشره الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مساء الثلاثاء 28 يونيو/حزيران 2022، للأسير هشام السيد (34 عاما)، وهو فلسطيني من بلدة حورة في النقب ويحمل الجنسية الاسرائيلية، والذي كان قد وقع في أسر حماس بعد أن اجتاز الحدود، ودخل إلى قطاع غزة في نيسان/ أبريل 2015، أعاد النقاش حول صفقات تبادل الأسرى، والثمن الذي يمكن لإسرائيل أن تدفعه مقابل استعادة جنودها او مواطنيها، وهو ما فتح باب النقاش الفرعي والحساس حول أهمية هوية الأسير، وان كان ثمة أهمية لكونه مواطنا مدنيا وقع في الأسر لأسباب شخصية، أم جنديا أسر أثناء تأديته لمهمة من طرف الدولة، وكذلك حول ما بين الاسرى الاحياء وجثث الأسرى القتلى.
الفيديو المصور والذي عرض على موقع القسام أظهر السيد مستلقيا على ظهره، وقد ربط بجهاز تنفس خارجي متضمنا إشارات الى خطورة وضعه الصحي، خاصة أن "أبو عبيدة" الناطق باسم كتائب القسام كان قد أعلن قبل نشر الفيديو ب24 ساعة أن "تدهورا طرأ على صحة أحد الأسرى لدى المقاومة"، وأن الحركة ستنشر توثيقا يؤكد ذلك.
إعلان "أبو عبيدة" ونشر الفيديو في اليوم التالي، جاء ليقول أن "القسّام" في إعلانها الأخير استغلّت الأوضاع السياسية في إسرائيل، لخلق جو من "الضغط على الحكومة، فيما يتعلق بملف الجنود المُحتجزين" وفق تصريح للكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم ادلى به لوكالة الأناضول عشية نشر الفيديو، وهو ما اتفق معه فيه الكاتب والمحلل الفلسطيني حسام الدجني، الذي اعتبر أن إعلان "القسّام" جاء في ظل تعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي، وأنه "يهدف إلى إحراج الحكومة وكافة الأطراف، بما يضمن السياق المطلوب من تحريك لملف تبادل الأسرى". وهي آراء تعكس الجو العام الذي عاشه الشارع الفلسطيني بعد اعلان ابو عبيدة.
إسرائيليا، أثار الاعلان عن نشر الفيديو المصور ردود أفعال من مختلف المستويات، اذ اعتبر مكتب رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت أن نشر حماس للفيديو " يثبت أنها تنظيم إرهابي يحتجز مواطنين يعانون من مشاكل نفسية بخلاف ما نصت عليه المواثيق الدولية" مؤكدا ان دولته ستواصل مساعيها " بوساطة مصرية" حتى تستعيد أسراها ومفقوديها.
رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد يائير لبيد، والذي كان عند نشر الفيديو يشغل منصب وزير الخارجية، قال بدوره تعقيبا على نشر الفيديو أن "إسرائيل ترى في حركة حماس الجهة المسؤولة مباشرة عن وضع المدنيين المحتجزين لديها بخلاف القانون الدولي"، مشددا على ما ذكره نفتالي بينيت من أن " المحتجزين يعانون من اضطرابات نفسية"، وأن احتجازهم يعد "عملا وحشيا لا يمكن تخيّله" وفق تعبيره.
من جانبه اعتبر بيني جانتس وزير الأمن الاسرائيلي في تغريده له على تويتر أن " هدف حركة حماس من وراء نشر الفيديو هو الابتزاز"، محملا الحركة المسؤولية "عن سلامة الأبرياء الذين تحتجزهم"، ومتوعدا أن " تدفع ثمن إرهابها الذي تنشره" وفق تعبيره.
شعبان السيد والد هشام قال لموقع "واللا" في اليوم التالي 29 حزيران 2022 أنه "مستعد للانتظار الى أن تكتمل صفقة تبادل لا تحرر ابنه لوحده"، بمعزل عن بقية الأسرى في قطاع غزة.
سؤال الثمن والمعايير الأخلاقية والامنية.
خلت ردود الأفعال الفورية التي أطلقها قادة إسرائيل سواء الأمنيين أو السياسيين، من الحديث عن الاستعداد لدفع الثمن الذي تطلبه حركة حماس مقابل الإفراج عن السيد وبقية الاسرى المحتجزين لديها، وبدل ذلك صدرت تعليمات للمنظومة السياسية " بعدم التعليق على الفيديو"، وفق ما نشرته القناة 12 على اعتبار أن الفيديو "جاء ليشكل عامل ضغط بهدف تحريك المفاوضات" التي يديرها الطرفان عبر وسطاء خارجيين.
إحدى الصعوبات التي تواجهها مفاوضات تبادل الأسرى بين اسرائيل وفصائل المقاومة هي عدم وجود إطار مرجعي أو قانوني يمكن الاستناد إليه، وأنها تخضع للاعتبارات السياسية والشخصية النابعة من أولويات وثقافة رئيس الوزراء وقادة الدولة، والثمن الذي يوضع على الطاولة، وهوية الجهة المراد استردادها وعوامل داخلية وخارجية أخرى ذات صلة بالحالة العامة إقليميا ودوليا.
أجرت إسرائيل وفق الموقع الرسمي للناطق باسم الجيش الإسرائيلي نحو عشر صفقات تبادل أسرى ما بين الاعوام 1978 وحتى العام 2011 تحرر خلالها آلاف الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب من السجون الاسرائيلية، مقابل جنود وأفراد إسرائيليين وقعوا في أسر المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
القاسم المشترك بين هذه الصفقات هو أنها تمت بين دولة ومنظمات بخلاف عمليات التبادل التي كانت تتم بسلاسة نسبيا ودون ضجيج اعلامي أو تعقيدات، بين إسرائيل ودول عربية مثل مصر وسوريا، اذ تعتبر الصفقات في نظر كثير من الإسرائيليين مكسبا "للإرهاب" ومساسا " بقوة الردع الاسرائيلية" والمنظومة القضائية وأحكامها، كما أنها تُواجَه عادة باحتجاجات من قبل عائلات القتلى الإسرائيليين، وتثير أسئلة اخلاقية وأستراتيجية حول من هي الجهة التي ستتحمل مسؤولية الآثار الأمنية التي قد تترتب على إطلاق سراح أسرى، وهو جدل سياسي أمني ومبدئي عقائدي لخّصه رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" معلقا على صفقة تبادل العام 1985 والتي عقدت بين اسرائيل بإشراف وزير الدفاع آنذاك اسحاق رابين وتنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة احمد جبريل"، وكان نتنياهو يشغل منصب سفير اسرائيل في الامم المتحدة عند عقد الصفقة، حيث اعتبر ان الصفقة " ضربة قاتلة لكل الجهود التي تبذلها اسرائيل في بلورة جبهة موحدة دوليا في مواجهة الارهاب" وأنها " مخجلة وتعتبر خضوعا للإرهاب"، وانه سيترتب عليها "تصعيد أمني ورفع مستوى العنف" بالإضافة الى ان المحررين في الصفقة "سينظر لهم على انهم أبطال" وهذا الأمر فيه تحفيز على تقليدهم "محاكاتهم وبعث أمل لدى الآخرين، وختم نتنياهو بأن اعتبر أن إحدى النتائج المباشرة لهذه الصفقة هي "اندلاع الانتفاضة الاولى"، جراء رفد الميدان بمئات الأسرى من ذوي الخبرة والاحترام لدى الجمهور الفلسطيني، وهي قراءة اتفق معها رئيس جهاز الامن العام "الشاباك" يوفال ديسكن، والذي كان يشغل منصب مسؤول الشاباك في شمال الضفة عند تنفيذ "صفقة أحمد جبريل"، بقوله أن تحرير الأسرى هو السبب الرئيسي في اندلاع الانتفاضة الأولى بسبب عدد القادة الكبير الذين تحرروا، ونوعيتهم حيث تميزوا بكونهم متطرفين. مضيفا أن تحرر هؤلاء الأسرى القادة كان سببا في رفع المعنويات في الشارع الفلسطيني".
في محاولة منها لضبط هذا الجدل، تقدمت اسرائيل بعدة مبادرات لتحديد شروط ومعايير تحديد الثمن الذي يمكنها دفعه في حال وقع أحد جنودها أو مواطنيها في أسر العدو وكان أبرز هذه المحاولات تشكيل وزير الأمن الإسرائيلي الاسبق ايهود باراك للجنة شمغار.
توصيات لجنة شمغار
تم تشكيل لجنة شمغار في العام 2008 من قبل وزير الأمن الاسرائيلي الاسبق باراك، والذي يعتبر من أبرز الشخصيات الأمنية في إسرائيل في ذروة الجدل الدائر حول الثمن الذي على إسرائيل أن تدفعه مقابل إطلاق سراح الجندي الأسير لدى حركة حماس في غزة "جلعاد شاليط" والذي ترافق مع حملات إعلامية وجماهيرية ضخمة ومتواصلة بهدف الضغط على المستوى السياسي لاستعادته "بأي ثمن".
ترأس اللجنة، والتي ضمت مسؤولين كبارا في وزارة القضاء والجيش والشاباك والاستخبارات العسكرية، رئيس المحكمة العليا السابق "مائير شمغار"، وحدد الهدف من وراء تشكيلها بدراسة كافة الصفقات التي عقدتها إسرائيل ووضع "معايير ومبادئ التفاوض من أجل افتداء الأسرى والمفقودين" وقد تم الاتفاق مسبقا على عدم إعلان نتائج وتوصيات اللجنة قبل الانتهاء من مفاوضات التبادل حول جلعاد شاليط وأن تبقى "سرية جدا" وعدم اطلاع الجمهور عليها.
أنهت اللجنة عملها بعد عامين (2010) وسلمت تقريرها الذي بلغ حجمه 100 ورقة لوزير الأمن ايهود باراك.
بعد اتمام صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس في العام 2011، وإطلاق سراح جلعاد شاليط، تم نشر بعض هذه التوصيات في وسائل الإعلام الإسرائيلية دون تأكيد أية جهة رسمية لمدى دقتها. وقد تلخصت بإبقاء أية مفاوضات في إطار من السرية، وأن يتولى مكتب رئيس الوزراء عن طريق مندوبين يتبعون له مباشرة الإشراف على هذه المفاوضات، ويتم اطلاع الحكومة وطلب مصادقتها فقط بعد التوصل الى اتفاق، وكذلك الفصل التام بين عائلات الجنود وبين متخذي القرار وتجنب التأثير وممارسة الضغط عليهم.
إذا كانت التوصيات أعلاه عامة وتتعلق بآليات إدارة المفاوضات، ولا تشكل عاملا للاستقطاب والجدل، إلا أن التوصيات التي تلتها وضعت لأول مرة قيمة / ثمن لكل أسير حيث حددت ان الجندي سيتم افتداؤه بعدد محدود من الأسرى، وان ألجثة سيتم مبادلتها بجثة.
كما حاولت اللجنة أن تصنف الأسرى من حيث الأهمية وليس القيمة فقط، اذ وضعت أربع مراتب للأسرى والمفقودين يتقدمها الجندي الذي يتم أسره في عملية عسكرية يبادر اليها الجيش، ثم يليه من حيث الأهمية الجندي الذي يتم خطفه، ثم المدني الذي يجتاز الحدود عن طريق الخطأ، وأخيرا المدني الذي يجتاز الحدود عن وعي ولأهداف ذاتية، كما انها اقترحت إلى جانب الثمن الذي يمكن دفعه ممارسة ضغوط على الجهة الآسرة بما في ذلك "على الأسرى الفلسطينيين في السجون" وعلى شروط اعتقالهم.

لم تعلن نتائج لجنة شمغار رسميا ولا أعلن عن تبنيها بشكل رسمي، ومع ذلك فإنها واجهت انتقادات لاذعة واتهامات بكونها غير عملية، وتمس بالعقد غير المكتوب بين الجندي والدولة، والذي تتعهد فيه الدولة بعدم تركه في أسر العدو، وبذل كل جهد ممكن ودفع الثمن من أجل استعادته، كي لا يؤثر التخلي عنه على الحافز للخدمة في الجيش وعلى معنويات الجنود.
بقيت توصية اللجنة مجهولة وسرّية حتى الآن، وحتى بعد أن تم عرضها للنقاش في المجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغر "الكابينيت" في العام 2014 لم يتم التصويت عليها.
تشريع قانون الأسرى والمفقودين.
خطورة صفقات التبادل وآثارها بعيدة المدى أمنيا وإعلاميا ومعنويا، بالإضافة الى حساسية اسرائيل تجاه جنودها ومدنييها، وتداعيات بقائهم في أسر العدو على معنويات الجنود واستعداد عائلاتهم لإرسالهم للخدمة، يجعل قضية الثمن يتجاوز الأسئلة الأخلاقية والاعتبارات القيمية، ويمس عصبا حساسا في تركيبة وتكوين المجتمع الاسرائيلي.
إزاء العجز عن تبني توجهات ومعايير واضحة، بادر الجنرال اليعيزر شتيرن، الذي شغل مواقع عسكرية متصلة بهذا النمط من الملفات، حيث كان قبل ان ينتخب عضوا في الكنيست عن حزب يوجد مستقبل ووزيرا للاستخبارات، مسؤولا عن قسم القوى البشرية في الجيش، ومسؤولا عن قسم التعبئة والتثقيف، وقائدا لمدرسة الضباط، الى تقديم مشروع قانون "الأسرى والمفقودين".
مشروع القانون الذي قدم الى الكنيست في العام 2018 حدد أن أي صفقة تبادل قادم يجب أن تخضع لمحددات أهمها "أن لا يتحرر أكثر من أسير واحد مقابل أي مخطوف اسرائيلي"، وأيضا في حال الجثامين "ان لا يتحرر أسرى أحياء مقابل جثث"، وفي حال إجراء مفاوضات تكون الحكومة ملزمة بإعداد "قائمة مغلقة" يحق للطرف المقابل أن يختار أسراه منها فقط.
شتيرن قيّد الحكومة بغض النظر عن من يقودها في مشروع القانون بأن لا تحرر أكثر من عشرة أسرى "شريطة أن لا يكونوا متهمين في قضايا تضمنت قتل اسرائيليين"، كما أنه تقدم بتوصية بالاحتفاظ بجثامين الشهداء بغرض مبادلتهم بأسرى او مفقودين اسرائيليين وهو ما تقوم به اسرائيل الان.
مشروع قانون شتيرن لازال مدرجا على جدول أعمال الكنيست حتى الآن دون أن يتم نقاشه أو التصويت عليه، وهذا يدلل مرة اخرى على مدى حساسية القضية وخضوعها لاعتبارات لا يمكن ضبطها او التحكم بها بشكل مسبق.
هشام السيد: حي يلقى معاملة الميت
من كل الاستعراض السابق تتضح حساسية قضية وجود أسرى إسرائيليين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين لدى حركات المقاومة، ونطاق الجدل وعمقه وتداعيات القضية أمنيا وأخلاقيا وسياسيا واستراتيجيا.
هذا الوضع لم يخلق إشكالية وضع معايير للإفراج عن الأسرى مقابل كل مفقود او مأسور، بل فرض على إسرائيل أن تدفع الثمن في كل مرة، وأن تخصص موارد وأن تدير حملات عسكرية ودبلوماسية هائلة للضغط من أجل استعادة جنودها أو مواطنيها، سوى في حالة هشام السيد والأسير الآخر من أصل اثيوبي ابرها منغستو، واللذيْن تعرف جيدا مصيرهما وانهما على قيد الحياة ومع ذلك لا زالت تتهرب من دفع الثمن.
التهرب لا ينبع من الثمن المطلوب ولا كونهما "غير عسكريين" فقد سبق أن عقد رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون في العام 2004 صفقة تبادل مع حزب الله أفضت الى استعادة ضابط الاحتياط الحننان تننباوم لم يكن في الخدمة العسكرية ولا أرسل في مهمة رسمية بل اختطف بسبب "أعمال خاصة" تضمنت الإفراج عن أسرى كبار وتاريخيين من حزب الله هم مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد وهو ما اعتبره شارون "ثمنا معقولا" مقابل "عدم ترك اسرائيلي في قبضة العدو"، وهو ما يجعلنا نفترض ان السبب يكمن في هوية الأسير وكونه عربيا فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين


.. السودان.. طوابير من النازحين في انتظار المساعدات بولاية القض




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا