الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 تموز قراءة في المناخ السياسي والتاريخي

باسم المنذري

2022 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بغية قراءة موضوعية لثورة الرابع عشر من تموز وتقييمها لابد من وقفة استباقية لتقييم اداء الحكم الملكي ومن ثم التعرف على حيثيات الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رافقت تلك الفترة والغطاء الشرعي للحكم الجمهوري ، وهل كان من الضرورة اساسا قيام الحركة ام لا ! بعد ذلك يمكن تقييم حركة 1958 واداءها.
وعلى وفق التحليل التاريخي للاحداث هنالك دائما عوامل مباشرة واخرى غير مباشرة والتي لعبت ادوارا مختلفة تسببت بقيام حركة 14 تموز 1958 فهنالك اسباب غير مباشرة تمثلت في ازمة الحكم الملكي في العراق والتي تتلخص في طبيعة البنية التحتية التأسيسية للحكم الملكي والتي ولدت تيارين متناقضين في الايدلوجية والمرجعية الوطنية والسلوك السياسي في مواقفهما تجاه ماكان يعصف في العراق والمنطقة العربية من احداث جسام كالحروب العالمية والمعاهدات مع الدول الكبرى والاحلاف التي كان الغرض منها جر المنطقة العربية الى سياسة المحاور والاستقطاب الدوليين وآخر تلك الاحداث هو تاسيس دولة أسرائيل في فلسطين.
لكن عندما يصبح التاريخ مأخوذا بمنطق الحسم فينظر الى رواية ما على انها مقبولة بالمطلق واخرى مرفوضة بالمطلق فأنه يتحول حينئذ الى ساحة صراع دائم ولايعود ثمة مجال امامها للبحث الموضوعي العميق الهاديء.
بالعموم ، المناخ السياسي العام في العراق بعد الاحتلال البريطاني له وحتى قبل تأسيس الحكم الملكي كان مضطربا الى حد ما وتصاعد هذا الاضطراب الى حدوث ثورة العشرين المعروفة، وتدريجيا مع ظهور حركات واحزاب سياسية عديدة والتي ولدت من أولآ الوعي الوطني وبالتالي السياسي لما يجري من احداث في البلد من استعمار وانتداب ومعاهدات وغير ذلك اضافة الى الظروف الموضوعية الاخرى في قيام حركات تحرر وثورات في المنطقة سواء على الصعيد العالمي كثورة اكتوبر عام 1917 في روسيا والتي كانت تتوالى الاخبار عنها عن طريق بعض الوافدين مع وصول بعض النشريات والكتب وغيرها وصعودا الى قيام ثورات في المنطقة العربية كثورة 23 يوليو 1952 في مصر وغيرها من الدول العربية سوريا عام 1949 وانقلاب مصدق في ايران عام 1953 اضف الى ذلك ان سياسة بريطانيا في العراق من خلال الحكم الملكي كانت سياسة استعمارية وتبعية بأن تجعل العراق احدى الدول التابعة للتاج البريطاني في استغلال موارده واذلال شعبه . ومع كل ذلك كان من الضروري ان تنشأ بعض مايتطلبه الوضع لتمشية مصالح بريطانيا وجيشها في العراق من انشاء مثلا سكك الحديد وبعض المصانع الاخرى وموانيء التي تتطلب وجودها ، ونشأت من خلال ذلك طبقة عاملة عراقية ، وبالمقابل كان توزيع الاراضي على شيوخ العشائر بمساحات واسعة ،افضت الى وجود عدد كبير جدا من الفلاحين والمزارعين المعدمين وقد نشأت بجانب الاقطاعيين مجموعات تحيط بهم من المنتفعين كان لها دور كبير في اضطهاد الفلاحين حيث كانت هي اليد الضاربة والقاسية عليهم يسمون بالسراكيل وفئة اخرى تسمى الحوشية ووظيفتهم هي حراسة الشيخ وتنفيذ ارادته والاشراف على فلاحيه وحماية ممتلكاته وكثيرا ماكانوا يجندون من خارج عشيرة الشيخ الذي كان ينظر اليهم كعبيد له وفي بعض الحالات كان هؤلاء من القتلة او مرتكبي الجرائم الاخرى الهاربين من العدالة الذين لجأوا الى العشيرة وربطوا انفسهم بالشيخ (بطاطو- ك1-ص 110-111)والتي ساهمت بصورة واخرى في استغلال الفلاحين واضطهادهم .وقد كانت نسبة الفلاحين تشكل 70% من الشعب .
بهذا الجو السياسي والاقتصادي للبلد والتراجع والتردي في كل مجالات الحياة حيث عزز وجود الاقطاع من الظلم الفاحش للفلاحين وسوء المعيشة وتردي الاوضاع الاقتصادية للمواطن بشكل عام طفت على السطح المشاكل الكبيرة من تفشي الامية اولا حيث عندما سقط النظام الملكي بعد37 سنة من قيامه كان نسبة الامية 80% (جمهورية الخوف ص ١٤٠).
وحتى ثلاثينيات القرن الماضي لم يكن في العراق أية جامعة أو كلية أو حتى معهد يعتد به إذا ما استثنينا كليتي الطب والحقوق وكانت كل من هاتين الكليتين تابعة الى إحدى الوزارات ولم تتأسس جامعة بغداد الا العام 1957.وكان عدد المتعلمين بشكل عام لا يتجاوز7 % من مجموع سكان العراق وعدد المدارس محدوداً وأبنيتها دور مستأجرة فيما عدا بعض المدارس التي بقيت من العهد العثماني وهي قليلة جداً .أما الموظفون فكان غالبيتهم لا يملك الشهادة الثانوية وقد يقرأ ويكتب فقط.
حتى الأكثرية الساحقة من النواب في المجالس النيابية كانت من الأميين أو أشباه الأميين فعلى سبيل المثال كانت نسبة الأميين في المجلس النيابي لدورته العام 1930- 37% .
ناهيك عن انتشار الامراض والفقر المدقع مما حدا بالعوائل الفقيرة الى الهجرة بأتجاه العاصمة والسكن في اطرافها والتي عرفت بالصرائف وكانت منتشرة بشكل واسع وكبير في اغلب مناطق العاصمة بغداد.وخلال فترة لا تتجاوز العشر سنوات من عام 1947-1957 هاجر الى لواء بغداد وحده ما لا يقل عن 205765 نسمة (بطاطو-ك1-ص162) ويمكن تصور تأثير حركة بهذا الحجم وبهذه السرعة على بلد مثل العراق ، والواقع انها احدثت خللآ في الاقتصاد واستنزفت قوة العديد من المناطق الريفية واثقلت كاهل المدينة العاصمة بالسكان والمشاكل. وكانوا يسكنون في مناطق طمر النفايات وكمدفن للفضلات البشرية والحيوانية وكانت بعض مياه مصارف سطح الارض تضخ ايضا الى المنطقة بحيث كان السائل الملوث يتدفق عبر تجمع الصرائف . هذا ماذكره الدكتور (أ.كريتشلي) من كلية طب بغداد حين زار المكان.ولم تكن هناك اي ترتيبات صحية في الصرائف .كما ان معدل وفيات الاطفال لكل 1000 حالة حمل كان 341 حالة وفاة.ومن الواضح ان اوضاعا معيشية كهذه لم تكن مؤذية بالنسبة لصحة سكان الصرائف فحسب بل كانت تهدد العاصمة بغداد ايضا.
من جانب اخر كانت الاوضاع السياسية في البلد من قمع واغتيالات واعدامات في الشوارع وسجون مملوءة بالوطنيين من سجن نكرة السلمان مثلا وغيرها ،وكذلك مناطق النفي داخل البلاد في بدرة وجصان وخارجها ايران مثلا. فعلى سبيل المثال كأول محاولة للاغتيال هي تسميم الملك فيصل الاول ومقتل الملك غازي وغيرها ،وانقلاب بكر صدقي عام 1936 وهو اول محاولة انقلاب في العراق والمنطقة ،ومقتل جعفر العسكري مؤسس الجيش العراقي وثورة مايس عام 1941 وشنق العقيد صلاح الدين الصباغ وتعليقه في باب وزارة الدفاع واعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي في الشوارع العامة للعاصمة وامام انظار الناس ، ومجزرة سجن الكوت كانون الاول عام 1956 وقمع انتفاضة الحي في 10/1/ 1957 حيث تم اعدام علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس ،وحادثة جسر الشهداء وماجرى فيه عام 1948 في وزارة صالح جبر واسقاط معاهدة بورت سموث التي عقدت في 15/1/1948 والتي كانت تنقيحا لمعاهدة عام 1930، واسقاط الجنسية العراقية عن 150 الف يهودي عراقي ومذبحة الاشوريين عام 1933 . ناهيك عن الوضع المزري للعمال في العراق عمال السكك،السكائر ، النسيج الخ.. وكذا الطلبة والمرأة بشكل عام وكل هذه انسحبت على الواقع الصحي والتربوي والخ. ولابد من الاشارة هنا للتفاوت الطبقي الكبير بين العائلة المالكة وعموم الشعب فالملك فيصل الاول كانت مخصصاته في العشرينيات تساوي ما لا يزيد عن 5250 دينار وفي العام 1922 كان فيصل قد امتلك مزرعة للالبان تغطي 12000 آكر اي حوالي 8000 هكتار من اراضي الدولة ،اما فيصل الثاني فقد كان يتقاضى في العام 1958 راتبا مقداره 48000 دينار يضاف اليه تعويضات تصل الى 12000 دينار اضافة الى هذا كان لديه 124000 دولار مودعة لدى (فيرست ناشيونال سيتي ترست كومبني) في نيويورك وحدها. وفي السنة نفسها كانت العائلة المالكة تملك 177000 دونم من الاراضي الزراعية كما كانت لها استثمارات كبيرة في مصنع للنسيج وفي شركة المنصور لسباق الخيل (بطاطو ك1 ص392).
بهذا المناخ السياسي المتوتر والاقتصادي المتدهور، كان تعيش البلاد ويرزح ابناؤها تحت وطأة الحكم الملكي وعناصره .وهذه التراكمات الكمية افضت بالنتيجة الى التغيير النوعي عبر حركة 14 تموز عام 1958 .لقد سبقت الحركة الاعداد لها عبر تنظيم الضباط الاحرارالمؤلف من 15 ضابطا عراقيا في اللجنة العليا والتي كانت لها اتصالات عديدة مع الاحزاب والحركات الوطنية والتي توجت في النهاية بقيام الثورة رغم تاجيلها اكثر من مرة ، ان فكرة الثورة لم تكن وليدة يوم الرابع عشر من تموز بل هي كانت حاضرة في افكار واذهان الناس والوطنيون منهم بصور واشكال مختلفة طبقا للواقع الاجتماعي حينها.
والسؤال هو : هل كانت ثورة ام انقلاب!
في الحقيقة مسار الفعل هو الذي يحدد تدريجيا فيما اذا كانت ثورة ام انقلاب من خلال الاثار التي تتركها من التغيير الجذري للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،فكل الثورات تبدأ بعملية الانقلاب ثم تتحول تتدريجيا من خلال ماذكرت.والانقلاب هو ازاحة مفاجئة للحكومة بفعل عسكري عادة وتنصيب سلطة غيرها دون احداث تغيير بنيوي شامل ،اما ماحدث في صبيحة تموز فهو ثورة بكل المعايير والمقاييس.حيث كان من اهم اولوياتها ودوافعها هو تحقيق العدالة الاجتماعية وقد تحققت بنسبة كبيرة مقارنة بعمرها والتي لم تتعدى 1666 يوما او اربع سنوات ونصف تقريبا واعتقد ان لاحاجة لذكر تلك الانجازات فهي معروفة للجميع وكثير منها شاخص لليوم والشهود على ذلك احياء.
ونحن هنا ليس في موضع الدفاع عن الثورة رغم احقيتنا في ذلك كمواطنين عراقيين نفتخر بها كثورة شعبية عراقية عارمة ازاحت نظاما ملكيا تبعيا للاجنبي.وليس ايضا بموقع ادانة النظام الملكي رغم كل عيوبه ومآسيه فيكفي انه كان يحمل زواله بين طياته . لقد كانت الثورة في كل العراق تطرق على الابواب. ان 14 تموز حدث سياسي مهم غير وجه العراق ووجه بوصلته الى طريق التحرر والتطور والتنمية والحرية رغم ان ذلك كان نسبيا تجاه ماعانت الثورة من مؤامرات كانت داخلية وخارجية على السواء.ان مايشاع حول ثورة تموز بانها فتحت ابواب الانقلابات والدم وسيطرة الاحزاب على كل شيء وقد نمت هذه الاقاويل بعد عام 2004 وتصاعدت في الفترة الاخيرة ذلك له عدة اسباب اهمها اخماد جذوة الثورة لدى الشباب المنتفض والرافض للواقع المعاش السيء في محاولته للتغيير ووأد الروح الثورية لديهم بأشاعة ان اي تغيير سيفتح بابا للقتل والدمار وما الى ذلك.وكذلك محاولة طمس وتشويه الانجازات الكبيرة في عهد الثورة وبمدة زمنية قصيرة وبموارد تكون شحيحة وايضا للتغطية على الفساد الذي تشعب في كل مفاصل الدولة والمجتمع بعد عام 2003 واصبح ظاهرة خطيرة تنذر بالانهيار التام للمنظومة القيمية والاخلاقية للمجتمع والتي هي بدأت بالفعل من خلال التغاضي وغض البصر عن الفاسدين ومحاسبتهم. واضفاء الشرعية للحكم الحالي واعتبار ربطه بالاجنبي حالة مماثلة للوضع العراقي ابان العهد الملكي الذي تم تنصيبه من قبل الانكليز.بأكتسابه الشرعية الدولية.لذلك هي دعوة لاعادة قراءة ثورة تموز قراءة نقدية فاحصة وان لاتكون موسمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة مغدورة
نژاد روژێ-;-ار ( 2022 / 7 / 11 - 06:53 )
المجد لذكراها ولقائدها الملهم العدل العف الزعيم قاسم.

اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل