الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهزلة في خفايا المنطاد ..

احمد الحمد المندلاوي

2022 / 7 / 17
السياحة والرحلات


# تسلّق إحدى القمم العالية هرباً من أشياء كثيرة تجلب له ألوان التعاسة و الضجر و الرتابة،ولا يرغب أن يبقى هكذا و هو في أذيال عقده الخامس أسيراً لأمور تافهة،وأوهامٍ فارغة ؛و معلقاً بحبال واهية مهزوزة من الآمال المجهضة..

في لحظة وردية راودته فكرة اقتنع بها كليّاً ،من هنا قرّر أن يتحرر من كلّ قيد و صفد يريد أن يعكر مزاجه الشفّاف،ويخالف خلجات نفسه بحكمة واقعية،و يهجر حفنات من التملق و حُقنٍ من الزيفِ والتي يلفّها حبُّ الذات والمصلحة الشخصية.

لذا تراه باحثاً عن عشٍ جديدٍ يأوي اليه بلا إكدارٍ و إهدارٍ؛ آوى الى هذه القمة الحصينة ليبني له صومعة فيها بعيداً عن هزاهز الحب العنيفة..وتباريحِ الهوى؛و أروقة التباهي الفارغ،و ليهجر ميدانها المتقلب الى الأبد،و يفتح قلبه للأثير اللامتناهي..
عاش هادئاً مرتاحاً لا تلدغه عقارب الجفاء؛ولا أفاعي الهجران،و ديدان التخلف، سعيداً بتأملاته الملوّنة التي جمعتْ عمر الخيام، وبابا طاهر العريان كلٌّ منهما يتبطّأُ رباعياته العرفانية في مربد هذا الفضاء..والحلاج الدرويش ينتظر بلهف الشروع بتلاوة الأشعار ليعبأ في كشكوله العجيب شيئاً منها..هنا فرهاد ،و ررويش عبدي ،و زمبيل فرووش،وهناك شاعر العرفان سعدي الشيرازي ينثر حكمه من سماءِ شيراز الى أنحاء المعمورة..الى دلهي لتتواءم مع مقطوعات طاغور الساحرة،في سرادق سرمدية حكم زرادشت .

وذات صباحٍ رأى منطاداً زاهياً تسلّل الى ثنايا صومعته المتواضعة بهدوء؛و بلا إستئذان؛ولا جواز سفر،تلمس أركانه الرقيقة ليجدَ علامة للدولة الصانعة (ميد إن ..Mead In ،ساخت كشور ..) فلم يعثر على شيء غير كلمتينِ أزليتينِ (الإنسان- القدر) ، الصمت خيّم عليه برهبة ساخنة.. ثمَّ خاطب المنطادَ الزائر بلا دعوة:
- ماذا جاء بكَ الى هنا أيُّها المنطاد الجميل؟ هل جئت لتزاحمني..أم تبحثُ عن وكرٍ أكثر سعادة في هذه الصومعة المنسلخة من أتربة الأرض..ودخان المكائن و العجلات المزعجة؛والكروش المنتفخة،و القهقهات الزائفة،أم ما دافع مجيئكَ الى هنا تاركاً وراءكَ المصابيح الملونة،والأزاهير والوجوه المشرقة و ضجيج الأطفال..أم وراء الأكمةِ ما وراءها ؟ أم هناك في جعبتك أشياءُ من الصعب الخوض في غمارها؛أو التحدث عنها بهذه العجالة..تكلم أيها المنطاد الأبله؟؟
- غادرْ المكان فوراً .. و إرحلْ الى حيثُ شئتَ بعيداً عني.

صمتٌ بعد هذا الهذر من الكلام لأنَّه يخاطب جماداً،حتى و إن كان زاهياً جميلاً يبقى جماداً بلا روح..المهم عنده إنَّــه أفرغ شحناتٍ متنافرة كانت تنقرُ مخابئ ذاكرته..يكاد أحياناً يسمع أصواتَ النقر من بين حشاياه و تعاريج مخه.

بانت عليه ابتسامة هازئة..ساخرة من نفسه حيناً ،ومن هذا المنطاد الفضولي حيناً آخر . وفي أثناء هذا المعمعان راوده سؤال جدّي :

- أنا سعيد و مرتاح في صومعتي هذه..في أعالي هذا الجبل، فكيف بي اذا ما حلقتُ بهذا المنطاد الى قمة أشم،وأبعد من هذه ..قد تقارب الثريّا و درب التبّانة؛أو نلجُ في عالم الثقب الأسود..و بذا سأكون أسعد من هذه الحالة حتماً..إذاً سأمتطي صهوة هذا المنطاد الزاهي باحثاً عن سعادة أشمل،وهناء أكمل للروح، نائياً عن تباريح الجوى و سراديب الألم ..
ما إنْ ركب المنطاد حتى سقط الى الأرض فتعثر بحبٍّ جديدٍ؛ ومأوى أتعس!!
ر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م