الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة السريلانكية

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2022 / 7 / 16
السياسة والعلاقات الدولية


اعلن رئيس الوزراء السريلانكي ماهيندا راجاباكسا (شقيق رئيس الدولة ورئيس الدولة في الفترة من 2005-2015)،استقالته في أيار من هذا العام وحل مكانه احد قادة المعارضة رانيل ويكرمسينغ نتيجة للوضع الاقتصادي المتدهور في سريلانكا والناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود مما ساهم في إخماد مؤقت للاحتجاجات، ورغم ذلك استمر الوضع الاقتصادي بالتدهور مما قاد إلى اندلاع أكبر التظاهرات في تاريخ البلاد في 9 تموز، احتل خلالها المتظاهرون المقار الرئيسية لمؤسسات الدولة بما في ذلك مقر رئيس الدولة والمنزل الخاص برئيس الوزراء. وغادر رئيس الدولة البلاد على متن طائرة عسكرية الى جزر المالديف وبعث من هناك وبواسطة البريد الإلكتروني كتاب استقالته إلى رئيس البرلمان.
كان جوتابايا راجاباكسا قد انتخب رئيساً لسريلانكا في تشرين الثاني 2019 بحصوله على 52٪ من الأصوات في الانتخابات العامة، وفاز تحالف (الجبهة الشعبية لسريلانكا) بقيادة ماهيندا راجاباكسا بالانتخابات البرلمانية التي جرت في آب 2020، بدعم 59٪. إلا أن عائلة راجاباكسا، فقدت الدعم الشعبي بسرعة في الأشهر الأخيرة - والتي شغل العديد من أفرادها عدداً من المناصب الوزارية الأخرى.
وتمر سريلانكا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ اعلان الاستقلالها عام 1948. حيث تفتقر إلى الوقود والغاز والكهرباء، وبلغة نسبة التضخم في حزيران هذا العام 54٪، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 80٪ وأسعار النقل بنسبة 120٪. وأعلنت الأمم المتحدة في حزيران أن 5.7 مليون من سكان الجزيرة البالغ عددهم 22 مليوناً بحاجة إلى المساعدة لإنقاذ أرواحهم، ودعت إلى تأمين 47 مليون دولار لدعمهم. وانخفضت احتياطات النقد الأجنبي من أكثر من 8 مليارات دولار عام 2019 لتصل إلى 50 مليون دولار في أبريل من هذا العام. ونتيجة لذلك، أوقفت الحكومة سداد الديون الخارجية، مما يعني الإفلاس الفعلي للدولة.
وتعتبر جائحة كورونا السبب الرئيسي للأزمة والتي أدت إلى فقدان العملات الأجنبية من مصادرها الرئيسية والمتمثلة بالسياحة وتحويلات المواطنين العاملين في الخارج. حيث انخفضت عائدات السياحة من 4.4 مليار دولار في عام 2018 لتصل إلى 506 مليون دولار في عام 2021، وتحويلات المواطنين العاملين في الخارج من 600 مليون دولار شهريًا لتصل إلى 200-300 مليون دولار في عام 2022 مع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، ولم يكن لدى سريلانكا السيولة الكافية لاستيراد المنتجات الأساسية. وتفاقم الوضع بسبب الأخطاء التي ارتكبها راجاباكسا، حيث ارتفعت خدمة الدين الحكومي (ارتفع الدين الخارجي من 11.8 مليار دولار في عام 2006 إلى 56 مليار دولار في عام 2020)، وانخفضت إيرادات الميزانية بسبب التخفيضات الضريبية في عام 2019، وساهم حظر استيراد الأسمدة في انخفاض المحاصيل الزراعية إلى النصف، كما تأخرت الحكومة في إجراء اصلاحات اقتصادية وبدء التفاوض مع الدائنين الأجانب لمنع حدوث وضع كارثي.
حركة الاحتجاج المعروفة باسم (نضال الشعب) لا يوجد لها قيادة مركزية وهي متنوعة داخلياً، وتجمع بين ممثلي مختلف الجماعات الاجتماعية والعرقية والدينية، ومعظمهم من الشباب وأعضاء المنظمات الطلابية والنقابات العمالية. ويلتقون ليس فقط على رحيل عائلة راجاباكسا وإنما أيضاً على رفض الطبقة السياسية بأكملها والرغبة في تغيير النظام السياسي بالكامل. فبالإضافة إلى مطالب الاستقالة الفورية لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، طالب المتظاهرون بتشكيل حكومة انتقالية لمدة أقصاها عام واحد، وإعداد واعتماد دستور جديد عن طريق الاستفتاء، والحد من سلطة الرئيس وتعزيز آليات الرقابة الديمقراطية والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة. ويعارضون فكرة الحكومة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف (بما في ذلك الجبهة الشعبية لسريلانكا)، ويدعون إلى إنشاء مجلس الشعب كهيئة استشارية للحكومة. وهدد المتظاهرون بتكثيف الاحتجاجات إذا لم تتم تلبية مطالبهم.
وفقاً للدستور السريلانكي لعام 1978، عندما يستقيل رئيس الدولة يتولى رئيس الوزراء دوره لمدة 30 يوماً، وفي حالة فشل ذلك يتولى المنصب رئيس البرلمان. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ تولى منصب رئيس الدولة في 13 تموز ، إلا أنه من المرجح أن يستقيل بسرعة تحت ضغط من المتظاهرين. وفي غضون 30 يوماً سيتعين على الرئيس المؤقت تعيين رئيس وزراء جديد من بين اعضاء البرلمان. وسيتعين على البرلمان اختيار رئيس جديد لدولة تنتهي ولايته عام 2024. ويملك زعيم المعارضة ساجيث بريماداس أكبر فرصة. بعد ذلك ستكون الحكومة الجديدة قادرة على التحضير لانتخابات مبكرة وتعديل الدستور. قد تكون هذه الخطة معقدة بسبب حقيقة أن حزب راجاباكسا يحتفظ بالأغلبية في البرلمان الحالي وسيكون من الصعب تشكيل حكومة دون تعاونه. كما أن تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة والتحضير لاستفتاء دستوري في ظل أزمة اقتصادية عميقة سيكون مهمة صعبة للغاية وقد تتطلب مزيداً من الوقت. قد يكون التحدي الآخر هو الانقسامات داخل الحركة الاحتجاجية وراديكالية توقعاتهم، حيث أن الوضع السياسي غير المستقر سيجعل من الصعب التعامل مع الأزمة الاقتصادية. وضغط المتظاهرون على السلطة وأغلبهم من ذوي الآراء الاشتراكية، سيجعل من الصعب أيضاً التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينص على إصلاحات مؤيدة لسياسة السوق. ونتيجة لذلك، قد تنتظر سريلانكا عدة أشهر من زعزعة الاستقرار السياسي والتعافي الطويل من الأزمة.
إن إزاحة راجاباكسا من السلطة تعتبر فرصة لإعادة تموضع سريلانكا على المسرح الدولي وخاص فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول الإقليم وبشكل خاص الهند التي فقدت في السنوات الأخيرة نفوذها التقليدي في سريلانكا لصالح الصين، حيث أصبحت السلطات الهندية هي الأكثر مشاركة في مساعدة سريلانكا، وتبرعت بأكثر من 3.5 مليار دولار منذ بداية العام. وينتظر من الصين الدائن الاكبر المساهمة في اعادة الاستقرار لسريلانكا من خلال دعم اقتصادي كي لا تكون الخاسر الاكبر.
إن تعيين حكومة جديدة سيخلق فرصة لتسوية جرائم الحرب التي وقعت خلال حملة عام 2009 ضد نمور التاميل، وإزالة العقبات أمام تحسين تعاون سريلانكا مع دول العالم، ويجب على المجتمع الدولي أن يشارك بنشاط أكبر في المساعدات المالية وأن يقدم المساعدة الفنية في تنفيذ التحول السياسي. ويجب أن يكون مثال سريلانكا أيضاً بمثابة إشارة تحذير للعالم، لأنه في حالة مماثلة من الديون المفرطة والأزمة المتزايدة المرتبطة بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، هناك عدة عشرات من الدول النامية، وهذا يفرض على المجتمع الدولي اتخاذ مبادرة دولية لخفض الديون وتقديم الدعم المالي للفقراء للتعامل مع الآثار طويلة المدى لوباء كورونا والحرب في أوكرانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل