الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعلم يوسف عمر وتأجيل الشهرة

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب

(Bahrouz Al-jaff)

2022 / 7 / 13
الادب والفن


وحيث يسترخي وجداني بسماع وصلات لمقام الخنبات يؤديها يوسف عمر أنسى أني في هذا الزمان، أذهب الى زمان أبعد عن زماني بكثير حيث السنين اللاحقة، تلاحق احداها الأخرى فلا تلحق أية منها غاية زمنية ينتهي عندها التأريخ لينسى عندها يوسف عمر، فأعيش تلك اللحظة، غير المتناهية، لأسأل ماهو المقام فأرى الجواب فيما تركه يوسف عمر. اذ كلما مرت السنين كلما خفت لون المقام العراقي في أعين الناس، وكلما ازدادت الحاجة لمعرفته، وبالتالي لنفض الغبار عنه ورؤية بريقه، فتزداد الحاجة الى يوسف عمر!
انه لغريب حقا أن تشهد الفترة الزمنية مابين بروز كارم محمود، كمطرب، والغياب المفاجئ لعبدالحليم حافظ اكتضاضا غير مفهوم لأساطين الفن الغنائي عند العرب اذ تلبست تلك الفترة بدوام عبقرية محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، ومحمد القبنجي، وناظم الغزالي، ووديع الصافي، وفيروز، وعلية التونسية، وصباح فخري، وغيرهم ممن أبصموا بحناجرهم علامات فارقة في ألواح تأريخ الأنغام. وهناك، في ذلك الزمن، برز يوسف عمر أيضا. لقد صدق الوجدان العربي حين وصف تلك الحقبة بالزمن الجميل على الرغم من علاته السياسية والمعيشية، ولكنه كان زمنا للتجديد، وصراعا شديدا على التجديد، والبطولة فيه كانت لمن يواكب التجديد، وبها كان عبد الوهاب مطربا للأجيال.
لم يدخل يوسف عمر في صناعة التجديد في المقام العراقي مثلما حاول القبنجي وحسن خيوكة، بل حرص أن يكون بغداديا بفنه ورسالته، يحافظ على المقام أمانة في عنقه لأهل بغداد، ومن بعدها لأهل العراق، وليصنع ببستاته تأريخا اجتماعيا لبغداد لم تضمه كتب، بل ولم يجرؤ التأريخ على التدني اليها. لقد أراد يوسف عمر أن يكون معيارا نغميا لأصول المقام العراقي، ومرجعا علميا لمعرفة كنهه، واستاذا لتعليمه بعد مماته!
ومع انه صار مرجعا للمقام، بكل اصوله وفروعه، لاينافسه فيه أحد، ومع انه صار مطلبا للعارفين بالشعر والفن الغنائي لاتحافهم بما يخفي المقام من درر، الا انه كان يعيش الزمن الجميل حيث الانفتاح والتجديد وتقلب التقليعات واستيراد وتصدير الفن، فضاع بين فضاءاته، منكمشا في الذوق البغدادي، حتى صار الخلق من أقصى الشرق الى أقصى غرب بلاد العرب يشيرون الى البارع في المقام العراقي ناظم الغزالي، جهلا، ولا يعرفون يوسف عمر، أما اليوم فحين يذكر المقام فان أول اسم يأتي على الألسن يوسف عمر.
ومع ان يوسف عمر يعد أول من انتشل المقام من مخالب النخبة ويسرها للعامة من الجمهور، فانه عاش لزمن غير زمنه، عاش لكي يعلم الأجيال اللاحقه‌ البعيدة، بعشرات بل وبمئات السنين، من بعد جيله، المقام، وليعرفهم بنفسه، وبفنه، وليشتهر بينهم حيث تختفي اسماء زمنه المشهورة، فكلما مر الزمن كلما خفتت الأسماء وكلما لمع اسم يوسف عمر، فهل تريد معرفة المقام عليك بيوسف عمر مثلما كان عليك بابراهيم وبابنه اسحق الموصليان في معرفة الألحان في عصر بني العباس. وهنا رب سائل يسأل وما هو دور القبنجي ونجم الشيخلي وأحمد الزيدان وشلتاغ وحتى ناظم الغزالي؟ نقول لقد أثروا بمن حولهم، وأثروا بيوسف عمر كثيرا أيضا، فكانوا معلمين لمن حولهم، ولمن في زمانهم، ولكن يو‌سف عمر نذر نفسه معلما راسخا في التأريخ لكي تتتلمذ على يديه الأجيال البعيدة من بعده، ويذكر حيث يذكر النغم في بغداد لايضاهيه في ذلك الا الحافظ خليل اسماعيل في الطريقة البغدادية لتجويد القرآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا