الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية

بدر الدين شنن

2006 / 9 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


للتذكير لاأكثر ، من المفيد الإشارة ، إلى أن انقلاب 8 آذار عام 1963 في سوريا ، قد جاء حاملاً شعارات " الوحدة والحرية والاشتراكية " وإلى أن أركانه زعموا أنهم عازمون على بناء نظام جديد نقيض لعهد " الانفصال " الذي فصم الوحدة بين سوريا ومصر ، ليجددوا بناء الدولة وتوظيفها في خدمة مصالح " العمال والفلاحين وصغار الكسبة " . وبعد سلسلة انقلابات داخل الانقلاب ، حيث تم إبعاد ذوي النوايا الحسنة الملتزمين بهذه الشعارات وغيرهم بالإعدامات وبالسجن المديد وبالنفي المؤبد ، فقدت هذه الشعارات مصداقيتها ، وتحولت أيقونات منبوذة في هيكل النظام ، ومن ثم فقدت الدولة دورها " المجرد " الوسيط في حركة المجتمع وفي توازنات مفاعيله ومصالحه ، وملأت السلطة القائمة ممثلة بمراكز قوى أمنية وعسكرية وحزبية هذا الدور ، ما أدى إلى تماهي الدولة بالسلطة ، وتحولت إلى تابع وخادم لحركة السلطة . وبذلك نشأت في البلاد حالة شاذة في علاقة الدولة بالمجتمع ، التي اعتمدت على حالة الطوارئ والقوانين والآليات الاستثنائية لتأمين ا ستدامتها . وفي سياق هذه السيرورة للنظام في رحلة " الاستحواز على السلطة ، صارت الدولة دولة السلطة .. دولة النظام

وبذلك تمكن أهل النظام من تسخير الدولة ، مباشرة وبشكل غير مباشر ، لتحقيق مصالحهم ومصالح الموالين والأتباع الاقتصادية ، وتمكنوا خلال العقود الماضية ، من إعادة بلورة التمايزات الاجتماعية الطبقية ، ومن برمجة غائية لتوزيع الناتج الإجمالي المحلي ، حيث بات أثرى الأثرياء في سوريا من أهل النظام .. سيما من هم في القمة . الأمر الذي أفضى إلى أ سوأ النتائج على كل المستويات في البلاد وخاصة على المستوى المعاشي لأكثرية المواطنين

لم تعد هناك بعد مرور وقت من حاجة لستائر تغطي خيانة الشعارات ، التي خدع الإنقلابييون بها بسطاء الناس ، ولم تعد هناك حاجة لسرية الذمم المالية ، فالأرقام الفلكلية لثروات أهل النظام باتت معروفة ، بل ومجال مفاخرة ومقياس شطارة ، ولم تعد هناك حاجة أيضاً لإخفاء سياط القمع الاقتصادي خلف الظهور ، بل إنها قد أ شهرت بوجه " العمال والفلاحين وصغار الكسبة " ، وبدأت تنهال على ظهور الكادحين والفقراء ، مع التهديد السافر بزيادة إيقاعلتها وأعدادها وآلامها

ومن ا ستعراض آخر إرتفاعات الأسعار ومقارنتها بالقدرة الشرائية للرواتب والأجور والمداخيل الفعلية ينفضح الأفق المرسوم في مركز القرار الاقتصادي - السياسي لمستقبل الشعب السوري . لن نتحدث عن التفاح والموز والكرز والأجاص والحلويات الفاخرة ، فهذه بالنسبة للقوى الشعبية هي للفرجة وحرقة القلوب فقط ، ولكن سنتحدث عن الأساسيات
آخر المعطيات الراهنة عن الأسعار في سوريا كالتالي
ثمن الكيلو غرام : لحم الخروف ( 550 ) ليرة ، لحم عجل ( 300 ) ليرة ، أسماك ( 350 - 1500 ) ليرة ، زيت زيتون ( 200 ) ليرة ، طبيق بيض 30 بيضة 120 ليرة ، بندورة ( 20 ) ليرة ، خيار ( 20 ) ليرة ، كوسا ( 20 ) ليرة ، فاصوليا خضراء ( 40 ) ليرة ، باذنجان ( 40 ) ليرة ، بصل يابس ( 20 ) ليرة ، أرز 40 ليرة ، سكر ( 20 - 40 ) ليرة ، سمن نباتي ( 275 ) ليرة ، مرطبان مربى نصف كيلو ( 100 ) ليرة ، كيلو مته 120 ) ليرة ، بطيخ ( 6 - 8 ) ليرة ، ليترلبن 35 ليرة ، كيس معكرونة ( 25 ) ليرة ، علبة رب البندورة نصف كيلو ( 65 ) ليرة ، ربطة خبز ( 30 ) ليرة

أما في مجال الطبابة فالأسعار حسب مشفى المجتهد الحكومي بدمشق الذي تطبق عليه الخصخصة كالتالي
تصوير إيكو غراف ( 600 ) ليرة
تخطيط قلب ( 700 ) ليرة
أجرة يوم في العناية المركزة ( 900 ) ليرة
أجرة معاينة ( 100 ) ليرة
ثمن بطاقة دخول ( 65 ) ليرة
والأسعار في مشفى الأسد الحكومي المصاب بعدوى الخصخصة أيضاً وكذلك العيادات والمشافي الخاصة تصل إلى الضعف مرة أو أكثر

وهناك أسعار لعدد من السلع والخدمات لافتة أكثر ، وتدخل بشكل مباشر في نسب زيادة أ سعار المواد الأخرى مثل
ثمن غرفة نوم شعبية ( 100,000 ) ليرة ، ثمن طن واحد من الاسمنت ( 8000 ) ليرة ، ا شتراك هاتف نقال شهرياً ( 450 ) ليرة ، ثمن متر مكعب من الخشب ( 20,000 ) ليرة
إيجار غرفة في حي شعبي ( 1500 ) ليرة ، إيجار منزل صغير في دمشق ( 20,000 ) ليرة

هذا عدا نفقات الولادات ، ونفقات ومستلزمات الطفولة من غذاء ودواء ورعاية

وإذا اعتبرنا ، جدلاً ، أن متوسط الأجور والرواتب مع التعويضات والزيادات الاستثنائية هو ( 8000) ليرة شهرياً ، فإن الإنفاق العام اليومي لأسرة متوسطة من خمسة أشخاص لن يتعدى (265) ليرة ، أي أقل من دولار في اليوم ، وبذا يكون نصيب الفرد في هذه الأسرة (53) ليرة في اليوم فقط . وهذا يستدعي السؤال المؤلم، ماذا تستطيع هذه الأسرة أن تشتري بهذا المبلغ من الغذاء ، وماذا يتبقى لها للإنفاق الصحي وأجور السكن والمواصلات والتعليم والكساء .. ألخ .. ؟

قبل المبادرة بالجواب ، ينبغي معرفة ، كم هو مطلوب ، علمياً ، أن يتناول الشخص الواحد من المواد الغذائية وأهمها اللحوم والألبان ومشتقاتها ومن الخضار والفواكه .. وكم يبلغ ثمن هذه المواد فعلاً حسب أ سعار السوق . . من جهة ، ومعرفة ، حسب المستوى الغذائي والمعاشي المتدني الراهن للشخص ، كم يستدعي ذلك من المال للإنفاق الصحي ، وكم يتطلب من المواطن الذي يقطن ، كما هو معروف بالنسبة للفقراء ، في أطراف المدن أو في البلدات المجاورة ، من نفقات على المواصلات ليصل إلى عمله ، أو يصل أبناؤه إلى المدارس ، وكم عليه أن يدفع ثمن الكساء والتدفئة .. كم .. وكم ؟ وأخيراً كيف ومن أين سيؤمن مليون عاطل عن العمل كل هذه النفقات المتزايدة .. ؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة ، الوطنية قبل الطبقية ، مطلوبة من مهندسي الاقتصاد السوري قبل غيرهم . وهم .. دون إنكار يجيبون .. تارة على طريقة الملكة " ماي أنطوانيت " .. وعلى طريقة نيرن تارة أخرى . منها ما صرح به مؤخراً السيد الدردري نائب رئيس الوزراء الاقتصادي " إن الحكومة اختارت اتخاذ القرار غير الشعبوي " مهمة جداً عبارة غير شعبوي " حتى وإن سبب ذلك آلاماً اجتماعية " .. وقد تزامن هذا التصريح مع تحقيق نشرته " الاقتصادية " السورية منذ يومين تحت عنوان " الحكومة تفكر تحويل القطاع العام إلى شركات مساهمة .. خطوة نحو الخصخصة " وتضمن التحقيق العناوين الفرعية ، التي تدل على مضامينها : البيع بعد الخمسية العاشرة .. معايير التقويم .. مصير العمال .. تجربة مصر
واللافت بهذه العناوين هو " مصير العمال " حيث تقول " الاقتصادية " : الوضع سيختلف لأن المؤسسة ستصبح مساهمة ما يعني وجود مجلس إدارة .. وهؤلاء سيعيدون النظر في أوضاع العمال حيث سيتم الإبقاء على المنتج وإبعاد غير المنتج ، وأيضاً إعادة النظر بالرواتب والمكافآت .. وأيضاً مشكلة أخرى تتعلق بالعمال من ذوي الحاجات الخاصة والإعاقات المختلفة ، إن هؤلاء لامكان لهم في القطاع الخاص "

وما ذكر آنفاً ، يقدم الدليل الذي يؤكد أن خيار الحكومة الاقتصادي سيسبب حقاً آلاماً اجتماعية ، ويؤكد أن هذه الآلام ستنزل على الطبقة العاملة والقوى الشعبية . أما الدليل الآخر فهو اقتباس مثال مصر في الانفتاح والخصخصة ، الذي أفضى إلى كوارث اجتماعية لاحصر لها في مصر الشقيقة ، بدلالة أن أربعة ملايين مصري لم يجدوا لهم مأوى في زمن الخضخضة سوى مشاركة الأموات على المقابر

ويبدو أن الآلام الاجتماعية ، الأمرّ والأدهى ، هي قادمة فعلاً ، لأن الخصخصة لن تقتصر على الانتاج فحسب ، ولكن ستطاول قطاع الصحة والتعليم والبنى التحتية ، أي تصفية ما تبقى من الدولة من جوانب حميدة ، كانت تخفف من وطأة الحياة التعيسة بالنسبة لملايين المواطنين .. المشافي التي بدأت خطوات الخصخصة خير مثال

الأمر الذي يكشف ن أن العقل الاقتصادي للنظام المستنسخ عن أسوأ نظم الاقتصاد في العالم ، هو ليس عقلاً مطابقاً للعقل الأمني القمعي فحسب ، بل إنه أشد وطأة ولؤماً فهو لايبدع إلاّ حيث يخدم رأسمالية النظام على حساب الطبقة العاملة والقوى الشعبية . وهو لايهمه بشئ فيما يتعلق باحترام معايير تقدم الأمم والدول ، التي تبرز معدلات نصيب الفرد من الخدمات في مجالات التعليم والصحة وفرص العمل والسكن والثقافة والضمانات الاجتماعية ، سيما رعاية الطفولة وصون كرامة الشيخوخة . كما تبرز معدلات نصيب الفرد من اللحوم والألبان ومشتقاتها ، والسعي الحثيث لرفع هذه المعدلات باستمرار ، وجعل الدولة أكثر فأكثر في خدمة الشعب . بل إن كل مايهم هذا العقل هو تنمية الثروات المليارية لأهل النظام وشركائه

لاشك أنه من الإحراج بمكان للسيد النائب الاقتصادي الإجابة بشفافية على سؤال .. عن أية معدلات نمو شعبية في سوريا يمكنه التحدث في المجال الخدمي أو التعليمي أو الصحي أو الغذائي ، في ظروف هذا المستوى المتوحش للأسعار وخاصة أسعار المواد الأساسية والمعاشية ، التي لعب هو فيها دوراً أساسياً ، وأيضاً في ظروف المستقبل الذي وعد فيه الشعب بمزيد من الآلام الاجتماعية ..؟ وأيضاً وأيضاً .. أية معدلات نمو في الثروات الهائلة ستتحقق لأهل النظام مقابل الآلام الاجتماعية التي وعد بها بها إنساننا السوري البسيط .. ؟

وعود على بدء ، يؤكد الواقع الموضوعي على أن النظام الذي قام عن عمد بتشويه بنية الدولة ، وقطع مسارات النمو الطبيعي للمجتمع ، وفرض بالاستبداد مصالح أهله فوق مصالح المجتمع هو المسؤول عما أفضى إلى هذه الجريمة الاجتماعية المركبة الجارية بحق الانسانية ، التي تمعن فيها رأسمالية النظام ، وحسب الوعد النيروني ، إنه المسؤول عن القادم الأ شد هولاً على أغلبية الشعب الساحقة
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه ، من ضمانات الاستقرار الداخلي في الماضي ، حيث كان المواطنون يلزمون الصمت على مضض حيال ممارسات النظام المكروهة المختلفة ، كانت توجد وفرة معقولة من المواد التموينية ، ورقابة تموينية نسبية على الأسعار ، وتقديم دعم حكومي لعدد لابأس به من المواد التوينية ، وديمومة الأجر الساتر من العوز في العمل في القطاع العام الانتاجي والخدمي . أما إذا واصلت الأسعار إرتفاعها المتوحش دون تدخل فعال من الدولة ، وأرهقت القوى الشعبية بالغلاء ولأزمات ، ورمتها الدولة على دروب الآلام الاجتماعية والبطالة والتجويع ، فإن أ شرس ممارسات القمع لن تتمكن من توفير الحد الأدنى من الاستقرار . وستحطم تداعيات تلك القارعة المتسارعة جدراناً كثيرة ، وأولها جدار الخوف .. وبعدها لا أحد قادر أن يعطي ضمانات ، أو أن يحدد احتمالات حول اي شئ

والسؤال الملح الآن : كيف يمكن مواجهة الوضع المعاشي الفظيع الذي تكابده الطبقة العاملة وكافة القوى الشعبية ؟ وكيف يمكن ملاقاة وإغلاق الأفق الأسود المهدد بالآلام الاجتماعية الموعودة ؟

السؤال مطروح أمام منظمات حقوق الإنسان وقوى المعارضة والنقابيين الشرفاء .. وبالتحديد بصيغة أخرى .. أية تحركات شعبية .. أية آليات ينبغي إطلاقها .. دون تردد .. في معركة الرغيف والكرامة .. معركة الديمقراطية بامتياز .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا