الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غريب في مدينة أليفة 5

علوان حسين

2022 / 7 / 17
الادب والفن


غريب في مدينة أليفة 6

آه ما أجملها وأعذبها الأحلام . نحن العراقيون شعب حالم نتنفس هواء الأحلام نبتكر لها أشكالا ً زاهية ً نعيش فيها بكسل ٍ وإرتخاء حتى لو كانت أحلام يقظة من صنع خيال ٍ مريض . كل الذين ألتقيت بهم سواء في المقاهي يلعبون الدومنة أو الطاولي أو الجالسين على الأرصفة وحتى السكارى في البارات الجميع سكارى ضائعين في نشوة الأحلام . كم فرد منا سعى لتحقيق حلمه ؟ بماذا يحلم ذلك الرجل ذو الكرش المتهدل المتباهي بصوته يلعلع وقطعة الدومينو يطرقها على الطاولة كما يفعل الجاكوج ليؤكد إنتصاره على خصمه في لعبته التافهة تلك ؟ أما ذلك القابع في زاوية ٍ من المقهى يدخن بشراهة ويرسم بيديه خريطة أحلام ٍ يتوهمها في لحظة إستغراق كأنه ذلك الصوفي وهو يناجي ربه في وجد غافل عن العالم وما حوله من ضجيج . المقهى في بغداد يرتاده الرجال عادة ً , القليل من المقاهي التي جارت التطور سمحت للمرأة أن تجلس مع رفيقتها أو حبيبها يحتسيان القهوة ويثرثران معا ً دونما رقيب . بغداد مدينة غريبة الأطوار مزاجية محافظة لا تقبل التطور أيضا ً هي تتمادى في تحررها وإنطلاقها حين تشاء . تتحجب أو تسفر عن ثيابها حسب المزاج . مرة ً هي تهيم في عشق زعيم ٍ يرتدي سدارة يحبه الفقراء والمسحوقين كان لهم القمر في حلكة الليل وتارة تسلم زمام أمورها وتنقاد لعمامة ٍ سوداء حالكة كالليل ليس ثمة منتصف بينهما . رمت ثوبها الأحمر الذي كشف مفاتنها وإرتدت ثوب الحداد الأسود بلا مناسبة ٍ تقيم للحزن كرنفالا ً لتدمن على تلك الطقوس تجترح مناسبة ً لتسرف في حزنها الطويل بلا إنقضاء . بغداد وبالرغم من الشيخوخة الظاهرة عليها والتجاعيد التي غزت وجهها ما تزال صبية ومراهقة أيضا ً . أوقفت شابا ً يافعا ً في الشارع سألته ماذا تكره في بغداد ؟ كانت إجابته صادمة بالنسبة لي قال الشمس والأزهار . لم أبحث عن تفسير ٍ لهذا الكلام الشمس لأنها تبالغ في قسوتها والأزهار لأنها رقيقة أكثر مما ينبغي .
سأفترض بأن بغداد عشيقتي وأنا أتسلل إلى مخدعها ليلا ً دون علم زوجها الذي تكرهه . لكني عشيق مخدوع أيضا ً يهتك ليل امرأة ٍ متعددة الأزواج . امرأة بلا أسرار تستمتع بقتل أزواجها وتعذيب عشاقها لتنام وحيدة ً نصف عارية . نهرها الذي على وشك الجفاف يكثر فيه الغرقى جلهم من اليائسين المنتحرين الذين دفنت أحلامهم تحت الرماد . شموس كثيرة مدفونة تحت تراب أرض بغداد الرمادية . عشاق طمروا مع أحلامهم كأن بغداد أرض لا تنبت فيها الزهور ولا يورق الحب والأحلام تذبل لتموت وتتفسخ كجثث محكومين بالإعدام دفنوا سرا ً بلا شاهدة . في بغداد وددت النوم على السطح كما كنت أفعل وأنا طفل أعد النجوم لأغفو بعدها وأنام نوما ً عميقا ً دونما كوابيس . لكن لا الليل يشبه تلك الليالي ولا النجوم نفسها والسطوح أختفت عن بيوت أهل بغداد كما تختفي الطفولة بين تلافيف الذاكرة .
أقولها بصراحة ووقاحة أيضا ً في بغداد لا أتأسى أو أحزن على الناس في مصابهم أو مصائبهم التي لا تنقضي . أنا فقط حزين وقلق على الطيور تموت من العطش . على النهر يفارق الماء والشجرة تسقى بنار ٍ . على الكلاب والقطط المشردة وأيضا ً الفراشات وهي تنقرض وعلى امرأة تترمل قبل الزفاف . أحزن علي َ أضيع في شوارع بغداد في مدينة ٍ لا تفتح قلبها لغريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن