الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا نملك سوى أرضٍ واحدة.. ونوع بشري واحد

بسام ابوطوق
كانب

(Bassam Abutouk)

2022 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


عندما سئل الكاتب البريطاني الساخر برناردشو عن وضع الاقتصاد العالمي أشار الى صلعته الكبيرة ولحيته الكثيفة
وأجاب: غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع، وبرناردشو بالمناسبة هو من مؤسسي الجمعية الفابية الإنكليزية التي
جمعت كبار مثقفي ومبدعي العصر الفيكتوري الذهبي للإمبراطورية البريطانية وبشرت بالعصر العالمي الجديد
وسلام وسعادة للبشرية خالية من الحروب واقتصاد إنساني خالٍ من الأزمات والبطالة.
في ثنايا هذه السخرية السوداءتتبدى الحقيقة الساطعة، فهذا العالم له موارد محدودة ويحتاج إلى أرقى نظام بقيادة
أممية للحفاظ على هذه الموارد وتطويرها وتوزيعها بعدالة. والذي يحصل هو العكس، هدر لهذه الموارد وتدميرها
وإساءة توزيعها ثم تأتي هذه الحروب العبثية والتعامل الصبياني مع الموارد والطبيعة والأنشطة البشرية، فتزيد
الطين بلة وتسّرِع في فناء المجتمعات البشرية والكوكب الأرضي عامةً.

حدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أزمات الكوكب بثلاث: تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي واستمرار تعرض
الأرض للخطر من جِرّاء التلوث والنفايات، ولهذا رفع مؤتمر ستوكهولم للبيئة البشرية عام 1972شعار «لا نملك
سوى أرض واحدة» ومازال الشعار مطلوباً ومستمراً.

ورغم كل الاجتماعات والمؤتمرات الدولية حول البيئة والمناخ، لتحقيق الحفاظ على الأرض والنوع البشري والتنوع
البيولوجي المحصن لاستمرار الحياة على هذا الكوكب، وإطلاق الالتزامات والوعود العالمية، نجد أن المشاركون
على أعلى مستوى يسيرون في مسار، والقادة العالميون القابضون على السلطة يسيرون في مسار آخر.

فالخبراء التقنيون ينحنون أمام ضرورات الاقتصاد السياسي، بينما يلعب زعماء وقادة العالم على أوتار الجيوسياسة
والحقوق القومية والعصبيات التاريخية وغيرها من ألحان بدأت تتضح كمعزوفة جنائزية ترافق مسار البشرية المعذبة
الى مثواها الأخير.

حروب الأمم والقوميات والمذهبيات وصراع الحضارات والأنظمة تدفع إلى التخلي عن سياسات بيئية تسعى جاهدة
لدفع حدود الانهيار التي أصبحت على تماس مع كل مشروع انساني، فيما عقرب المصير البشري يتجه بثبات نحو
ساعة الصفر.

ولمزيد من التوضيح نختار أقرب الأمثلة المعاصرة كنموذج لهدر الموارد واللعب بمقدرات الأرض والبشر وإساءة
توزيع الموارد،وهو الحرب الروسية الأوكرانية. غاية هذا المقال ليس الجدل السياسي والمبدأي حول من بدأ الحرب
ولماذا، والذرائع الظاهرة من أمن قومي وإقليمي ومجال حيوي وحقوق أقليات، والذرائع الباطنة من مصالح اقتصادية
وحقوق تاريخية وتطور لقوى الإنتاج يحتم توسع في الأسواق.. إلخ. ولكن غايته الإضاءة على ما تؤدي إليه هذه الحرب
من تدمير للبيئة والموارد البشرية والطبيعيةواللعب الصبياني واللامسؤول بعلاقات النقل والتجارة العالمية وعلى
رأسها سلسلة توريد الغذاء العالمي، وأقصد بالصبياني أن المجتمعات البشرية وقادتها وحكماؤها وعلماؤها وتقنيوها
يعملون لعقود واستناد لقوانين الطبيعة وتراكمات التاريخ وحقائق الجغرافيا لترتيب أفضل توريد وتوزيع للموارد البشرية
بأفضل السبل والإمكانيات المتاحة علماً وتقنيةً وبشراً، والتعامل الأفضل مع الحدود والجغرافيا والمجتمعات، وعلى
هذا تتأسس موانئ ومحطات وغيرها من المنتجات البشرية الراقية، ثم يأتي صبية عابثون فيهدّون ما انبنى خلال عقود
في أيام معدودات.

لم يعد الخطر النووي وتعدد الأزرار النووية بين أيدي عدد من القادة المنفردين واللذين بدأ يصعب التعامل معهم والسيطرة
الأممية على ردود فعلهم، لم يعد هو الخطر الوحيد المرعب الذي يؤدي الانفلات فيه الى ساعة الصفر، بل تقدمت أخطار أخرى
الى الساحة العالمية، ومنها التقطع في سلاسل توريد الغذاء العالمي الذي نشهده هذه الأيام والتعامل العبثي معها. فهاهي
صوامع الغلال الأوكرانية ممتلئة وقد نفذت قدرتها على التخزين، ووفقاً لمنظمة(فاو) فإن أكثرمن 20 مليون طن من الحبوب
كانت مخصصة بالفعل للسوق العالمية لا تزال عالقة في أوكرانيا التي كانت ترسل في وقت السلم أكثر من 50% من
صادراتها عبر أوديسا أكبر ميناء لها على البحر الأسود، لكن منذ نشوب الحرب توقفت رافعات التحميل في الميناء ومنع
الحصار المفروض من قبل الأسطول الروسي أي واردات أو صادرات، وتم رصد انتشار عدد غير معلوم بالضبط من الألغام
البحرية على الساحل الأوكراني.

هناك حاجة عالمية ماسة إلى الحبوب وتتعرض العديد من بلدان أفريقيا والشرق الأوسط إلى المجاعة وربما سيشنق قضاة
المجتمعات البشرية أنفسهم إذا استمعوا إلى حجج صبيان السياسة والقيادة!. يطالب الروسي ان يفك الأوكراني ألغامه
البحرية التي نشرها للدفاع عن موانئه، ويطالب الأوكراني ان يرفع الحصار الروسي عن حدوده البحرية أولاً. وهذا العالم المنذَر
بالمجاعات لا يشكو من نقص في الإنتاج، بل إيصال ما يتوفر من هذا الإنتاج الى من يحتاجه كما عبر عن ذلك برناردشو
بعبقريته الساخرة.

ونتابع جهود السياسيين المبذولة لحل هذه القضية الشائكة وكان الأجدى أن تبذل هذه الجهود لإيقاف هذا اللعب باحتياجات
شعوب ليس لها ناقة ولاجمل في حرب البسوس هذه، وكان المطلوب من السياسيين أن يجدوا حلولاً لتبريد النزاع الروسي
الأوكراني فهنا تظهر مواصفات القادة الحقيقيين.

لشعوب العالم حقها في تأمين الغذاء العالمي والطاقة والغاز وحماية البيئة وتحتاج إلى منظمات دولية ومجالس حكماء
ومندوبي شعوب فعليين لإدارة هذه الموارد وتوزيعها، بينما القادة الحاليين ومستشاريهم ووزرائهم وجنرالاتهم مطالبون
باستعمال قدراتهم وإمكانياتهم لدعم ومساندة هذه الحقوق وليس للتلاعب بها.

هذه الجهود والموارد يجب ان تستثمر وتوجه لغاية إنقاذ هذا الكوكب ومن يعيش عليه، فربما لا يحمل لنا الكون الذي نعرفه فرصة حياة جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين في البحر الأحمر والمحيط الهن


.. لجنة مكافحة الإرهاب الروسية: انتهاء العملية التي شنت في جمهو




.. مشاهد توثق تبادل إطلاق النار بين الشرطة الروسية ومسلحين بكني


.. مراسل الجزيرة: طائرات الاحتلال تحلق على مسافة قريبة من سواحل




.. الحكومة اللبنانية تنظم جولة لوسائل الإعلام في مطار بيروت