الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقام العراقي

حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية

2022 / 7 / 12
الادب والفن


ما الذي يدفع القائمين على المقام العراقي (منتج العراق والافغان الاوزبك..) على دفع العجلة الباذخة على أرصفة يكثر فيها الفن الجماهيري الضحل الذي لا يدل إلا على رضوخ الروح وتقهقرها. اغلب الظن ان هذا النوع من الغناء قد انحدر من البلاد الأكثر حضارة، بابل وسومر، رغم ان العلاقات العنصرية في المقام لن تكون مستوية تلهمها البوادي والصحارى بقدر ما هي الجبل الشاهق يتساوق مع كتل تكاد تلمس السماء بطريقة تنحو إلى التأمل ومعهما الانسان الذي يتوزع في خلقه بين الوعي واللاوعي، وهي فكرة غير حقيقية أو انها لا تمت الى الحق بقدر انتسابها الى الخيال والوجدان، الفنون بشكل عام، الذي أعاده الحنين الى المنبت الأول، ربما إلى ما قبل الولادة أو ما قبل البلوغ الانساني.
كان لمدينة هيوستن الامريكية ان تستقبل في الآونة القريبة الغناء العراقي وقد زار المدينة المطرب الاكثر شهرة "كاظم الساهر" وقد كتب لي ان احضر ذلك المهرجان الذي امتلأت مدرجاته بالوافدين من مدن وولايات اخرى. غناء كاظم الساهر الذي نجح جماهيريا، كان قد ساهم بطريقة ما في اخراج الأغنية العراقية الغنية والثقيلة والتي لم يكن يفهمها إلا العراقي الى الساحة العربية حتى امسىت مقبولة ومنتشرة عربيا، كاظم الساهر كحنجرة غنائية تميل عضويا الى الجفاف اكبر من ميلها الى الرطوبة واللين تصلح في معظم حالاتها للاناشيد الوطينة منها للاغاني الرومانسية التي تدخل الوجدان وربما الى الأعماق، كان نجاحه الجماهيري يحمل دلالة الى وجهة الطرب والفن بشكلهما العام.
بينما في المكان الآخر منذ ايام في بداية شهر يونيو 2022 قدم الى هيوستن ثلاثة عازفين امريكيين (فرقة الصفافير)، ومعهم فنان المقام العراقي "حامد السعدي" تلميذ "يوسف عمر" كما اشيع عنه في ثمانينات القرن الفائت. كانت الدعوة من قبل "مجموعة عزيز الخضيري" التي مازال يسبقها اصرار تأصيل مكانة المقام العراقي بين العرب والعراقيين على وجه الخصوص. كان تلميذ يوسف عمر والعازفون الموسيقيون ذوو الاصول الامريكية الذين لا يتقنون اللغة العربية بالأصل يصدحون بآلاتهم ويرددون مايحفظونه من كلمات أغان عراقية قديمة خلف حامد السعدي في صالة كبيرة تحتوي جالية عراقية لا تكاد تصل الى الخمسين نفرا.
كان الأمر يدفع الى التساؤل ما الذي وجده هؤلاء الفنانون في المقام العراقي والذي يبدو بالنسبة للأجيال الحديثة قديما ومستهلكا، تقول عازفة الكمان مع عازف السنطور بلكنة امريكية ثقيلة: نحن نتكلم العربية شوية، مما يضطر المتحدث معهم الى التكلم باللغة الانكليزية فيشوبه شعور أن هؤلاء عثروا على كنز قد اختفى وتوارى عن الآخرين.
يحسب للمقام العراقي (الارستقراطي بالاصل) ميزة وخاصية تقربه من الموسيقى الكلاسيكية والأعمال السمفونية الكبرى وهي أن الاستماع اليه يجب ان يكون حيا وليس عن طريق التسجيل والنقل. هذا النوع من الطرب والفنون يحمل أرواحه الآنية التي تتواصل مع المستمع فتتكلم معه عن الوجود والحب وعلامة الزمن، إرث القدماء وصور الأصيل المبارح، فكأنك بطريقة ما تقرأ البحث عن الزمن المفقود وتجد بين يديك دائرة الماضي والحاضر وتعاضدهما من أجل المستقبل.
علامة تقدم المجتمعات هي في الفنون، في الموسيقى والأدب. عن هذا الطريق نقرأ وجه المجتمع ورقيه، ولنا أن نبحث عن المشاهير في الأدب والفنون بشكل عام وجماهيريتهم كي نقول ماهي طبيعة المجتمعات وماهي اخلاقها وبالتالي ماهو مستقبلها.
إن كان عدد الحضور لسماع مطربة مثل إليسا وكاظم الساهر بالالاف وعدد حضور المقامات بالعشرات – في الواقع كان هناك حث ومساهمة من مجموعة عزيز الخضيري لحضور المقام العراقي المذكور وإلا لما وصل عدد الحضور الى عشرة اشخاص. فإننا بكل أسى ندرك مدى التقهقر الذي وصلت اليه الجالية العربية ومنها ندرك ايضا الأصول في الوطن الأم. وهذه النتيجة ماثلة أمام أعيننا على الحال المؤسف الذي وقع فيه العرب جميعا لكن ألا نصل بالنتائج الى نهاياتها من دون أمل وتوق لقلب المعادلة في عالم يذهب بقدميه الى الهاوية فهناك الأيام القادمة في دواخلها السحر والعجائب للنهوض واليقظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً


.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو




.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس