الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الانسان والاستثمار السياسوي المفضوح .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 7 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تبلور مفهوم حقوق الانسان فلسفيا عبر مفهوم الحقوق الطبيعية ، وضمن مدرسة الحق الطبيعي . وهي طبيعية في هذا المنظور ، بمعنى انها ليست هبة من النظام السياسي ، او من الدولة ، خاصة كالدولة السلطانية التي طبيعتها واصلها معادية ، وضد حقوق الانسان . بل هي سابقة على نشأة المجتمع نفسه . فما على المجتمع والدولة الاّ المصادقة على هذه الحقوق ، والعمل على تنزيلها على ارض الواقع ، وإيجاد آليات لضمان تحقيقها . انها اذن حقوق غير قابلة للتفويت ، كما تقول البوليساريو بالنسبة لتقرير المصير ، غير قابل للتصرف . كما انها غير قابلة للسحب Inaliénables .
ان جوهر هذه الحقوق ، الحرية ، والمساواة ، والامن الذي يسيطر عليه البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي L’appareille autoritaire moyenâgeuse ، وهذه المقولات الحقوقية الكبرى ، تؤول في النهاية الى حق رئيسي يتمثل في تمييز الانسان ، ومن ثم في كرامته . فكل الحقوق الفرعية تصب في النهاية على شكل جداول نهرية ، في المجرى الكبير المتمثل في إقرار كرامة الانسان .
والكرامة Dignité هنا ، لا تعني مدلولا أخلاقيا محصورا . الكرامة تعني تميز الانسان عن بقية المخلوقات وسموه عليها ، وهي الفكرة في كل الديانات ، وعلى الأخص المسماة سماوية منها ، كما تعني ان سمة الانسان الأساسية في الحالة الطبيعية ، هي الحرية . اما المساواة ، فيقصد بها المدلول الانثروبولوجي المتمثل في تساوي الناس في درجة انتماءهم الى الإنسانية بغض النظر عن الجنس ، او اللون ، والعرق ، والموقع الجغرافي او الاجتماعي .
يترتب على هذه النواة الثلاثية : الكرامة – الحرية – المساواة ، وهي الحقوق المفقودة في الدولة السلطانية التي يحكم فيها البوليس السياسي ، حق أساسي هو حق الانسان في الأمن المفقود عندنا بالمرة ، وفي حماية نفسه ، وربما نوعه من أي تهديد لحمايته ومعاشه ، وهي الحماية المفقودة في الدولة السلطانية ، رغم ان دستور مولانا السلطان ينص على ذلك .
وعلى هذه البنية الثلاثية ، يقوم صرح كامل من الحقوق ، التي تتناسل باستمرار على شكل أجيال ، لتشكل بناء معماريا جميلا اشبه ما يكون بلوحة الوصايا المبعدة عن الخطايا الكبرى .
ان السجل الفلسفي لحقوق الانسان ، هو بمثابة بناء مثالي مليء بأجمل القيم ، و اكثرها مثارا للعشق والْوله . انها قيم الكرامة ، والحرية ، والمساواة ، والامن ، والصحة ، والشغل ، والتضامن ... التي تشكل اجمل لوحة أخلاقية وقيمية في هذا العالم الأرضي .. لكن السجل Registre العملي كسجل الدولة السلطانية ، يختلف تماما عن السجل النظري . السجل الثاني ينتمي الى عالم المثل الجميلة المأمولة ، امّا السجل الأول فينتمي الى عالم الاحداث والوقائع المعلولة ، التي تعرف بها الدولة السلطانية عدوة حقوق الانسان .
وسنكتفي للتدليل على هذه القطيعة بين مستويين : مستوى النظر ، ومستوى الواقع ، مستوى الاخلاق ومستوى السياسة ، بالإشارة الى نوعين من التوظيف او الاستثمار لهذه المثل : الاستثمار الدولي ، والاستثمار المحلي ، او الوطني ، او القُطْري .
فقد تمثّلت تجربة الاستثمار الدولي لمقولة حقوق الانسان ، في تحويلها من طرف الولايات المتحدة الامريكية الى قوة أيديولوجية ضاربة ، في وجد الاتحاد السوفياتي السابق ، ورسيا اليوم ، والصين ، وكوريا الشمالية . وقد صُوّر الغرب على انه مجال الحرية " العالم الحر " والديمقراطية ، وصُوّر المعسكر الاشتراكي السوفياتي – خلال الحرب الباردة – ، واليوم روسيا ، والصين ، وكوريا الشمالية .. على انه مجال الاكراه ، والقمع ، والنفي الى سيبيريا La Sibérie ، وتحويل المعارضين الى مصحات الامراض العقلية .. الخ .
في هذا السياق الدولي ، نُصّب ساخاروف و سولجنتسين والقليل من يتذكر هذا التنصب ، انبياء لهذا العصر الجديد ، عصر حقوق الانسان ، مبشرين بسقوط الستار الحديد ، وأنظمة الفولاذ المهترئ في شرق الغرب . وتعود كل الأنظمة اليوم ، بما فيها الأنظمة السياسية القمعية ، والأنظمة البوليسية في العالم الثالث ، وبالدول العربية ، لتمتح من وادي حقوق الانسان ، وترفع من دون حياء شعار ضرورة حماية هذه الحقوق التي تدوسها في واضحة النهار كالنظام السلطاني المغربي ، فتؤسس من دون حياء مرة وزارة لحقوق الانسان ، ومرة لجنة لحقوق الانسان ، ومرة المجلس الرسمي الوطني لحقوق الانسان ، مع نهجها وسيرها على خطى تكثير جماعات ، وجمعيات ، ومنظمات حقوق الانسان لإتلاف رأس الخيط ، وتضبيب المشهد ، من تم تمييع العمل والاشتغال في مجال حقوق الانسان المعطوب ، لضرب المطالبين بالاشتغال الجاد في ميدان حقوق الانسان .. والدولة السلطانية عدوة حقوق الانسان ، تتشدق وهي تلتفّ على هذه الحقوق ، لأنها دولة بوليسية تتقن اعمال البوليس السياسي الذي نجحت فيه لوحده ، دون جميع الاعمال الأخرى من اجتماعية واقتصادية التي سقطت فيها سقوطا مدويا ، لأنها خارج اختصاصها .. وكيف ننسى اعتراف السلطان بفشل نموذجه التنموي الذي هو اعتراف بفشل حكمه ، اعترف به وحده بعظمة لسانه المليان .. فهي ، أي الدولة البوليسية البارعة في الاعتداء الظالم على الناس ، والبارعة في تزوير المحاضر البوليسية لرمي الناس ظلما في السجون التي هي سجون السلطان ، الذي صدرت الاحكام باسمه ، ونفدت باسمه ، والاعوان الذين نفدوها هم اعوانه ، والسجون هي سجونه ، والقضاة قضاته ... ، حين تلتف مثل الاخطبوط القاتل على هذه الحقوق ، فلانها تريد ان تتصدر المشهد بانها دولة كانت السباقة الى انشاء وزارة حقوق الانسان خاصة بها ، ومجلس وطني رسمي لحقوق الانسان ، وانشاء مجالس جهوية واقليمية لحقوق الانسان والذود عنها ، وهي عدوها الرئيسي من دون منازع .. هكذا يختلط مفهوم حقوق الانسان في الدولة السلطانية ، البطريركية ، الرعوية ، الثيوقراطية .. اختلاط الحابل بالنابل .. والتفسير العملي الوحيد لهذا الوضع الشاد ، أنْ لا مكان لحقوق الانسان ، في دولة الرعايا التي يوجد فيها فقط الراعي ، الإمام ، الأمير الكبير ، والباقي كله في مِلك الراعي اب الرعية الضامن لوحدة ، وبأعراف التقاليد المرعية ، حقوق الرعايا السلطانية الخاصة المتعارضة مع حقوق الانسان الكونية ، وكما هي مسطرة في المواثيق والاتفاقيات الدولية ، وابرزها ميثاق الأمم المتحدة .. ففرق بين حقوق الانسان السلطانية ، وحقوق الانسان الأممية ..
فالقوى السياسية الديمقراطية حتى النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي – وللأسف انقرضت هذه القوى كليا من الساحة لأنها انهزمت – كانت قد تبنت هذه الحقوق ، وسخرتها كأداة للنضال من اجل انتزاع بعض الحقوق ، وذلك لان حركية حقوق الانسان في العالم المعاصر ، اصبحت احدى آليات نضال المجتمع المدني ، من اجل انتزاع حقوقه ، وحمايتها ، والدفاع عنها ضد غُلو ، وعسْف ، وقمع الدولة البوليسية . لكن عندما يصبح الخصم المطالب بالحقوق ، هو الوصي عليها ، والراعي لها ، فان العملية برمتها تأخذ صبغة نوع من التمويه ، والتدجيل من دون شك .
هنا نجد انفسنا امام احدى ادق آليات العمل السياسي ، وهي عملية القلب ، حيث يصبح البوليسي الجلاد ، وكل توابعه في الدولة السلطانية – درك ، إدارة السجون ، سلطة ، مْخازنية .. – ضحية ، والذئب خروفا ، والمتهم قاضيا فيه الخصم والحَكَم ، وذلك وفق المثل الشعبي : ضْربْني وبْكى ، وسْبقْني وشْكا ..
فمثلما استثمرت مُثل الحرية ، والعدالة الاجتماعية والاشتراكية وغيرها من القيم السامية ، ها هي اليوم في عهد السلطان محمد السادس ، تتمرغ في وحل الصراعات السياسية الداخلية ( يساريين جذريين / إسلاميين ) ، والخارجية ( النظام المغربي والنظام الجزائري ، والاتحاد الأوربي ، والأمم المتحدة ) ، وتتعرض لاستثمارات مختلفة ، ولعمليات قلب وتمويه ، مما يبرز ان المُثل والقيم السامية ، لا تفلت من التوظيف ، والاستثمار السياسوي المفضوح ، وغيره ، وذلك بالالتفاف الاخطبوطي القاتل عليها بوليسيا ، من اجل تسخيرها أحيانا ضد مدلولها ووظيفتها الاصلية ..
فهل نصدق في ما يخص الالتفاف الداخلي من طرف بوليس السلطان ، وجهازه السلطوي القروسطوي على الشعار – قول الشاعر :
ومنْ يجعل الضرغام للصيد بازه / تصيده الضرغام في من تصيدا .
في دول المماليك والسلاطين ، لا وجود لحقوق الانسان اطلاقا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات