الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين في الشرق الأوسط - الجزء الأول

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 7 / 17
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الحرب في سوريا ، توترات حادة بين اسرائيل وفلسطين ، مواجهة دينية - عقائدية بين إيران الشيعية والسعودية السنية ، الحرب في اليمن ، أزمة اللاجئين المتصاعدة، الأزمات الإنسانية والاقتصادية المتزايدة ... كل هذا يجعل الشرق الأوسط منطقة حساسة على الكوكب ، تخضع لأحداث درامية كبرى تسبب عدم الاستقرار الإقليمي في ظل وجود تداعيات عالمية. وهناك فعل العديد من القضايا الاستراتيجية في المنطقة، تتراوح من سباق التسلح إلى الموارد الطبيعية وقضية الإرهاب. على امتداد عقود ، كان الشرق الأوسط في قلب التاريخ العالمي للجغرافيا السياسية والدبلوماسية والجيوستراتيجية، لاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي ظل يتحين فرص تطبيق سياسته الخارجية وتطويرها.
في الواقع ، تستغل الصين الوضع والصعوبات الحالية في المنطقة وتستخدمها لتدعيم وتفعيل أجندتها الجيوسياسية الخاصة بها. وقد عمل الرئيس الصيني – "شي جين بينغ" - على تسريع علاقاته مع الشرق الأوسط ، وهي منطقة كانت تعتبرها "بكين" سابقا هامشية من منظور مصالحها. أما اليوم ، تطورت مصالح الصين في أكثر من مجال ونطاق. إن استراتيجية الصين في الشرق الأوسط مدفوعة، في واقع الأمر، من جهة بالمشروع الطموح لـطريق الحرير الجديدة زمن جهة أخرى بمسألة الطاقة و دور الوسيط في حل النزاعات.
أدت زيادة التجارة والاستثمار وتوسعهما ، وتعزيز التبادلات الدبلوماسية ، وتقوية العلاقات العسكرية إلى تغيير موقف الصين تدريجياً في الشرق الأوسط .
هما هي دوافع الصين وأنشطتها في هذه المنطقة ؟
تشير جملة من المعطيات والنتائج والمؤشرات إلى أن "بكين" تسترشد بشكل أساسي بالمصالح الاقتصادية والطاقة والقضية الأمنية ومحاولات إعادة التوازن بين الأطراف المتناقضة. ويبدو أن استراتيجية الصين في الشرق الأوسط تشكل إجماعا في الصين. في فترة ما بين 19 و 23 يناير 2016 ، حل الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بالمملكة السعودية ومصر وإيران لتذكير بقية العالم بنفوذ بكين المتزايد في الشرق الأوسط في مجالات الطاقة والتجارة والجغرافيا السياسية. ببطء ولكن بثبات ، تعمل الصين على توسيع نفوذها في المنطقة. بعد الاهتمام بالقارة الأفريقية في المجال الاقتصادي ، اتجهت طموحات الصين إلى لخليج وما وراءه وأبعد من ذلك. فالأمر يتعلق برغبة الصين في أن تصبح فاعلا عالميا رئيسيًا. كما أجرت الصين و"ممالك النفط" في دول مجلس التعاون الخليجي محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة منذ سنة 2004 ، وهذا في ظل اعتبار مشروع طرق الحرير الجديدة () ، من أولويات البلاد.
--------------------------
()أطلقت الصين "طرق الحرير الجديدة" - the "Belt and Road" initiative - في عام 2013. ويهدف هذا المشروع إلى تحسين قنوات الاتصال والتعاون على نطاق عابر للقارات.
---------------------------
ويبدو جليا لا تزال أن الصين ، على الرغم من استثماراتها المتزايدة ، لا تزال حذرة للغاية بشأن الخلافات في المنطقة و لا تبناها دائمًا اعتبارا لموقف عدم التدخل المباشر والمعلن في الشؤون الداخلية حتى لا تظهر أي تدخل فيها.
أصول طرق الحرير الأسطورية
كان طريق الحرير عبارة عن شبكة من الطرق التجارية التي تربط الصين والشرق الأقصى بالشرق الأوسط وأوروبا. تأسست عندما افتتحت أسرة "هان" في الصين التجارة رسميًا مع الغرب في عام 130 قبل الميلاد ، وظلت طرق الحرير مستعملة إلى حدود عام 1453 م ، عندما قاطعت الإمبراطورية العثمانية التجارة مع الصين وأغلقتها. كان لهذه الطرق تأثير دائم على التجارة والثقافة والتاريخ الذي لا يزال يتردد صداه حتى اليوم.
تضمنت طرق طريق الحرير شبكة واسعة من المراكز التجارية والأسواق والمسالك ذات المواقع الاستراتيجية المصممة لتبسيط نقل البضائع وتبادلها وتوزيعها وتخزينها. امتد هذا الطريق من مدينة "أنطاكية" اليونانية - الرومانية عبر الصحراء السورية في "تدمر" ، إلى مدن بلاد ما بين النهرين في العراق الحديث. من "سلوقية" ، كانت الطرق تمتد شرقاً عبر جبال "زاغروس" إلى مدينتي "إيكباتاني" (إيران) و"ميرف" (تركمانستان) ، حيث كانت هناك طرق إضافية تمر عبر أفغانستان الحالية وشرقاً إلى "منغوليا" والصين. وصلت طرق الحرير أيضًا إلى موانئ في الخليج العربي ، حيث تم بعد ذلك نقل البضائع على طول نهري دجلة والفرات. وارتبطت طرق هذه المدن بموانئ البحر الأبيض المتوسط ، حيث كان يتم شحن البضائع منها إلى مدن الإمبراطورية الرومانية وإلى أوروبا.
"إجماع بكين" مقابل "إجماع واشنطن"
إن "إجماع بكين" عبارة عن صيغة تصف الدبلوماسية ونموذج التنمية الذي اقترحته الصين ، خاصة مع الدول النامية مثل إفريقيا. غالبًا ما يتم مواجهة هذا النموذج ، بالتوازي مع الإجماع الشهير الآخر - "إجماع واشنطن" - نموذج الولايات المتحدة ، الذي فرض نفسه بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
بدأ تداول صياغة "إجماع واشنطن" في نهاية الحرب الباردة - بعد زوال الاتحاد السوفيتي - على النموذج "النيوليبرالي للديمقراطية الأمريكية". ومع الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصبح الإرهاب "الإسلامي" عدوًا عالميًا. وقد انطلقت هذه الحركة "العنفية" بشكل أساسي من الشرق الأوسط ، وسعت غلى دحض بشكل جذري الهيمنة الأمريكية والنموذج "النيوليبرالي" للولايات المتحدة. وفي سنة 2004، كان أول من تعبير " إجماع بكين" ، أمريكي ، يُدعى "جوشوا كوبر رامو" ( )- Joshua Cooper Ramo- لمعارضته على وجه التحديد "إجماع واشنطن". من هذه اللحظة وبعد كارثة الحرب في أفغانستان التي دبرها الأمريكيون ، ستثبت الصين تفوقها في المنطقة المجاورة من الشرق الأقصى والشرق الأوسط في مواجهة النفوذ والمكانة اللذين تمتعت بهما الولايات المتحدة طوال هذا الوقت.
-------------------------
( ) جوشوا كوبر رامو (من مواليد 1968) هو نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي المشارك لشركة كيسنجر أسوشيتس ، الشركة الاستشارية لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر". وهو أيضًا مؤلف للعديد من الكتب ، بما في ذلك كتابان من أكثر الكتب مبيعًا ، وهما " عصر لا يمكن تصوره " - The Age of the Unthinkable – و " الحاسة السابعة" - The Seventh Sense.
---------------------
على مر السنين ، سيهتم الكثير من الباحثين بالمقارنة بين الاستراتيجية الصينية واستراتيجية الولايات المتحدة (6). لقد زادت الصين بالفعل من استثماراتها وأصبحت تتمتع بصورة إيجابية نسبيًا في المنطقة ، كونها مستثمرًا لا يدعم أو يمارس التدخل المباشر. علاوة على ذلك ، فإن ماضيها وحاضرها مع إفريقيا يسلطان الضوء على استراتيجية ليست شديدة الانتهاك من حيث السيادة ؛ والتي ستترجم في بعض البلدان كدليل على التحسن الاقتصادي والاجتماعي ؛ على عكس تجربة الولايات المتحدة التي تركت ذاكرة - قريبة من ذاكرة المستوطن والمستعمر لأفريقيا - مدمرة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
----------------
(6) Laurence Daziano, “«Le Beijing consensus». La chronique de Laurence
L’Opinion, 2018, URL : https://www.lopinion.fr/edition/international/beijing-consensus chronique-laurence-daziano-158049
------------------

ويمكن أيضًا إبراز الدور المتنامي للصين كنقطة اتصال للمنظمات الدولية مع ظهور "بنك التنمية الجديد" الذي تم إنشاؤه في عام 2014 ، بتمويل أساسي من الصين والذي يرغب في الظهور كمؤسسة بديلة عن كل من "البنك الدولي" و "صندوق النقد الدولي". وقد كان لهاذين المؤسستين الماليتين دور رئيسي في شؤون الاستثمار في الشرق الأوسط.
يعتمد "إجماع بكين" على نموذج سلطوي جديد في "خدمة الشعب" ، أي شكل من أشكال "الاستبداد المستنير" الذي يهدف إلى حماية أكبر عدد ، ولكن أيضًا شيء جديد مثل الابتكار التكنولوجي في خدمة التنمية وخدمة نموذج اقتصادي جديد. هنا يكمن جاذبية النموذج الصيني "كنموذج سلطوي" ، مصحوب بنمو اقتصادي. ومن المؤكد أن هذا النموذج لا ينسجم جيدا مع حقوق الإنسان ، لكنه لا يسعى للقيام بدور"شرطي أو دركي العالم" كما كان الحال في كثير من الأحيان مع الولايات المتحدة سابقا.
__________________ يتبع الجزء الثاني _________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران