الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بايدن في المنطقة : -ارحموا عزيز قوم ذل- ؟!..

نظمي يوسف سلسع
(Nazmi Yousef Salsaa)

2022 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مدريد، احتلها حلف الاطلسي، ففي نهاية الشهر الماضي حزيران/يونيو، توافد قادة دول الحلف ال 30 وضيوفهم تحت حراسات امنية مشددة بحيث اضحت العاصمة الاسبانية تحت قبضة عسكر الناتو ولكن باشراف اسباني.. اغلقت الشوارع الرئيسية وانتشر عليها رجال الامن، فيما وضعت وسائل النقل العام، من حافلات وقطارات الانفاق بالمجان، وبدت اسبانيا الرسمية كأنها أم العروس في هذا المهرجان والعرس الاطلسي - باعتبار ان اسبانيا تحتفل بمرور 40 عاما على دخولها الحلف- في حين كانت ألوف الجماهير الاسبانية تجوب الشوارع تندد بالاطلسي وبتمويل وتسليح "الحرب في اوكرانيا"..
حقيقة، بدت قمة مدريد الاطلسية كمهرجان وعرس احتفالي وزفة اوروبية لـ"تلميع" الحلف والعريس جو بايدن كي يستمر نفوذ الادارة الامريكية على الحلف الاطلسي الغربي وتماسك اعضاءه، فكما هو معروف رسّخ الانسحاب الأمريكي المرتبك من أفغانستان قبل نحو عام، صورة نمطية واقعية سلبية للحلف والحليف الأمريكي وبأنه حليف ضعيف لا يثق به في أوقات الأزمات، ولا يمكن التعويل عليه للحماية، ما عمّق هوة أزمة الثقة بالأمريكي كقائد وضامن للأمن، وهذه الصورة لم تكن لاعضاء الحلف فقط بل كانت واضحة للجميع، من حلفاء واصدقاء ومن غير الحلفاء والاصدقاء...
ولمحاولة تلميع الصورة تم الاستعانة بشركات العلاقات العامة التي تولت امور التحضير لهذا المهرجان وحشدت نحو الف صحفي واعلامي للتغطية والمتابعة، وبالفعل تواردت التقارير المصورة حول مظاهر المهرجان من مواكب السيارات الفخمة لجو بايدن وحفلات الاستقبال لقادة القمة، ولوحظ تركيز الصحافة ووسائل الاعلام قد انصب على السيدات المرافقات لزعماء القمة مع تناول التفاصيل الدقيقة للزيارة والجولات السياحية حتى وصل الامر الى الاحذية الخفيفة التي تم اختيارها لممارسة التسوق والتجوال في شوارع ومناطق الجذب السياحي في العاصمة الاسبانية !..
ولاضفاء اهميته الاعلامية، كانت ملكة اسبانيا قد استضافت اثنا عشر مرافقا لقادة القمة – ومن المعروف في الدعوات الرسمية باسبانيا، لا يستخدم توصيف فلان وزوجته بل فلان ومرافقه، ان كان المدعو والمرافق ذكر ام انثى- وجميع من دعتهم الملكة ليتيسيا كانوا من النساء باستثناء اثنين هما السيد يوراج ريزمان زوج رئيسة سلوفاكيا السيدة سوزانا كابوتوفا، والثاني السيد غوتييه ديستيناي زوج رئيس وزراء لوكسمبورغ السيد كزافييه بيتل – والاخير هو أول رئيس نشط لحكومة الاتحاد الأوروبي يعلن انه مثلي الجنس وقد تزوج غوتييه ديستيناي في عام 2015 - ..
هذا ليس بمستغرب في اسبانيا، بل اصبح من يعلن عن نفسه مثلي الجنس، يعتبر شجاعة يستحق عليها التقدير والاحترام، وعليه فقد جرت كافة مراسم الاستقبال الرسمية وغير الرسمية على قدم ومساوة، لكافة المشاركين ومرافقيهم في قمة مدريد، فالعاصمة الاسبانية تحديدا قد تم "تتويجها" ومنذ سنوات كـ(عاصمة فخر المثليين).. فبعد انتهاء اعمال القمة ورحيل عسكر الناتو عن شوارع مدريد، انتشرت وارتفعت عليها اعلام قوس القزح ترحيبا بمئات الالوف من المثليين من مختلف مناطق العالم للمشاركة في افخم واكبر التظاهرات والمسيرات للمثيلين جنسيا.. والمفارقة، انه في الوقت نفسه ومع احتفالات المثليين بمدريد، شهدت مدينة بامبلونة الباسكية بالشمال الاسباني احتفالات سان فيرمين الشهيرة لمصارعة الثيران حيث يواكب الجمهور الركض مع الثيران حتى دخولها ساحة ميدان المصارعة..
هكذا كان تنوع ظاهرة وتظاهر المشهد العام لمهرجان الاطلسي، وما جرى داخل الغرف المغلقة فقد تم الكشف عنه مع ختام قمة مدريد، حيث صدرت وثيقة حددت أولويات الحلف كمفهوم استراتيجي جديد والذي سيوجه عمل الحلف الأطلسي على مدى السنوات ال 10 المقبلة، جاء في الوثيقة: (ان روسيا هي: "التهديد" الأكثر أهمية ومباشرة لأمن الحلفاء، وان الصين تمثل "التحدي" لأمن الحلفاء ومصالحهم وقيمهم .. وتم الدعوة الى زيادة الاستثمار في الدفاع والتمويل المشترك، وكذلك المزيد من "الدعم طويل الأجل" لأوكرانيا في مواجهة "الغزو الروسي"، كما جرى الموافقة على وضع اهداف من اجل السيطرة على انبعاثات الغازات الدفينة في تخزين ومناجم دول الاعضاء، ودعوة فنلندا والسويد إلى الانضمام لتصبحا عضوين في الحلف).
هذه الوثيقة والمفهوم الاستراتيجي الجديد يتناقض تماما عن المفهوم الاطلسي السابق حول روسيا والذي نص عليه مؤتمر الناتو بلشبونة في البرتغال عام 2010 حيث تم تعريف موسكو على أنها "شريك محتمل" وليس "تهديدا مباشرا"؟!!..
اذن كيف تناقض وانقلب على نفسه المفهوم الاستراتيجي الاطلسي نحو روسيا من شريك الى تهديد؟!!
في الواقع، ووفق عديد من المصادر، كان مجتمع وتجمع نادي بلدربيرغ- وهو قمة سنوية يجتمع فيها رؤساء الدول والمسؤولون التنفيذيون ورجال الأعمال والقوى الإعلامية ومعظمهم من الغرب خلف أبواب مغلقة حول مجموعة من الموضوعات التي تعتبر بؤرا ساخنة، ويعتبر النادي كحكومة عالمية غير رسمية كاملة موحدة من قبل طبقاتها الحاكمة المختلفة، وتبدو كتمثيل واقعي للتسلسل الهرمي لعالم حالي، صغير جدا في قمته - ففي اجتماعه الذي عقده مطلع الشهر الماضي بواشنطن، وضع الخطوط الرئيسية لما تمخضت عليه قمة الناتو في مدريد، بحيث كانت مواضيع جدول الاعمال الرئيسية لقمة مدريد الاطلسية هي نفسها، تقريبا، التي ناقشها النادي، مثل: اعادة الاصطفاف الجيوسياسي، والتهديدات وتحديات الناتو، وروسيا والصين واوكرانيا، وهي من ضمن 14 بندا لجدول اعمال النادي، في حين اوضح دعمه لبقاء نفوذ الولايات المتحدة الامريكية على الحلف الغربي الاطلسي من خلال الاشارة والاشادة على عقد اجتماع النادي في العاصمة الامريكية..
وبالرغم من هذا الاجماع على نفوذ واشنطن إلا ان هناك خلاف او اختلاف او قل انقسام حول الاسلوب والنهج الذي اتبعته الادارة الامريكية.. فهناك فريق من "المحافظين الجدد" يؤيد اسلوب واشنطن على ابقاء الدول الاوروبية تحت سيطرتها ونفوذها واستنزافها بتوريطها في تكاليف وتأزم الحرب الروسية الاوكرانية، والخسائر تتحملها اوروبا والفوائد تجنيها واشنطن التي اعتمدت أسلوب التخويف من روسيا، ما دفع أوروبا إلى اللجوء تحت العباءة الامريكية.. وفريق "واقعي" يرى الابقاء وتطوير المفهوم الاستراتيجي الذي تقرر في مؤتمر الناتو السابق في لشبونة والذي من شأنه جذب واستحواذ روسيا وابعادها عن الصين، لذلك يرون أهمية وضرورة التقارب والتعاون مع روسيا بدلا من التصادم والمواجهة معها..
هذا التصدع والانقسام بين هاتين المجموعتين بدا في وقت مبكر من عام 2014 عندما كان "الواقعيون" يعارضون الإجراءات التي كانت تقوم بها الأجهزة الأمريكية في أوكرانيا ومن تدخل فاضح حيث تواجدت فيكتوريا نولاند من وزارة الخارجية الأمريكية في الساحة مع النازيين الجدد وبالميدان الأوروبي، في حين أن السيناتور جون ماكين (المحافظين الجدد) صعد على خشبة المسرح مع ممثلي مجموعات النازيين الجدد، وتحدث بمكبر الصوت على مسرح تلك "الثورة" التي عملت على إقالة رئيس لفرض رئيس مؤيد للغرب.. كل هذه الأفعال، بالطبع، لم تمر مرور الكرام من قبل روسيا، وكان الواقعيون مقتنعين بأن هذه الإجراءات ستكون ذات نتائج عكسية للغاية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب لأنها ستدفع الرئيس بوتين إلى رد فعل للمواجهة والتقارب مع الصين.. وهذا ما حدث، وهذا هو الاختلاف والخلاف في الرؤية داخل المجموعة، حيث يوجد الآن من يرى الحرب في أوكرانيا خطأ استراتيجي، وان إرسال الأسلحة لتصعيد هذا الصراع خطيئة، لذا فإن كلا الجانبين يريدان استمرار النفوذ الأمريكي على الحلف، ولكن لديهما أفكار مختلفة حول الاستراتيجية لتحقيق ذلك..
ما يبدو ان الأمر كان واضحا في قمة مدريد، الرغبة في إبقاء النفوذ الامريكي على الحلف، فقد رافق عملية "تلميع" صورة امريكا بشخص بايدن والحلف، قناعة لدى الاعضاء انه لا يمكن ان يكون هناك حلف واطلسي بدون اميركا ، لذلك كان من الهام، بل والضرورة القصوى السعي الجاد لتجديد منظومة تماسك الحلف، وربط الاطلسي بمنظومات اقليمية لتعزيز قدراته، والاهم ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تخلت عنه امريكيا طوعا، كما تبين ذلك من حث دول كاليابان وأستراليا ونيوزيلندا على إيجاد منظومة عسكرية لحمايتهم من الجار الصيني، حيث شاركت الدول الثلاث في قمة الناتو بمدريد ولأول مرة، وكذلك ما اعلن عن دعوة فنلندا والسويد إلى الانضمام للحلف وحمايتها من الجار الروسي، وقد تردد في مختلف الاوساط الاسبانية ان"سرعة" موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد، بعد معارضة شديدة، جاء حين تم الاقتراح على اعطاء الضوء الاخضر لاردوغان القيام "بعملية عسكرية خاصة" في شمال سوريا لإقامة "منطقة آمنة" بحدود 30 كلم وعلى غرار عملية روسيا العسكرية في اوكرانيا!!..
أما المنظومة الاقليمية العسكرية الثالثة التي "يأمل" الحلف الاطلسي تحقيقها، هي هدف الجولة التي يقوم بها الأن الرئيس الامريكي جو بايدن الى المنطقة، لعل وعسى يتمكن من بناء تحالف عسكري او شبه عسكري لحماية دول الخليج الست ومصر والعراق والاردن من الجار الايراني؟!..
وعلى بالرغم من محاولة اضفاء "الابهه" واسطول السيارات ال 50 المصفحة التي ترافق الرئيس الامريكي في جولته، فإن بايدن يزور المنطقة من باب "ارحموا عزيز قوم ذل"؟!..
مدريد 15/7/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط