الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألتخلف التكنولوجي في النظم - الاشتراكية

عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن

2006 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يسعى منظري وكتاب الحركة الشيوعية ، سبر أغوار مسببات ألانهيار ألمدوّي للانظمة ألاشتراكية ، عبر الدراسة وألتحليل ألنظري ألعلمي والبحث في أسس ألنظرية ألماركسية أللينينية وتشخيص ما شاخ منها ، وأيجاد البدائل ألمنسجمة وألتطورات الحضارية ألهائلة التي تنعم بها ألبشرية أليوم.
أن كل دراسة نظرية في موضوع ألبحث ، يجب ان تعتمد على ألمعاينة الدقيقة لتجربة ألبناء ألاشتراكي ، وتأشير مكامن ألخلل في ألتطبيق . بأعتبار أن ألحياة هي ألمختبر ألحقيقي لصدقية ألنظريات.
وأنطلاقاً من هذه ألبديهه ، أود أن أساهم بشكل متواضع ، في تسليط ألضوء على ما شاهدته وعايشته أثناء دراستي في أحدى الجامعات التكنولوجية في موسكو ، وقبلها سنة تحضيرية في مدينة فولكاكراد ، وخلال
ألتطبيق وألعمل في معامل ومدن مختلفة حتى سيبيريا.
أن ألانطباع ألذي تولد في ذهني ، هو أن عجلة التطور في ألاتحاد ألسوفيتي ، قد توقفت منذ بداية ألسبعينات أو قبل ذلك ، حيث لم تجري عملية تجديد وسائل ألانتاج على كل المستويات ، سوى في مجال ألتصنيع ألعسكري ألتقليدي وألاستراتيجي ـ ألنووي ـ ألبيولوجي ـ ألكيمياوي وأبحاث علم ألفضاء ، ألذي أبدعوا فيه وليومنا هذا...! ومعلوم لديكم وللقادة ألسوفييت ...!؟ أن أحد ألاسلحة ألستراتيجية للأمبريالية ألعالمية ، هو دفع ألاتحاد ألسوفيتي ، بأتجاه ألانغلاق على ألتصنيع ألعسكري ، ليحرم ألشعب ألسوفيتي من أسباب ألحياة ألكريمة ألمرفهة ، وكما أعلن صراحةًً ألرئيس ألامريكي جيمي كارتر " سنهزمهم جوعاً ". فقد أعلنت ألدول ألرأسمالية ألحرب على ثورة أكتوبر والنظام ألجديد ، بأستخدام كل ألاسلحة ، ومنها الحصار ألاقتصادي ومنع ألتبادل العلمي ألتكنلوجي ، حتى أنهيار ألاتحاد ألسوفييتي .
أن ألعامل ألذاتي ، بالتأكيد، هو ألمسبب ألرئيس في فشل تجربة ألبناء ألاشتراكي ، فتراكم ألاخطاء والنواقص، أدّت ألى تغير نوعي ولكن بألاتجاه ألسلبي . ومن كبريات ألاخطاء هو أنعدام ألديمقراطية ألحقّه ، والتي تمثل أحد ألاركان ألاساسية، أي ألقوانين لبناء ألاشتراكية. وأستناداً لذلك توجهت بألسؤال ، لثلاثة أساتذة سوفييت ، منهم أثنان بدرجة بروفيسر ، وأثناء محاضرة في ألشيوعية ألعلمية عام 1987 ، قائلاً " هل تعتقدون أنكم تعيشون في مرحلة ألاشتراكية " فأجابوا بنعم ، فقلت لهم " أنا لأ أعتقد ذلك " فأستغربوا ، وأوضحت لهم ، " أنتم لاتمارسون ألديمقراطية ، حيث أكّد لينين على حق ألشعب بأختيار ممثليه ، ورسم ألسياسة ، وألرقابة على ألتنفيذ ، وأستدعاء ألمسؤولين أمام ألسوفييتات لمحاسبة المقصرين منهم ، وبما أنكم تفتقدون لأحد ألقوانين ألاساسية لبناء ألاشتراكية فهي لم تستكمل بعد " فلزموا ألصمت .
أن تجربة ألشعوب أثبتت ، أهمية وجود ألمعارضة ألسياسية ، لضمان ديمومة ألحراك ألفكري ألسياسي ألاجتماعي ، وبألتالي أيجاد أنجع ألحلول للمعضلات ألتي تظهر ، في مسيرة ألبناء وألتقدم .
أن ألتخلف شمل ألمؤسسات ألعلمية ، فألجامعات تعاني من نقص حاد في أجهزة ألكومبيوتر، حيث تتوفر بأعداد محدودة للطلبة ، ولم أشاهد منها في مكاتب ألاساتذة !؟ ، وألاجهزة في ألمختبرات قديمة وألابنية مهترئة، والمصادر العلمية تقتصر تقريباً على مؤلفات ألعلماء ألسوفييت ، مع ضرورة ألاشارة الى مستواهم ألمرموق ، وتوفر نتاجاتهم بمختلف ألعلوم . في أحدى ألمناسبات ، سألت أستاذاً عن سبب عدم وجود محاضرين أجانب ، ووفود علمية متبادلة مع جامعات ألعالم ، فأعزى ذلك ألى ألمقاطعة ألغربية ، وأُضيف ألحساسية ألمفرطة من قبل ألسلطات ألسوفييتية ، تجاه أي أحتكاك للمواطنين مع جهات أجنبية.
أن تفشي ألبيروقراطية والفساد ، خلق حالة من عدم ألاكتراث لدى عامة ألشعب ، فأصبح ألمواطن لايعنيه ما تروج له ماكنة ألدولة ألمتحزبة ألاعلامية حول ألبناء ألاشتراكي ، بل أصبحت موضع تندر عامة ألناس ، وأرتبط ذلك بتدني ألمستوى ألمعيشي وسوء ألخدمات ، فألرواتب هزيلة والسلع ألضرورية مفقودة وألمتوفر منها ذات جودة متدنية ، وألشعور بألاغتراب ألداخلي وأليأس دفع ألناس وخاصة ألشبيبة منهم، ألتطلع ألى ألنموذج ألغربي وما يوفره من عامل جذب ورخاء. ففي أحد ألمؤسسات ألانتاجية كنا مجموعة من ألطلبة وأثناء ألتطبيق ، لاحظنا عدم أهتمام ألمهندسين وألموظفين في أداء واجباتهم ، فألتفت ألى ألزملاء من ألطلبة ألسوفييت مستفسراً ، عمّا سيكون موقفهم في ألمستقبل تجاه ألعمل ، فأجابوا صراحةً بأن سلوكهم سوف لن يختلف عمّا رأيت !!!!
يقع معمل ألمولدات وألمحركات ألكهربائية ، في ألمنطقة ذاتها حيث يوجد ألمعهد ألذي درست فيه ، فوقع أختياري عليه للتطبيق ألعملي ، ثم واصلت ألعمل صيفاً ، للحصول على دخل أضافي يُعينني على ألمعيشة ، مُضحياً بفرصة ألاستمتاع بألراحة في ألمنتجعات ألصيفية على البحر ألاسود ألدافيء ، والذي تصطبغ رمال شطآنه بأللون ألبرونزي لأجساد ألشقراوات كل عام . في ذلك ألمعمل والذي تم بنائه في ألعهد ألقيصري ، وجدت خطوط أنتاج قديمة ، ومكائن يستوجب تبديلها ، فأستلمت ألعمل على احدى ألمكائن الضخمة ألنصف أوتماتيكية ، لأنتاج غطاء مولد كهربائي . وبسسبب حبي للعمل وأخلاصي لمبادئي ألتي رباني ألحزب عليها ، بذلت جهداً صادقاً ، فكانت أنتاجيّتي هي ألاعلى بين جميع ألعمال ، مما حدى بألمهندس رئيس ألقسم أن يطلب مني ألبقاء للعمل كمهندس بعد ألتخرج ، وكانت غلطتي بعدم ألاستجابة ، لأتظور من حرماني ممارسة أختصاصي في بلد ألمهجر ألسويد مدى ألحياة.
كنا نقيم ومن خلال " رابطة ألطلبة ألعراقيين في ألاتحاد ألسوفييتي" أيام عمل طوعي في ألمعامل ، ويذهب ألوارد ألمالي دعماً لنضال ألحزب ألشيوعي ألعراقي ، فكانت ألمشاهد في ألمعامل ألمختلفة لاتبتعد في ألوصف
عمّا سبقه .
عند ألأعداد للدفاع عن شهادة ألدبلوم ألعالي ، أخترت مادة ألمراحل ألانتاجية لتصنيع قطعة تابعة لسيارة "أللادا" وبأ لمناسبة هذه ألسيارة تُصنّع بأمتياز من شركة "فيآت " ألاطالية. ذهبت للمعمل وشاهدت ألكثير من ألسلبيات في مراحل ألانتاج ، وسمعت حينها ، وشاهدت لاحقاً في عام 2006 وعلى ألفضائية ألروسية ، فلماً وثائقياً ، عن ألمافيا ألمهيمنة على ألمعمل ومن ألعهد ألسوفييتي ، وكيف يهربون مختلف قطع ألغيار ، لتباع في ألسوق ألسوادء !؟. أجريت فحصأً لجودة ألقطعة مادة ألبحث ، فصدمت بألنتيجة ، حيث أن جميع ألقطع ألمنتجة ، لاتتطابق مع ألمواصفات ألمطلوبة ، وعندما نبهت ألعامل ألمسؤول عن ألخط ألانتاجي ، أجابني بعدم ألاكتراث !!؟ ، فقررت أن أرسم ألنتائج على أللوح ألبياني كما هي ، وعند ألدفاع وأمام جمع من ألاساتذة وألحضور ، أنتبه أحد أساتذتي للخط ألبياني ، مستغرباً ومستفسرأً ، فأجبته بأن هذه حقيقة أنتاجكم ..!
ماتقدم من أستعراض للمشاهد ، يتعلق بمدينة موسكو فقط ، والتي تعتبر ألمدينة ألمدللة ، والقبلة ألمقدسة للمواطن ألسوفيتي . اما عن حال المدن ألصغيرة وألارياف ، فحدث ولاحرج ...! فألشوارع سيئة ، وألباصات خردة متحركة ، وألخدمات لاتتم أللا بألرشاوي ، وألبطالة ألمقنعة ضاربة أطنابها ، وألمواد ألغذائية شحيحة ، مما يدفع ألمواطنين ألسفر ألى موسكو للتبضع . أن ألاوضاع ألسيئة في ألمدن خلقت ظاهرة ألهجرة بأتجاه ألمدن ألكبرى وخاصة موسكو ، ولكن ألاجراءآت المتشددة وتحديد أقامة ألمواطنين ، هي ألتي حدّت من ذلك .
أي أن ألدولة لم تعمل على ألغاء ألفوارق بين ألمدينة وألريف ، كما ورد في شروط أقامة ألنظام ألاشتراكي...!
عايشت بعض ألمشاهد والتي تركت أثراً عميقاً في نفسي . ففي ألكلية وعلى لوحة ألشرف ، علقت صورة ، يصطف فيها عدد من جنود ألبحارة ، على ظهر بارجة حربية ليؤدوا ألتحية لأحد ألمقاتلين ألقدامى ، وألذي ُقلّد أوسمة عديدة ، طرّزت صدره ، وكان قد فقد قدميه في ألحرب ألوطنية ألعظمى ، ويظهر وهو يزحف على خشبة ، ربطت أليها عجلات صغيرة ، ويدفع ألارض مباشرة بيديه. نظرت طويلا ً وبألم شديد متسائلاً ، ألا يستطيع ألاتحاد ألسوفييتي " ألعظيم" أن يوفر كرسي متحرك ، لهذا ألبطل ، ألذي قدم نصف جسده في ألحرب ضد ألنازية ، قرباناً لوطن " ألاشتراكية ألاول "...!!؟
مشهد آخر في مدينة ميخايلوف ، وعند محطة القطار ، حيث دخلت مجموعة من الشباب وألشابات ، لمحل بيع ألمواد الغذائية ، طلباً لشيء يمتع أذواقهم ، نظروا ألى ألرفوف ألفارغة ، فلم يجدوا غير علب ألسردين ، فأبتاعوها مرغمين ، وافرغوا محتوياتها في بطونهم والتذمر مرسوم على وجوههم .
أن ألحال في بلدان ماسُميَ بألمنظومة ألاشتراكية ، لأيختلف كثيراً عن بلد ألطليعة ، فمنتجاتهم ألمبنية على مبدأ ألتكامل " ألاشتراكي "لم تستطع أن تنافس في ألجودة ، منتجات ألعالم الرأسمالي للأسف.
لقد ترك ، الخلاف ألسوفييتي ـ ألصيني ، شرخاً عميقاً في جدار ألحركة ألشيوعية ، وزاد من ذلك تعنت قيادة البلدين ، وتبعية ألقيادات للاحزاب ألشيوعية وخاصة من البلدان ألنامية ، لهذا ألطرف أو ذاك ، ولولا ذلك ألصراع ألساذج ، لسارت عملية ألتطور والبناء ، ربما بصورة أفضل .
أن ألاتحاد ألسوفييتي لم يُسخّر قدراته ، ألسياسية وألدبلوماسية ، لكسر طوق ألحصار المفروض عليه من ألدول ألغربية ، بل تبنى مبدأ ألاكتفاء ألذاتي ، مما عمّق ألعزلة عن ركب التطور الحضاري ألجاري في ألعالم.
لقد كان كادرنا ألحزبي ، ومن ألاحزاب ألشيوعية ألاخرى ، وأعني بألذات من ألبلدان ألمتخلفة ، تتردد على موسكو لاغراض ألدراسة ألحزبية وألاكاديمية ولأغراض ألعلاج وألراحة ، بعد فترات طويلة من ألحرمان في ألسجون وألتشرد في ظروف ألعمل السري ، ليتنعموا بألخدمات ألجليلة ألتي وفرها لهم ألرفاق ألسوفييت ، وهذا لاينكر ، ولكن كانوا يعيشون بعيداً عن ألحياة ألواقعية و لما يجري من غليان دفين في ألنفوس .
أمّا ألرفاق ألذين وعوا ألحقيقة فقد لاذوا بألصمت ، فلم أُصادف في يوم ما ، اي مقالة في صحافتنا ألسرية أو ألعلنية ، تنتقد ألحالة ألاقتصادية ـ ألاجتماعية للأتحاد ألسوفييتي ، بل على ألعكس ، فمقالات ألمديح وألاطراء بألتجربة ألفريدة وألرائدة ملئت أدبياتنا ، ووصل ألامر أن نتطاحن أعلامياً مع ألنظام ألبائد في ألسبعينات ، دفاعاً عن باصات " ألاكاروس " مُفضليها على " أللايلند " ألانكليزية ألصنع ، معتبرين موقفنا دفاعاً عن ألنظام " ألاشتراكي " ...! وألحقيقة أن ألنوع ألثاني هو أفضل تكنلوجياً من ألاول .
أن شراسة ألهجمة على ألاتحاد ألسوفييتي وبلدان أوربا ألشرقية ، يرافقها ألاخطاء ألفادحة في ألتجربة والتطبيق ، ادت ألى ألتآكل ألداخلي وخفوت نجم ألاشتراكية ، وجائت فكرة عملية أعادة ألبناء" ألبرسترويكا" الضرورية ، متأخرة ونتائجها ألعملية ، كانت كارثية ، حيث انهار ألبناء ، ولم يتصدى الشعب ألسوفييتي لأنقاذ " ألاشتراكية " بل حتى ألخمسة عشر مليون شيوعي " أعضاء الحزب " أداروا ضهورهم ، لما كان يعتبر حلمهم ألجميل ، ماعدا بضعة آلاف منهم خرجوا للدفاع عن ألاتحاد السوفيتي . وهكذا تتابعت سلسلة ألانهيارات في بلدان أوربا ألشرقية ، بعد أن هوى ألدب الابيض .
أن ألحديث عن سلبيات تجربة ألبناء في ألاتحاد ألسوفيتي لأيعني عدم وجود نجاحات هامة وأنتصارات كبيرة ، حققها ألشعب ألسوفييتي ، بقيادة ألحزب الشيوعي ، والتي لم يجري ألحفاظ عليها للاسف .
لقد كان ولايزال حلم البشرية ، بأيجاد افضل أشكال ألبناء ألاقتصادي ـ ألاجتماعي ألمتطور، والذي تتجسد فيه أسمى ألعلاقات ألانسانية ، ألخالية من كل أشكال ألاستغلال وألاضطهاد ، لازال يلقى صدىً واسعاً في عقول وقلوب ألملايين من الشيوعيين رجال ألعلم ومن ورائهم ألعمال والفلاحين والكادحين . وما ألنجاحات للحركات أليسارية في امريكا أللاتينية ، وصمود ألتجربة الصينية ، وأصرار ألاحزاب ألشيوعية في ألعالم على مواصلة ألنضال ألا دليلاً على أيمانهم ، بمصداقية أهدافهم النبيلة من اجل بناء ألمجتمع ألاشتراكي ألمنشود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تعتبر الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة خطوة تم


.. الناتو يعلن عن خطة شاملة لتسليح وتمويل الجيش الأوكراني




.. نافذة إنسانية.. شبح الجوع يعود إلى شمال غزة مع استمرار إغلاق


.. وزير الإعلام السعودي: دور الحكومة أصيل في تنظيم الحج ولا أحد




.. -عن روح أبي-.. طفل من غزة يوزع التمر صدقة عن والده الشهيد