الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشاء مع الرسول

سالار الناصري

2006 / 9 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


يقال انك استعجلت الشهادة وكأنها أمنية تخشى تلاشيها في زحمة السوق الذي فجرته بسيارتك المفخخة وسط بغداد، ربما أضاف منظر غروب الشمس وانسدال أشعتها على شواطيء دجلة شاعرية اكبر لاحتفالية الشهادة المرتجاة..
وربما كان لعشائك الأخير مع الرسول قيمة كبرى طويت من اجلها حياة العشرات من الأطفال وهم يشترون الحلوى والنساء اللواتي يشترين خضارهن والشيوخ على أرصفة الشوارع وباعة اللبن والطرشي وطالبات المدرسة القريبة من مكان استشهادك الميمون..
لماذا هذا الاستعجال أيها المجاهد ؟!
ماذا لو تأخرت دقائق لكي يكمل محمد أكل شطيرته ؟!
بالطبع انت لا تعرفه، ولم تلاحظه ،كانت سيارتك الملغومة بالموت تمر قريبا منه ، وبالطبع انت لم تشاهد جسده وهو يتلاشى ، لم يبقى غير رأسه الصغير وجدوه مرمي فوق إحدى شرفات الشقق وفمه مملؤ بلقمة كبيرة من لفة فلافل من النوع الرخيص جدا ،
ماذا لو تاخرت لدقيقتين لكانت عربة العم شلش تعبر الى الجهة المقابلة للشارع، وبالتالي سوف تجر سنينه السبعين وحدبته الكبيرة كقباب أئمة الشيعة فوق ظهره الجنوبي ،وعندها سوف تنجو رقبته من شظاياك الإسلامية المطهرة، ولما أزعج الأطباء بتهويمات يديه وهو يشير الى حفيده ان يرجع الى العربة لأنها مصدر رزقهما الوحيد.
سيدي ايها ألاستشهادي العظيم ،
ترى أما أمهلت رقية حتى تدس كل أقلامها الملونة وحافظة أصباغها في حقيبتها المدرسية الجديدة،
عجبا كيف فاتك النظر الى بدلتها الزرقاء ، وشرائطها الملونة
حينما وقفت على أشلاء جسدها الغض كانت ضحكتها ما تزل تلون شفتيها وكأنها لا تأبه لبركان الموت الذي حشوت به إسلامك الفارغ، ولم ترعبها لحظة الانفجار ومأساة الفجيعة..
عفوا سيدي ..
أنا لا أريد ان أزعجك اعرف بأنك تعتبرهم ترس يتترس بهم العدو
ولكن لو تتفضل علينا وتترك قصرك في جنة عدن وتعود معنا الى مكان الانفجار لكي تدلنا على العدو الذي يحتمي ويختبيء بسوق الفقراء،
ربما هو صبي القهوة الذي تزوج مؤخرا؟
أم مديرة المدرسة التي كانت تتوسط طالباتها أثناء وليمة الدماء؟
أم انه ام هاشم بائعة الخضار على الرصيف؟
أم انك كنت تريد اكبر عدد ممكن ، اكبر كمية ممكنة من الدماء المسفوحة على طريق شهادتك الجنائني؟
هل ترهب أعدائك بذبح أبناء مدينتك؟!
ولتكن كما تقول بأنك من مدينة أخرى ومن مذهب إسلامي آخر،
فهل يبيح لك ذلك قتل إخوتك في الوطن والارض والتاريخ والدين؟
ولتكن كما تقول بأنك من بلد عربي آخر ،
فهل يبيح لك ذلك قتل إخوانك العرب وتنسى ما يجمعكم في تلك اللحظة من رحم ولغة ودين وارض..
ثم إنهم أبرياء مستضعفون لا حول لهم ولا قوة
أنا لا أنكر بطولتك ولا أريد أن أثلم من عظمتها الإسلامية لكنني أجدها معمدة بدم الأبرياء ، ومروية بدموع الفقراء،وشامخة فوق جماجم الأطفال..
ربما لديك دوافع عقيدية لعمل ذلك، فتستبيح دماء الأبرياء وصولا الى سلم التكريم ألاستشهادي الذي يبدأ بعشاؤك القدسي مع الرسول..
حيث الملائكة محدقين بك ، والأنوار تتلالا من كل جانب
وانت بثياب شهادتك المضمخة بالدماء
ترى هل لاحظ الرسول دماء المساكين وهي تلطخ ساعة موتك الأليمة؟
وكيف يستسيغ نبي الرحمة مشاركتك الطعام وكفيك تقطران من دماء الأطفال؟
أم انك مسحتهما بثياب النساء وقمصان الفتيات وبآمال المستضعفين بقضاء ليلة شعبانية هادئة
هل فطن رسولك الكريم الى نثار الأجساد الممزقة على صدرك والى صراخ المتألمين بك والمفجوعين بمتفجراتك الإسلامية،
بالطبع وأنتما تأكلان أشهى طعام لابد وان تبادلتما حديثا شيقا مفعما بالتساؤلات،
كم عائلة يتمت ؟ كم بريء ذبحت ؟ كم طفلا قتلت ؟ كم امراة مزقت ؟ هل حشوت سيارتك بالمسامير والبراغي وقطع الحديد الصغيرة لقتل اكبر من المتسوقين ومن طالبات المدرسة ومن المارة وأصحاب الشقق السكنية؟
ما لنا ولحديثك مع الرسول ،
المهم إن الحور كن بانتظارك ،وأنت تسير إليهن بزفة إسلامية سلفية جهادية، وتتبختر بشهادتك المقدسة ،
وبالطبع ففي ذلك الوقت كانت هنالك عشرات العوائل البغدادية المعدمة تعيش المأساة والفاجعة والمصيبة وتتبعثر بين المقابر والمستشفيات.
وينام فقراء بغداد ومستضعفيها بلا عشاء،
وتكمل أنت عشاؤك مع الرسول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر