الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعريفة المياه و التحديات المالية والبيئية لاسترداد تكاليف اسثمار المياه في المغرب

نعمى شريف
دكتورة مهندسة مدنية باحثة وكاتبة

(Noama Shareef)

2022 / 7 / 14
الادارة و الاقتصاد


توفير الماء الصالح للشرب على كامل رقعة البلاد ، مكن المغرب من تطوير الحياة الاقتصادية في المجال الريفي بحيث قام المغرب بتوفير الماء لجميع المواطنين رغم صعوبة ايصال الماء لبعض المناطق الوعرة. و يعتبر الماء ثروة محدودة ومهددة بالتلوث.
الرهان الذي يواجه المؤسسات المسيرة لشبكة الماء الصالح للشرب هو كيفية الحفاظ على المردودية المالية علما ان التعريفة المطبقة لا تتماشى و ارتفاع التكاليف وكذا الاستجابة للطلب المتزايد لتغطية اكبر عدد من السكان. مما لاشك فيه هذا يتطلب توازنا دقيقا. و المشكلة تزداد تعقيدا اذا اخدنا بعين الاعتبار الرسوم الجديدة التي دخلت بعضها حيز التنفيذ (رسوم سحب الماء و رمي المياه المستعملة) ،لمكافحة التبذير وتدهور الموارد المائية، يصبح ذلك تحديا كبيرا.
استرداد تكاليف إمدادات المياه: هدف صعب المنال
على الرغم من وجود أ "حق العطش" والذي يعطي الجميع الحق في استعمال الماء من أي مصدر للمياه، لإرواء عطشه و عطش مواشيه حسب حاجياته . قام المغرب بوضع "مبدأ الدفع" بالنسبة لمستعملي الماء.
- لا يتم احتساب ثمن تعبئة الماء الخام بشكل كلي
تغطي الدولة جزء كبير من النفقات المتعلقة بالسدود التي تزود مشروعات الري الكبرى. وتتراوح هذه التكاليف من 2.54 الى 5.2 درهم / م3 (الاتحاد الأوروبي، 2001(. ومن المعروف أن الزبناء لا يتحملون تكاليف الاستثمار و الاستغلال و الصيانة الخاصة بتعبئة الماء الخام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب لا يفوتر للوكالات و الموزعين الا جزءا من تكلفة انتاج الماء الخام .
- استرداد جزئي للتكاليف من طرف المؤسسات المسيرة
في المغرب، تعد خدمة الماء الصالح للشرب و التطهير السائل مسؤولية الجماعات المحلية . و لكن تقوم الجماعات المحلية بتفويض تسيير هاته الخدمة للجمعيات او للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب او للوكالات او للموزعين الخواص.
جميع الموزعين باستثناء الجمعيات يطبقون نفس المنظومة التعريفية: اتاوة قارة (مبلغ بسيط) و تعريفة حسب كمية الاستهلاك و مصاريف الربط. ومجموع هاته المستخلصات يجب ان تمكن الموزع من تغطية تكاليف شبكة التوزيع.
الواقع يختلف على ما سبق ذكره بحيث لا جمعيات المستعملين و لا الجماعات المحلية تتمكن من دفع تكاليف الاستغلال، و للإشارة فان بعض الوكالات كوجدة و غيرها لا يمكنهم تحمل تجديد بنياتهم التحتية.
اما بالنسبة للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب فبدون تطبيق "مبدا الموازنة " كان سيكون في حالة عجز دائمة.
بالإضافة الى كل ما جاء اعلاه فان الدولة و شركائها لا يدعمون تكاليف الاستغلال.


- تحسين نسبة الحصول على مياه الشرب يتطلب القيام بموازنة
تحقيق الاهداف الاجتماعية المسطرة من طرف الدولة تفرض على المؤسسات المسيرة تغيير السياسة التعريفية لقطاع الماء، مما يخلق لهاته الاخيرة صعوبات مالية. ويتضح ذلك في نظام الموازنة الذي تم اعتماده لكي يستطيع جميع المواطنين الحصول على خدمتي الماء الشروب و التطهير السائل.
يعتمد المكتب و الوكالات و الجماعات نظام موازنة عمودي يعمل على الشكل التالي: وضع شطر اجتماعي بتعريفة اقل من سعر الكلفة تمكن للمواطنين ذوي الدخل المحدود من تلبية حاجياتهم الضرورية، و يتم تغطية العجز الناتج عن هذه التعريفة بتعاريف الاشطر الموالية.
وحده المكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب يعتمد موازنة افقية . عند إنشائه في عام 1972، طبق المكتب تعريفة وحيدة تطبق في جميع المراكز من اجل الموازنة بين ارباح المراكز الاكثر مردودية مع العجز المسجل في المراكز الاقل مردودية, لكن هذه التعريفة كانت اقل من كلفة المتر المكعب. سنة 1990 تم اعتماد المستوى الثاني من الموازنة, و هو عبارة عن ضريبتين على بيع المياه الخامة طبقهما المكتب على الوكالات.
لكن هاته الموازنات اظهرت محدوديتها ، اذ ان اغلب الاسر تتموقع في الشطرين الاول و الثاني ، و مداخيل الاشطر العليا اقل من المتوقع، و بالكاد تسمح لشركات تسيير قطاع الماء بتغطية تكاليفها و لا تسمح بالوصول للأهداف المسطرة من طرف الدولة: الوصول لمعدل 59% من الاسر المزودة بالماء الشروب سنة10 20. و على سبيل المثال، لكي يستطيع المكتب تحقيق هذا الهدف، يجب على الدولة رفع تعريفاتها و اعطاء منحة سنوية للمكتب، وانشاء ضريبة جديدة على التطهير
- الموازنة و المنح لا تستفيد منها دائما الفئات المستهدفة
بعض العوامل جعلت الفعالية الاجتماعية لنظام الموازنة محدودة و ضعيفة : بحيث العديد من الدراسات اظهرت ان اكبر المستفيدين من الشطر الاجتماعي هم مستهلكو الاشطر الموالية، لأنه يطبق على جميع الزبناء.
و للإشارة فان الاستهلاكات المنخفضة لا ترجع بالأساس الى ذوي الدخل المحدود. اضافة الى ذلك، العديد من الاسر مرتبطة بعداد مشترك . كل هاته العوامل دفعت المكتب بالقيام بحملة حذف العدادات المشتركة التي استفاد منها ما يقارب 60000 زبون.
و بالأخذ بعين الاعتبار التعريفة المعتمدة ، تبقى المنح الموجهة لقطاع الماء غير كافية لخلق توازن بين استغلال الشبكات و تعميم خدمة الماء الشروب و التطهير السائل .كل هاته الصعوبات المالية تزداد سوء بندرة و تدهور الموارد المائية .
- الاخذ بعين الاعتبار التحديات البيئية
الموارد المائية في المغرب بالكاد تفوق عتبة الندرة المحددة من طرف الامم المتحدة في 1000 م3 للفرد/ السنة. في سنة 2025، ستكون هاته الموارد تحت هذه العتبة بكثير، اذ لن تتعدى 750 م3 للفرد/السنة. وهذا يعني انه يجب القيام باقتصاد الماء، خاصة و ان 90% من الموارد تستعمل اليوم.
- قانون الماء و مبدأ "ساحب، ملوث"
لمواجهة هذه التحديات قامت الدولة باعتماد قانون الماء الذي يعمل وفق مبدأ " ساحب دافع". و في هذا الاطار تم فرض رسوم السحب التي تهدف لإعطاء الماء ثمنا لتوجيه استعماله والتوعية بندرته، هاته الرسوم وضعت ايضا بهدف استرداد تكاليف الاستغلال و تجديد السدود.
- قانون الماء رقم 95-10
ينظم القانون رقم 95-10، الذي جاء في الظهير الشريف رقم 1.95.154 الصادر في 18 من ربيع الأول 1416 (16 أغسطس 1995)، استعمال الماء وفي ما يلي أسباب صدور القانون:
«يعتبر الماء موردا طبيعيا أساسيا للحياة ومادة ضرورية يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للإنسان، كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان، وهو أخيرا شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية. إن ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تفرض اللجوء إلى تهيئة الماء لتلبية حاجيات السكان التي تعرف تزايدا مستمرا. وغالبا ما تكون هذه الحاجيات متنافسة، بل وحتى متناقضة، الأمر الذي يجعل عملية تدبير الماء جد معقدة وتنفيذها صعبا. ولمواجهة هذه الوضعية، كان من الضروري التوفر على أدوات قانونية ناجعة قصد تنظيم توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها وكذا ضمان حمايتها والحفاظ عليها... »
تم سنة 1995، إصدار القانون رقم 10-95 المتعلق بالماء، الذي شكل خطوة تاريخية في السياسة المائية في المغرب. وتهم الإصلاحات المتاحة بفضل هذا القانون على الخصوص، التدبير المندمج للموارد المائية على صعيد الحوض المائي وعلى المستوى الوطني، والحفاظ على الملك العام المائي، مع إشراك السلطات العمومية والمستعملين في صنع القرار المتعلق بالماء.
ولضمان تزويد مستديم للبلاد بالماء على المدى الطويل، وضع المغرب استراتيجية متعددة الجوانب تقوم على زيادة العرض والتحكم في الطلب، مع إعطاء الأولوية للفعالية في توزيع الموارد المائية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى الحفاظ بالأساس، على مواصلة جهود تعبئة المياه، وتدارك النقص الحاصل في مجال تثمينها، من خلال تنفيذ سياسة وطنية تركز على إنجاز برامج ضخمة في الاقتصاد في الماء، ومكافحة التلوث، واستخدام المياه العادمة بعد معالجتها، وتحلية مياه البحر والمياه الأجاجة.
- كيف نواجه هذه التحديات؟
 تفعيل قانون الماء
يعد تفعيل قانون الماء اجراء اولويا، خاصة نشر المرسوم الاخير الذي يحدد مستوى الرسوم التي يجب دفعها لوكالات الاحواض بالنسبة للماء الشروب، و المراسيم التي تحدد معايير التصريف السائل و رسوم الطرح، والمبالغ التي يتم جمعها، والتي سوف تضاف إلى الرسوم المدفوعة من قبل المكتب الوطني للكهرباء ، ستمكن وكالات الاحواض من أن تكون مستقلة ماليا وتمكنها من دعم ازالة التلوث و اقتصاد المياه.

 زيادة التعاريف بطريقة تدريجية و فعالة
الزيادة في التعاريف ممكنة، لأنه عكس الفكرة الشائعة, المستهلكون لهم القدرة على الدفع. فمنظمة الصحة العالمية تقدر ان ميزانية الماء بالنسبة للأسر تتراوح بين 1,5% و %3,5. في المغرب لا يكلف الماء الا %1 الى %1,4 من ميزانية الاسر..
لكن هذه الزيادة يجب ان تكون تدريجية، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار ان تكلفة الماء في ميزانية الاسر المغربية قد ارتفع بشكل كبير في السنوات الاخيرة
خفض تكلفة الاستثمار و الاستغلال
يبقى وقع زيادة التعريفة على المردودية المالية محدودا. ولهذا فبالموازاة مع الزيادة التعريفية، من الضروري خفض تكاليف الاستثمار و الاستغلال : على مستوى الاستثمار، بتبني المعايير التقنية و عروض الخدمات في المجال القروي و الضواحي، وعلى مستوى الاستغلال، باعتماد طرق تسيير اكثر ملائمة.
 استعمال التعريفة طبقا للإصلاحات
ليس من السهل الجمع بين تحقيق استدامة البنية التحتية للماء و التطهير السائل ، و بين تحسين مستوى الولوج الى هذه الخدمات. اذ ان هناك تضاربا بين التحديات المالية للمؤسسات المسيرة للقطاع و التحديات الاجتماعية للمرفق العام. و بالإضافة الى هذا، يواجه المغرب تدهورات مقلقة في الموارد المائية تحتم عليه رفع التحدي البيئي بإزالة التلوث و اقتصاد الماء.
تشكل تعريفة الماء وسيلة يمكن من خلالها الاجابة على هاته التحديات. اذ تستطيع التعريفة لعب هذا الدور المهم اذا تم احترام الاصلاحات المؤسساتية الجارية، موازاة مع استعمال جميع العوامل الداخلة في تحديد التعريفة، و هي : المستوى، الهيكل، مجال التطبيق و الهدف.
و رغم حيوية الدور الذي تؤديه التعريفة، لا يمكن استخدامها وحدها لتسيير الطلب، و ذلك بسبب تنوع و تعقيد التحديات المرتبطة بالماء. اذ يجب ان يتم اسنادها بإصلاحات على مستوى الاطار القانوني و المؤسساتي، و مرفقة بجهود على مستوى المعلومات و التحليل الاقتصادي و المفاوضات بين مختلف المستعملين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 30 جنيها وعيار 21 يسجل 3050 جنيها لل


.. الليبيون في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني للأسعار




.. الأزمة الاقتصادية في مصر.. لماذا لم تنجح السياسات بإيجاد حلو


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 01 مايو 2024




.. صندوق النقد يتوقع ارتفاع الاحتياطى الأجنبى لمصر فى 2029