الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبضّع - البزْنسْ - المِرْكنتيلية حتى في السياسة .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


التبضّع – البزْنسْ - المِرْكنْتلية حتى في السياسة
يقول الشاعر العربي اللبناني ميخائيل نعيمة ، وهو هنا يشير ويقصد ازمة القراءة ، وأزمة القراء في العالم العربي والإسلامي : " لكي يستطع الكاتب ان يكتب ، والناشر ان ينشر ، فلا بد من أمة تقرأ ، ولكي تكون لنا أمة تقرأ ، لا بد من حكام يقرأون " ..
وحيث ان الحكام جهلة لا يقرأون الاّ من رحم ربي من قليل القليل ، فأكيد ان أمتنا لا تقرأ ، غائصة في دروب الجهل المصنوع والمقصود . وعند غياب أمة اقرأ التي نزلت اول آية في قرآنها بعنوان " اقرأ " ، ونزلت بصيغة الامر والجبر تحُثُّ على القراءة ، لأنها لا تقرأ ، فأكيد ان الكاتب في أمة اقرأ لا و لن يكتب ، والناشر لا ولن ينشر .. وتلكم الطامة الكبرى التي ترضي فقط النفوس الميتة المهانة للحكام الجهلة الذين لا يقرأون ، ولا يريدون للامة ان تقرأ حتى يسودوا ويحكموا ، ويستمروا في الافتراس الحيواني لثروات الشعوب ، وحتى يستمروا في الاستئثار لوحدهم بالجاه ، والنفوذ ، والحكم ، والحظوة .. كي يستمروا سادة القوم .. والاخرون يستمروا رعايا عبيدا ، مجبرين على الطاعة والولاء ، ما استمروا يتناسلون من جد ، الى اب ، الى ابن وهكذا ما استمروا يتناسلون وكالأرانب يتكاثرون ..
فعلى ضوء ما تقدم ، كقراء متيمين بعلم الاجتماع السياسي وبعلم السياسة ، والعلوم السياسية ، قررنا ان نقرأ قراءة تحليلية لواقع الديمقراطية ، ولواقع العملية السياسوية كما يجري بها العمل عند بعض الأنظمة السياسية ، التي نجحت في افراغ السياسة من مضامينها الأساسية ، وإلباسها لبوس العتمة ، والتضليل ، والالتفاف كي تسود عملية القلب التمييعية للديمقراطية ، وللعملية السياسية السياسوية ، لتحنيطها بالمقالب التي لا علاقة لها بالسياسة الناشدة للديمقراطية الحقيقية .. فما المقصود بمجتمع ال Busines السياسي الذي أصبحت فيه السياسة عبارة عن سلعة يحكمها قانون السوق ، وتجردت من القيم والفضائل التي ميزت العمل السياسي وشوهته ، الى درجة تم فيها فقدان الثقة والامل في كل شيء ..
ان المجتمع في منظور البنيويين ، هو مجموعة بنيات : بنية اقتصادية ، وبنية سياسية ، وبنية إيديولوجية ، وبنية اجتماعية . وهو في نظر آخرين كالسوسيولوجي Pierre Bourdieu مثلا ، مجموعة مجالات او حقول ، لكل مجال قوانينه ، ومعاييره ، وفاعلوه الاساسيون ، والثانويون ، ورهانه الأساسي . أيْ القيمة او البضاعة التي يدور حولها الصراع بين مختلف الفاعلين في المجال ، بهدف تملكها ، واستثمارها ، وتوظيف نتائج حيازتها في اكتساب المزيد من الثروة ، والسلطة ، والجاه ، والنفوذ ، والحظوة ..
لكن ومن خلال الاجتهاد والغوص في التحليل ، للوصول الى تعرية الحقيقة المغلفة والملتف عليها ، لتجهيل الرعايا الجاهلة أصلا .. ألا يمكن النظر الى المجتمع المفتون من خلال استعارة تجارية مِرْكنْتيلية ، ترى فيه مجرد سوق كبير ، يتشكل من مجموعة من الأسواق الفرعية ؟ .
فبالإضافة الى السوق الاقتصادية ، هناك سوق إيديولوجية ، وسوق اجتماعية ( ألم يتحدث الانثروبولوجيون عن تبادل النساء كشكل من اشكال التبادل الاجتماعي ) ، ولِمَ لا سوق مركنتيلية سياسية ؟ وهي حقيقة ما يجري على الأرض ..
ان البضاعة والسلع الأساسية في الأنظمة الديمقراطية ، او شَبَهُ ديمقراطية ، هي الخيرات المتمثلة في تدبير شؤون الجماعة ، وحيازة قسط من السلطة الوطنية او المحلية ، يُمكّن من الوصول الى ذلك . فما يروجه ويوزعه الفاعلون ( السياسيون ) ، هو مجرد حُزم ( الخطب ) الأكاذيب ، والوعود المعسولة ، والآمال المفقودة ، والخدمات الإدارية العادية ، والتوسطات التي يبيعها مختلف الفاعلين ( السياسيين ) هيئات وافراد ، لعموم الجمهور ، ولعموم الرعايا الجاهلة .
وهنا يمكن التمييز بين السلع الرمزية ( الأفكار ، المبادئ ، الأيديولوجيات .... ) ، والسلعة العينية ( خدمات ، توسطات ، حماية ... الخ ) . وكثيرا ما تتخذ ( الهيئات السياسية ) من أحزاب ، ونقابات ، وجمعيات ، صورة شركات سياسية ، تنتج ، وتوزع ، وتروج سلعة أيديولوجية من نوع معين : سلعة ذات لون ليبرالي ، سلعة ذات لون إسلامي واسلاموي ، سلعة ذات لون ( اشتراكي ) ، وسلعة ذات نغمة عرقية اثنية .... الخ .
وغالبا ما يتم تكييف هذه السلع وفق مقتضيات أَتْبزْنيسْ Bisness حتى في الاعراض بين وضعية المشتري او المستهلك . فالسلعة السياسية الموجهة الى الفئات الدنيا الرعايا في السلم الاجتماعي ، هي سلعة الاحتجاج امام باب البرلمان ، فقط امام باب البرلمان ، بينما السلعة السياسية القابلة للرواج لدا الفئات الوسطى والعليا ، هي سلعة الشكر ، والحمد ، والامتنان ، والتبرير .. هذا في ما يخص استقطاب واستجلاب الجمهور والرعايا في الحالات العادية .
أمّا في ما يخص المصيبة المسماة ديمقراطية ، هنا يمكن ان نقول مع الباحث الفرنسي Daniel Gâchis في كتابه " الديمقراطية التمثيلية " La démocratie parlementaire ، وهو مؤلف جدير بالقراءة ، بان قانون السوق السياسية ، هو القانون الذي تخضع له العملية الديمقراطية . فهذه في نظره منافسة ( مناقصة او مزايدة ) عامة ، بهدف الاستيلاء على مواقع سلطوية Autoritaire في الدولة ، حيث يتزاحم الرجال والنساء معا على الوصول الى مؤسسات مركزية تشريعية ، او تنفيذية مركزية ( برلمان ، وزارة ) ، او جهوية ( مجالس بلدية حضرية ، او قروية ) . والوصول الى هذه الغايات القصوى ، يتطلب أولاً العمل على الاستيلاء على السوق السياسية والتحكم فيها ، وذلك بكسب اكبر قدر من أصوات الناخبين الرعايا الجهلة الذين هم بمثابة زبائن ، او مستهلكين سياسويين رخيصين ..
ان ما يزكي هذه الصورة المِرْكنْتيلية الذميمة للعملية ( الديمقراطية ) ، الأهمية الخاصة لاستعمال المال المفرط لشراء الذمم ، والاستعمال الكاذب المغشوش للإعلام في العملية الانتخابوية المفلسة أصلا . فرواج المال الحرام في هذه العملية معناه ان البائع في أمس الحاجة الى هذه السلعة ( صوت الرعية الناخب ) ، مِمّا يدفع هذا الأخير الى المطالبة بالأداء العيني ( حبْ ) المباشر ، والمُقدّم بدل الأداء ، او التسديد بالتقسيط عبر تقديم خدمات خاصة للزبون بائع صوته طيلة المدة الانتخابية للمرشح المِكيافيلي Nicolas Machiavel .
هكذا يطال قانون Business السياسوي للسلع ، كلاً من الشاري ( المرشح المحتال ) ، والبائع ( الناخب الرعية البليد ) ، حيث لا يكتفي المرشح المحتال بان يبيع سلعته ( الأيديولوجية ) أكاذيبه ووعوده المعسولة ، و( السياسية ) والخدماتية لزبونه السياسي الرعية ، بل يجد نفسه مضطرا لأن يقبل ان يقلب له المشتري ظهر المجن ، فيتحول بدوره الى بائع لصوته بتسديد فوري .. وككل تاجر محتال شاطر ، فان المرشح يميز بين القيمة التبادلية الآنية ، والقيمة الاستعمالية الطويلة المدى لصوت الناخبين الرعايا .. فإذا دفع الآن درهما واحدا ، فسيجني منه خلال مدة صلاحية السلعة ( فترة الولاية الانتخابية ) أضعافا مضاعفة .. فالتمثيلية السياسية في هذا الاطار ، عبارة عن استثمار تجاري مضمون ، وذي مردود مُجْزٍ .
وقد فهمت الدولة السلطانية كغيرها من دول العالم الثالث ، التي تمارس تجارة السلعة السياسية هذه اللعبة ، فرفعت أجور النواب والمستشارين ، وامتيازات الهيئات التمثيلية ، تمييعا للعملية ( الديمقراطية ) ، وتحويلها الى مجرد Busines تجاري صرف لترويج السلعة السياسية البائرة من اصل لعبتها ..
أمّا عن الاعلام ، فقد اصبح هذا الأخير بمثابة عنصر ملازم للعملية السياسوية عامة ، و( الديمقراطية ) خاصة . فاكتساب الرعايا والانصار لا يتم الاّ اذا كانت الخطة الإعلامية الجهنمية ناجحة وناجعة . فدورها هو تلميع السلعة ، وتلميع صورة حامليها لضمان ممارسة الاغراء ، والجاذبية اللازمين لرواج أية سلعة كيف ما كانت . بل ان المنطق الذي يسود الاعلام السياسوي خلال الانتخابات ، هو المنطق نفسه الذي يتحكم في اشهار السلعة : الصابون كذا ينظف احسن . فكل هيئة تدعي انها طاهرة وناصعة ، وقادرة على تحقيق الآمال والوعود اكثر من غيرها .. في حين انها أوسخ وأرذل من غيرها ، في مجتمعات نوعا ما تحافظ على جزء معين نسبي في الممارسة الديمقراطية .
--- فهل هذا التماثل الكبير بين المجال السياسي ، والسوق السياسية ، من حيث الشكل والآليات . بل من حيث خضوع المجال السياسي لقوانين ال Busines السياسي ، هو مجرد تماثل شكلي ، وسطحي ، وعارض ، أم هو تماثل عميق ؟
--- هل يعود ذلك الى طبيعة الرأسمالية المحيطية المشوهة Faux capitalisme كنظام ساقط في تربة ليست تربته ، يبضّع ويضفي صبغة سلعية على كل شيء ، بما في ذلك مجال التسيير والتدبير ( السياسة ) ومجال القيم والمعايير ؟
كان المفكر السوسيولوجي الألماني الكبير Max Weber جريئا في تعميم آلية التحليل الاقتصادي ، على كافة الظواهر الاجتماعية ، وهي الفكرة الملهمة التي نجد صداها قويا عند السوسيولوجي الفرنسي المعاصر Pierre Bourdieu ، وهذا ما يضفي مشروعية نظرية على مثل هذه الرؤية .
فالمجتمع في هذا المنظور عبارة عن سوق سلع يضم مجموعة أسواق :
-- السوق التجارية ومدارها تداول الخيرات المادية وتبادلها بين الناس .
-- والسوق الروحية ومدارها تداول الخيرات الاخروية ، او خيرات الخلاص بين بني البشر .
-- والسوق الأيديولوجية وتروج وتتداول فيها خيرات المعنى ، والتأويل ، والرمز ، والامل ، والترياق .
-- والسوق السياسية رهاناتها او سلعتها هي مسألة ممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية والمالية ... الخ ، بمعنييْها المركزي والموسع ، المادي والرمزي .. ولكل سوق قوانينها واعرافها الخاصة ، وبيروقراطيتها ، وتراتباتها ، ومُثلها وصرعاتها .
وهكذا يجد الحديث عن سوق سياسية بعض أسس المشروعية النظرية في هذا الطرح . بل يجد فيه أساس تميزه ، وذلك من حيث ان السوق التي تعرض فيها السلع السياسية ، هي السوق الموجهة لكل الأسواق الأخرى ، لأنها بتعبير Hegel تعكس الإرادة العامة الجماعية ، إمّا في صورتها الكلية الناتجة عن الاجماع ، او في صورتها الاختزالية الناتجة عن الصراع ...
فعندما تفقد السياسة ، من انتخابات تتحول الى انتخابوية ، ومن ديمقراطية تتحول الى مجرد برلمانية ، وتصبح السياسة في مجملها عبارة عن Business في سلع رخيصة ... أقول عندما تفقد السياسة قيمها ، واعتباراتها ، ومُثلها ، يصبح قرار مقاطعتها واجب وطني ، وفرض عين . فمنذ الستينات كم ( انتخابات ) عرفتها الدولة السلطانية ؟ بلا عدد .. وكل انتخابات تمر وتفرز بناء كرتونيا ، تخلف وراءها مآسي يؤديها الرعايا المغلوب على امرهم ...
قبل الانتخابات الأخيرة ، الجميع قدم وعودا واقسم امام الله بتنفيذها . لكن ما انتهت المسرحية الانتخابوية ، حتى اصطدمت الرعية الغلبانة بارتفاع مهول وغير مقبول في الأسعار . ولأول مرة يشارف ثمن الليتر واحد من المحروقات عشرين درهما .. امام ذهول الجميع ، رغم ان سعر البرميل يتراوح دوليا بين تسعين ومائة دولار ...
الانتخابات الانتخابوية ، وغياب البرلمان وتعويضه بالبرلمانية هو ضحك على الدقون وليست بحل ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت