الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لم تقلْهُ النساء ... قاله محمد القصبي

فرج مجاهد عبد الوهاب

2022 / 7 / 17
الادب والفن


يستند النص الروائي (مالم تقله النساء) (1) على ما صرح به مبدعها الأستاذ (محمد القصبي) (2) من اعترافه بأنه وجد ما رواه في دفتر ملقى ضمن أوراق أخرى في شارع (لاظوغلي) بالقاهرة، عقب اقتحام متظاهرين مبنى مباحث أمن الدولة يوم الأحد الموافق 6 مارس 2011، ومما يذكر أن الدكتورة (زينب رضوان الحناوي) أستاذة الأدب الانجليزي بجامعة المنصورة، كان قد عثر على جثتها يوم 5 أكتوبر 2009 في مطبخ شقتها بعد تلقي قسم أول المنصورة بلاغاً من الجيران عن سماع استغاثة من داخل الشقة، وتبين من التحقيقات أنها قتلت بسكين، وقيدت القضية ضد مجهول كما ذكرت الصحف آنذاك (3).
ومن الواضح أن ما وجد في الدفتر رسالة أرسلتها د. زينب إلى الأستاذ الدكتور (سامي الجبالي) تطلعه على اعترافاتها ومعاناتها من ولادتها حتى طلاقها من زوجها.
والمبدع محمد القصبي لم يكشف عن دوره في العمل الذي وقعه باسمه وهل هي الدفتر نفسه أم هي من وحي ما جاء فيه، أم أنها رواية بعيدة عن ذلك وهي من نسيج خياله، مما يضعنا في حالة ارتياب حول دوره في نشر العمل يتوقعه وأياً كانت الأسباب وطبيعة الأدوار فقد وضعنا مبدعها أمام نص أنثوي نهض على قوائم اعترافات أنثى مثقفة في هذا العصر كسرت تابوهات المحرمات جميعها وأعطت لنفسها حرية البوح، والاعتراف من دون خجل أو خوف أو مواربة لتتحدث وبمطلق الحرية عن (جسد الدكتورة زينب الحناوي أستاذة النقد الأدبي بجامعة المنصورة، وزوجة الشيخ السني هشام الغزولي رئيس جماعة أحباء الرسول السلفية يتعرى أمامك حتى من ورقة التوت) ص17.
لتواجه الآخر الذكر بقوة بحيث تقلب المواجهة إلى صراع بين هو وهي الباحثة عن جذور حروب الإذلال التي يمارسها الذكر ضد المرأة التي ما خاضت مثل هذه الحروب إلا من وحي حالتها الخاصة جداً وهي تبحث عن الحرية، فتخص أستاذها المعيد الذي أحاطها بقدر من الخصوصية وتمت بينهما صداقة تجاوزت حدود الاعجاب ولكنها لم تصل إلى حالة حب، فخصته باعترافاتها التي بدأتها بمعاناة أمها أثناء ولادتها في أسرة لا تنجب غير الإناث ودور والدها في تعليمها بعد أن أقنعه صديقه الشيخ عبادة صلاح حتى تصل إلى المرحلة الجامعية حيث انتبهت إلى أن فكرة تأنيث العار واختزاله في فرج امرأة ما زالت تعيش في عقلنا الجمعي وإذلال الولد لا يكون إلا بتذكيره بعار أمه لمجرد أنها مفعول بها فتتحول إلى عار وكأن المذل لا أم له، وتضعها الأقدار بين يد زوج قريب لها ولكنه متطرف، مهندس في الزراعة، وتروي جانباً من ذكرياتها وكلها لها علاقة بالجنس دون سواه ومنال ذلك ما رأته على سطح منزلها حيث كانت أختها أم كلثوم أسفل عدلي تصارع ساقاها العاريتان ساقية العاريتين. ص31
فنرى في مشهد السطوح طفح عزيزة شاب مراهق لا فيض قلب رجل محب، وما أكثر طفح الغرائز وبراميل المني التي تسفح في عتمة بيوت الريف الكبيرة بين أبناء وبنات العمومة والخؤولة) ص31
وفي واحد من اعترافاتها تقول: (يُخيل لي أحياناً أننا نحن النساء تحولنا إلى صناديق قمامة، تقذفون فيها بكل عقدكم التي تتراكم في لا وعيكم، في الشارع والعمل ومع النظام، ولأنكم تفشلون في رد الصاع صاعين لهؤلاء لا تجدون أمامكم سوانا. ص41
لتجد أن القضية برمتها تتلخص في النهاية بعمود وثقب ولما سألت صديقتها عن ذلك قالت: يعني قضيب وفرج يا زينب.
وعندما يسألها ماذا يعجبك في الرجل، قالت: عينان ضيقتان تتدفقان بشعاع نافذ ينبثق من عوالم ترقية بالغموض، وتعترف بأنها لم تقل غير نصف الحقيقة، أما النصف الثاني، هذا الذي يمكن أن يتوارى تحت سروال رجل أحبه) ص:46، وتتذكر كيف هرب والدها من البيت يوم زفاف ابنته حيث لم يستطيع تصور ابنته في غرفة رجل غريب، ينزع ملابسها ويطرحها عارية كما ولدتها أمها ليركبها وكأنها دابة.
وبعد تحررها من خداع أبيها تشعر أنها تملك الشجاعة لأن تقول (إن ذكر رجل محب ربما كان رمزاً لكل احتياجات امرأته هل يستهويها في إلغاء نعومته، جبروته، طغيانه، حنانه، روحه الغازية، أليس هذا ما تريد كل امرأة من رجلها ...
أغيب عن وعيي بملمسه الناعم، أحترق بلظى مخبوئه من الشوق إلى أعماقي، أتطهر من نجاسة الحرمان برحيق شهده ... نعمة تدفقني بعد كل غزوة، أن أنهض لأتوضأ، لأصلي ركعتي شكر لله أنه جعل مني أنثي مكتملة.
لو تأملنا قضيب الرجل في ذاته سنجده قبيحاً وكذلك فلاج المرأة ولكنهما لما هيئا له من أجمل ما يكون) ص48
وتأخذها الهواجس إلى حلم غرائبي، حيث حلمت بثعبان يتسلل إلى مخدعها، لم تصرخ بل ترقبت وصوله (تطلع إلى بنظرة غامضة كأنه أصدر لي أمراً بأن أنزع سروالي، فعلت، اقترب، رفع رأسه لأفاجأ بساقي ينفرجان ولا أثر فيهما للخوف، أشعر به فوق ساقي، طيب أملس ناعم، يغرس لساناً أصفر ذهبي كعود أراك بين ساقي وراح بطرفه الشوكي يمتص سموم رغبتي وينفث رحيق شهوتي حتى تخدر كل كياني في نشوة ارتواء لم أعهدها في كل ليالي زواجي ولا أحلامي بك، فما إن مال جسدي للارتخاء حتى اندفع نابه في داخلي بغتة ليرتج السرير بزعيق متعتي) ص56
ومثل هذا الحلم الشاذ كانت الممارسة الشاذة حقيقية سواء عن طريق مضاجعة الحيوانات (هشام غيري كائن من خلية واحدة تمت تعبئتها من الصغر بالموروث حتى في مضاجعة لحمارة الشيخ وابنته، مضاجعته للحمارة فعل تهتز له السموات السبع لكنه شائع في القرية، في كل ريف العالم، 45% من ذكور الريف يضاجعون البهائم) ص58
(الشاب الأكبر كان سهراناً في المقهى وحين عاد ليلاً عرج على الدوار ليقدم العلف للناقة، ففوجئ بأنه قد أتى بمقعد خشبي ووقف تحت الناقة، وصعد فوقه وأخذ يضاجعها) ص7.
ومن أشكال ذلك الشذوذ أخذ المرأة في دبرها (صديقتي ادخرت مالاً لشراء انسيال، لكن المبلغ لا يكفي طلبت من زوجها أن يكمل ثمنه، وافق بشرط أن تتيح له مضاجعتها من دبرها، وافقت على مضض، كانت تجربة مزعجة لكنها وجدت نفسها تشترط عليه كلما هم بها تدفع كام إن متعتك) ص105، (مؤخرتي فخر مملكة أنوثتي، هذا في الحقيقة هو دورها، نفث قاذوراتي في المرحاض، أختي فاطمة مفتونة بمؤخرتها، تقول إنها أكثر مفاتنها استحواذاً على إعجاب مدحت، أنه حاول أن يخترقها مرة، لكن هذا لم يكن ممكناً بسبب ضخامة عضوه) ص32
ومع ذلك، الرجل هو الذي يلهث في الشوارع مخترقاً بعينيه مؤخرات النساء) ص104
وتابع اعترافاتها متحدثة عن أحد الأوضاع المعترف بها تسمونه الفارس، المرأة تبدو كفارسة تمتطي حصاناً. ص104
وعن علاقتها بهشام الذي لم يستطع أخذها إلى بعد عدة أيام تعترف بأنه يعتليها كما يعتلي حمارة أبيها.
- اخلعي هدومك
وأستجيب في غيظ، لأنه لا يدرك أن عالمي لا يمور بالإثارة إلا حين تمتد أنامله الخشنة لتنزع عني سروالي لتتدفق شراييني بمشاعر الفخر أنني مطلوبة، أو فريسة وبعد دقائق يفرغ في داخلي قطرات من ماء النار، ليهبط في إعياء ويمنحني ظهره وسرعان ما يعلو شخيره .. )ص111
وتتطرق إلى آراء أنصار نسوية بعد الحداثة الذين يرون أن المرأة الأجدر بأن تكون المهيمنة على غرف صناعة القرار، من منطلق السيطرة الذكورية على القرار السياسي كانت وراء الظاهرة الاستعمارية واضطهاد الشعوب الضعيفة)ص113
وترى في تجديد أماكن المضاجعة يفجر ينابيع المتعة ص123، وهذا ما يجعل النشاط الجنسي هو أرقى وأجمل وألذ وأرفع نشاط يقوم به الإنسان، فكل درجات الوجود كائنة في هذا الفعل المبهر) ص127
وعندما نشب الخلافات بينها وبين زوجها رئيس جماعة أحباء الرسول بسبب زوجته الرافضة للحجاب ويحاول أحدهم سحب الرئاسة منه يقرر زواج أخته المطلقة ويتفاقم الصراع بينهما حتى يصلا إلى الطلاق الذي أصرت عليه وحصلت عليه، ليبقى الصراع قائماً بين هو وهي والحرية الجنسية وسيطرة الذكورة على الأنوثة مقدمة أسلوباً من الاعترافات التي تشابكت فيها العلاقات الجنسية مع السياسة والدين والجماعات الإسلامية المتطرفة في نسيج حكائي كاشف وفاضح قدمه النص محطماً تابوت المحرمات، محلقاً في فضاء ونص امتد على مساحة مئة وثلاث وسبعين صفحة من دون تقسيمه إلى مفاصل أو أبواب أو فصول، فسكبه كاتبه دفعة واحدة من خلال مسرود اعترافي لامرأة مثقفة ودكتورة إلا أنها واحدة من النساء الواقعين تحت السطوة الذكورية وخنقها في زوايا ضيقة لا تشبعها عاطفياً أو جنسياً، فهي التي تعيش لحظات نشوتها بكل كيانها أما هو فلا تزيد نشوته عن عشر دقائق، هي ترى أنه ليس في العالم من قضيب عاطفي ينغرس في جسد أيضاً عاطفي وأن عضو الحبيب يمكن أن يخصب حقول الرومانسية تحت جلد الحبيبة لتطرح أزاهير النشوة أما هو فلا يراها أكثر من متعة يمتطيها للحظات ثم يدير لها ظهره ليتركها في حالة حرمان فالرجل هو الرجل.
النص بجرأة ما طرحه من دون خجل ومن خلال توصيف لأدق التفاصيل التي نعيشها في علاقاتها المرتبطة بالجسد، سواء جسد الرجل أم جسد الأنثى الذي احتل المساحة الأكبر في مسرود النص الذي يضع مصطلحه مفتوحاً على عدة مناهج
فهل هو سيرة ذاتية لامرأة تعيش واقعاً قائماً على الصراع الدائم والأبدي ليس بين الرجل كرجل وامرأة كامرأة وإنما كجسدين يبحث كل منهما عن متعته من الآخر حسب ما يشبع غرائزه.
أم هو أسلوب تراسلي قائم على الاعترافات التي تخترق الحدود لتفصح عن أشياء يخجل كثير من قولها، فيقدم النص من خلال ذلك أنموذجاً لأدب الاعترافات القائم على سبر أغوار النفس الإنسانية، ونبش ما تراكم في دواخلها وإطلاقاً لكل مقدرة وثقة وقد كسرت حواجز الخوف والخجل، فقدمت اعترافاتها على قوائم لغة حملت إلى جانب المتعة كثيراً من المفارقات المدهشة التي تغري القارئ بمتابعة كل سطر من سطور هذا النص الشيق، وقد تكون مزيجاً من السيرة الذاتية وأدب الاعتراف، ليشكل الأسلوبان منهجاً يتجه إلى قانون الرسم الذاتي القائم على الذات ومثل هذا الجنس الأدبي من الصعوبة أن تحدد له قوانين يستقل بها عن سواه وإن كان يعطي المبدع حرية في البوح تساعده على الرسم الذي يقدم رواية على تقديم نفسه بما هي عليه وما انطوت سرائره عليه فهي أسلوب مفتوح على الثبات والشمول والإطلاق فيكون فعل الكتابة يدفع سارده لأن يكون مفتوحاً على البحث والرغبة في معرفة حقيقة الذات، فتبدو الإجابة عن سؤال: من أنا؟
وهذا ما يجعل من الرسم الذاتي مرآة الأنا، ولكنها مرآة مقعرة تحيل إلى مرايا الذات بما تحمله وما تفصح عنه كمحاولة لتقديم تحليل تأليفي يعترف بالذات ولا عجب بعد ذلك إن تماهت مع السيرة الذاتية.
وأيا كانت مرجعية سردية النص فإنه يبقى من النصوص الإشكالية التي تطرح كثيراً من الأسئلة حول صاحبها وبطلتها وجنسها وكلها أسئلة مشروعة من حقها اقتحام مثل هذا النص وسبر أغواره والكشف عن قيمته الفنية والإبداعية، ويمكن أن نؤكد في النهاية على نجاح المبدع محمد القصبي في إيهام القارئ بحقيقة هذه الرواية وحقيقة هذا الدفتر وحقيقة الدكتورة زينب رضوان.













1- صدرت الرواية عن مركز الحضارة العربية، القاهرة 2014
2- محمد القصبي : قاص وروائي وصحفي صدر له مجموعة من كتب القصص القصيرة والروايات حصل على جائزة الشارقة 1988 .
3- غلاف الراوية الأخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري