الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة مع الحرب في أوكرانيا

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2022 / 7 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


(الحرب استمرار للسياسة بأساليب أخرى – كارل كلاوزفيتز – ١٧٨٠١٨٣١ )

يعيش العالم، منذ عدة أشهر، على وقع حرب شرسة باتت تؤثر على مفردات الحياة اليومية لسكان العالم أجمع، الحروب صفة ملازمة للرأسمالية كنظام ولطبقتها البرجوازية، تشتعل تارة وتتحول الى حرب باردة تارة أخرى وهكذا دواليك. بداية القرن العشرين انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩، كلتا الحربين انطلقتا من أوروبا، وها نحن اليوم نشهد أحدى أشرس الحروب، تنطلق مرة أخرى من نفس القارة حين هاجمت القوات الروسية في الرابع والعشرين من شهر شباط / فبراير الماضي أوكرانيا .
تاريخ الحروب طويلة الأمد تشير بأن حالات المد والجزر في العمليات العسكرية تلازم تلك الحروب. الحرب في أوكرانيا ليست استثناء من هذه القاعدة، فالمعركة في بداياتها كانت تشير الى هزيمة بوتين بعد أن أخفقت قواته في تحقيق انتصار سريع، لكن موازين القوى وحجم المناطق التي احتلتها روسيا مؤخرا تشير الى عكس ذلك.
نحن هنا لسنا بصدد تسليط الضوء على مجريات الحرب المذكورة وأمورها العسكرية، بل بصدد الإشارة الى انعكاسات هذه الحرب وتداعياتها وتأثيرها الكارثي، ليس على شعوب هاتين الدولتين فحسب، بل وعلى العالم أجمع، فإمدادات الغذاء، بالأخص الحبوب، لم تعد كما كانت قبل الحرب باعتبار ان هاتين الدولتين تعتبران من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وخطر المجاعة بات يهدد العالم والدول الفقيرة والافريقية منها على وجه الخصوص، الارتفاع المتكرر والمستمر في أسعار المحروقات والذي اشعل أسواق المواد الغذائية على صعيد العالم، ارتفاع مستوي التضخم، ملايين اللاجئين الذين ينتشرون في أوروبا وبقية ارجاء العالم، ناهيك عن الخراب والدمار الذي الحق بالبنية التحتية لأوكرانيا ،عدى عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين في كلا الجانبين .
الاجتماع الأخير لقادة حلف الناتو في ٢٦/٦/٢٠٢٢ زاد من سعير هذه الحرب حين تقرر وضع ٣٠٠ الف جندي من دول الحلف على أهبة الاستعداد، بالإضافة الى تخصيص ميزانية فورية تقدر حتى نهاية هذا العام بـ ٣٥٠ مليار دولار توزع على دول حلف الناتو بنسب مختلفة كما صرح به أمين عام حلف الناتو بعد اجتماع القمة، كل هذا يجري على حساب تقليص الخدمات العامة كالمعونات الاقتصادية، الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي لشعوب تلك الدول والعالم بشكل عام. تلك هي مؤشرات أولية على دخول العالم في مرحلة من الصراعات العسكرية التي تُعرف بداياتها ولا تُعرف نهاياتها. وأخيرا جاءت تصريحات ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي المتغطرسة لتشعل الفضاء السياسي حين قال بأن بلاده لن تتردد في استعمال كل الوسائل المتاحة ( أي النووية) خلال هذه الحرب وعند الضرورة، وبالأخص عند مهاجمة جزيرة القرم من قبل أوكرانيا وحلفاؤها، كما وهدد كل من السويد وفنلندا في حالة نشر شبكة صواريخ موجهة على اراضيهما.
الحديث عن القنبلة النووية والتلويح باندلاع حرب عالمية ثالثة، وان كان مازال بعيدا، الا انه من الخطأ تجاهله. ان من يدفع الثمن في هذه الحرب القذرة هي البشرية، فالتوحش الرأسمالي الامبريالي بلغ أشده لدرجة فتح الباب أمام دول أخرى غير المنتمية الى النادي النووي بالسعي لامتلاك القنبلة النووية باعتبارها، كما يدعون، "سلاح للردع" كما تسعى اليه ايران حاليا!! وهناك المناورات العسكرية بين روسيا وايران والصين في أمريكا اللاتينية أي في حدود " الدول المارقة " كما تسميها أمريكا تحت عنوان ( قناص الحدود ) والتي من المتوقع اجراؤها في فنزويلا شهر آب / أغسطس القادم، هذه كلها محاولات الغرض منها دق طبول الحرب في الفناء الخلفي لأمريكا ورسالة مفادها أن نجم العالم أحادي القطب بدأ بالأفول وظهرت بوادره بفشل السياسة الامريكية في حروبها، ان كانت في العراق أو في أفغانستان واليمن أو ليبيا، لذا تسعى روسيا ومن خلفها الصين أن يكون لهما موقعا ونفوذا يناسب قدراتهما العسكرية والسياسية على الساحة الدولية مقابل أمريكا وحليفاتها .
ان هذه الحرب وما تليها من تداعيات خطيرة هي حرب الرأسماليين، حرب رجعية بين قطبين امبرياليين يسعيان الى تقسيم العالم وفقا لمصالحهما وان أمر إيقاف هذه الحرب لا يأتي بالتمنيات ولا الاكتفاء برفع شعارات (أوقفوا الحرب) بل بالتضامن الأممي بين جماهير العمال في روسيا وأوكرانيا ومن خلفهم الاتحاد الطبقي للعمال على صعيد العالم . لقد آن الأوان لقوات البلدين أن يرفعوا فوهات بنادقهم بوجه حكامهم ويتجاهلوا الشعارات القومية والوطنية المزيفة لحكامهم، كما دعى اليها لينين في الحرب العالمية الأولى وأشار الى افلاس الأممية الثانية حين رفعت شعار مساندة البرجوازية القومية بحجة الدفاع عن الوطن.
لقد آن الأوان لإجبار أمريكا وحليفاتها وروسيا وحليفاتها على رفع أيدهم عن التلاعب بمصير البشرية من أجل إعادة تقسيم مناطق النفوذ فيما بينهم . الآن، نحن، والبشرية جمعاء بأمس الحاجة وقبل أي وقت مضى، الى التلاحم الأممي للعمال والكادحين وكافة المناضلين من أجل عالم خال من الحروب ومآسيها ولتوحيد الصفوف على صعيد العالم وذلك لدرء المخاطر الجدية التي تنوي الرأسمالية العالمية بأقطابها المختلفة أن تحملنا إياها وتجعل منا وقودا لتلك الحروب سعيا وراء تلك السياسة القذرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت