الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور من الماضي البعيد -قصة قصيرة-

طارق ناجح
(Tarek Nageh)

2022 / 7 / 12
الادب والفن


لا يدري لماذا تتردد أمام عينيه صور الماضي البعيد .. عندما كان والده ينصب شبكة الصيد لصيد العصافير و الحمام أمام العمارة التي تُحيطها الأشجار و الأراضي الزراعية من جميع الجهات و لا توجد أي مباني بجوارها سوى الجمعية الزراعية لقرية جزيرة أبو صالح بمركز ناصر محافظة بني سويف . لم يكن عُمره وقتها تجاوز الخمس سنوات .. كانت العمارة ، بلا شك سكن إداري حكومي للمغتربين العاملين بقطاع الحكومة .. فقد كان والده مثلاً يعمل كمراقب صحي بالوحدة الصحية بالقرية قادم من محافظة المنيا . كانت الشقة التي يقطنون بها بالدور الأرضي .. و كانت العمارة على ما يذكر مكونة من ثلاثة أو أربعة طوابق . مازال يذكر عندما كان يجلس مع أخيه ووالدته على سطح العمارة مع إحدى جارتهم في صباح إحدى أيام الشتاء طلباً للدفء و أشعة الشمس التي كان يُصِّر والده أن يتعرضوا لها يومياً لما تحتويه من فيتامين د ، و هي إحدى نعم الله علينا المجانية التي لا تعد و لا تحصى . مازال يذكر طعم العصافير المشوية و كأن مذاقها في فمه منذ البارحة. كان والده يأخذه و أخيه في جوالة قصيرة حيث يجلسون على مصطبة أسمنتية أمام أحد المباني ، أغلب الظن أنه حكومي و كانت تحيط بهذا المدخل سور صغير و أعمدة تُغطيهم بلكونة الدور الثاني ، و كان المنظر أمام هذا المبنى عبارة عن ترعة و طريق ترابي منحني لا يعلم إلي أين يؤدي .
تُرى لماذا تمر أمام عينيه تلك الذكريات التي مضى عليها أربعون عاماً .. هل هو حنين إلى الماضي البعيد .. ام أن رحيل أخيه الوحيد .. و إشتياقه له .. جدد حنينه و إشتياقه لأبيه و أمه .. لم يكونوا مجرد عائلة تربطهم صلة الدم التي لا نملك لها إختياراً .. بل كانوا كل عالمه .. كانوا أصدقائه و أحبابه الذين لم يُحِب ، و لن يُحِب أحداً مثلهم .رحل الأب و هو في الثامنة عشر ، و رحلت الأم و هو في الواحدة و الثلاثين ، و أخيراً رحل أخيه الحبيب الوحيد و هو في الخامسة و الاربعين من عُمرِه . خمسة و أربعون عاماً مضت عليه في هذه الدنيا و كأنها أربعمائة و خمسون عاماً . لم تؤثر فيه نوائب الدهر و تصاريف القدر بقدر ما أثر فيه رحيل أحبابه و حنينه و إشتياقه لهم . إنه حنينٌ و إشتياق لا يملك له صداً و لا يستطيع له رداً .. و لكنه يدعوا الله أن يجمعهُ بهم مرّٓة أخرى و لو ليومٍ واحد .. يرتمي في أحضانهم حتَّى يتلاشى و يصبح ذرات رماد يذروها الريح في جميع أرجاء المسكونة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة