الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يصبح العراق يوما سيد نفسه ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


تشكلت دولة العراق الحديث بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، حيث انتقل العراق من سيطرة الدولة العثمانية إلى سيطرة الانتداب البريطاني, وتأسيس المملكة العراقية بتنصيب الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة المكرمة ملكا على العراق عام 1921 بعد قيام سلطة الإنتداب البريطاني, إجراء إستفتاء شعبي نال بموجبها الأمير فيصل موافقة الشعب على تنصيبه ملكا دستوريا على العراق . نال العراق إستقلاله من سلطة الإنتداب عام 1932 , حيث أصبح عضوا في عصية الأمم والتي كانت تعد بمثابة هيئة الأمم المتحدة الحالية , وبذلك يكون العراق أول دولة عربية تحصل على هذه العضوية . وفي العام 1945، انضم العراق إلى هيئةالأمم المتحدة وأصبح واحدًا من الأعضاء المؤسسين لها.وفي العام نفسه أصبح عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية من بين سبعة أعضاء يومذاك . وقع العراق على حلف بغداد في عام 1956. نتج عن توقيع هذا الحلف تحالف كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان والمملكلة المتحدة. اتخذ هذا التحالف من بغداد مقرًا رئيسيًا له. مثل هذا الحلف تحديًا مباشرًا للرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر. أطلق الرئيس جمال عبد الناصر حملة إعلامية مضادة تشكك بشرعية الحكم الملكي في العراق، وذلك كرد فعل منه على توقيع هذا الحلف.
واجهت الدولة العراقية الوليدة تحديات إقليمية وتحديات داخلية جمة , تمثلت التحديات الخارجية بمطالبة تركيا بضم محافظة الموصل وأجزاء كبيرة من محافظتي كركوك وأربيل إليها بدعوى عائديتها لتركيا , والتي تم حلها بعد إجراء إستفتاء شعبي لسكانها تحت إشراف مجلس عصبة الأمم , والذي بدوره شكل لجنة تحقيق أوصت بأن تعود ملكية الموصل إلى العراق في ضوء نتائج الإستفتاء، فأُجبرت تركيا على قبول القرار على مضض من خلال التوقيع على معاهدة الحدود مع الحكومة العراقية في عام 1926, مقابل دفع العراق إتاوة مقدارها (10%) من العائدات النفطية في الموصل إلى تركيا لمدة 25 عاماً. كما قدمت الحكومة العراقية تنازلات هامة للبريطانيين بالسماح لهم بتأسيس شركة البترول التركية التي أصبحت تعرف لاحقاً بشركة نفط العراق .
واجهت الدولة العراقية مشاكل حدودية مع إيران التي لم تعترف بالدولة العراقية كدولة مستقلة حتى العام 1929 حيث عقدت إتفاقية فيما بينهما لتنظيم العلاقة والتنقل بين سكان المناطق الحدودية . وإستمرت العلاقات بين البلدين بين مد وجزر حتى يومنا هذا.
وعلى صعيد الداخل واجهت الدولة العراقية مشاكل وقلاقل ونزاعات وتمردات أثنية وعشائرية ومحاولات إنفصالية عن كيان الدولة العراقية , فضلا عن عدة محاولات إنقلابات عسكرية , نجح أحدها في الرابع عشر من تموز عام 1958بعزل الملك وإعلان تأسيس الجمهورية العراقية. نظّم حزب البعث انقلابًا عسكريًا في الثامن من شباط عام 1963 للإطاحة بسلطة انقلاب تموز والذي تعرض بدوره لانقلاب عسكري آخر في السنة ذاتها، لكنه تمكن من استعادة زمام الحكم في 1968. تسلم صدام حسين الحكم في عام 1979. خاض العراق حربا ضروس مع إيران في ثمانينيات القرن العشرين، واجتياح الكويت وحرب الخليج التي امتدت من 1990 إلى 1991، وفرض حصارا دوليا جائرا على العراق في تسعينيات القرن العشرين. أُزيل صدام من الحكم بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 . وما زال العراق يئن تحت وطأة الإحتلال وتداعياته حتى يومنا هذا, وكأن قدر العراق والعراقيين عدم الإستقرار وعدم الراحة , والعيش في دوامة صراعات لها أول ولا يبدو أن لها آخر.
وبقراءة موضوعية لمجمل تاريخ دولة العراق الحديث التي مضى على تأسيسها أكثر من مائة عام , يلاحظ عدم إمتلاك العراق لحرية قراره السياسي في معظم الآحيان ,بعيدا عن تأثيرات ونفوذ ومداخلات الدول الإقليمية والأجنبية التي غالبا أنها لا تصب في مصلحة العراق, كما يرى ذلك كثير من مواطنيه , مما يدفعهم إلى التمرد بعنف ضد حكوماتهم , وتبادل الإتهامات بالخيانة والعمالة للأجنبي بحق أو بدونه , وتدبير الإنقلابات العسكرية في جنح الظلام للإطاحة بهذه الحكومات . والغريب أن بعض هذه الإنقلابات تدبر بالتعاون مع مخابرات الدول الأجنبية وبتمويل منها وبشعارات رنانة تتغنى بالثورية والحرية والكرامة وسيادة الوطن .
كان نظام الحكم الملكي وإن كان يقوم على شرعية دستورية ونظام حكم برلماني مدني ظاهريا, إلاّ أن جوهره كان نظاما يرتكز على كبار الملاك والإقطاعيين ورؤساء العشائر , دون الإكتراث بمصالح الفقراء والمعدمين , ويخضع لنفوذ الحكومة البريطانية في كل شاردة وواردة والتي لا تهمها سوى مصالحها وفي مقدمتها ثروته النفطية . أما الحكومات الجمهورية التي أعقبت النظام الملكي التي إستندت إلى الشرعية الثورية التي خولتها لأنفسها عبر إنقلابات عسكرية دامية , لم تكن هي الأخرى مستقلة بحرية إتخاذ قرارارتها بمعزل عن إرادة بعض القوى الدولية والإقليمية , فحكومة إنقلاب الرابع عشر من تموز بزعامة عبد الكريم قاسم .كانت تتقاذفها صراعات حادة بين تيارين سياسين , أحدهما تيار وطني عراقي تدعمه الأحزاب الوطنية واليسارية من جهة وتحضى بدعم الإتحاد السوفيتي والصين ومجموعة دول المعسكر الإشتراكي , وتيار قومي عروبي تدعمه الأحزاب القومية والتيارات الدينية وتحضى بدعم ما كان يعرف بالجمهورية العربية المتحدة التي كانت تضم يومذاك كل من مصر وسورية , والتي تدخلت بشكل فاضح في الشأن العراقي وحبك المؤامرات للإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم , والذي تحقق بإنقلاب الثامن من شباط عام 1963 , لتبدأ بعدها مرحلة نفوذ واسعة للنظام المصري في الشأن العراقي في ظل حكومات تيارات القومية العربية المختلفة وفرسانها من العسكر المتخندقين معها والقابضين على زمام السلطة حتى العام 1968, يإستلام حزب البعث العربي الإشتراكي السلطة عبر إنقلابه العسكري عام 1968 والذي إستمر حتى العام 2003 حيث تم إسقاطه بعد غزو العراق وإحتلاله في ذلك العام ليدخل العراق بعدها في نفق مظلم لم يعرف بعد كيفية الخروج منه حتى الآن . تميزت هذه الفترة بالهدوء والإستقرار في سنواتها العشر الأول وبقدر جيد من التنمية الصناعية والزراعية وإمتلاك العراق لثرواته الطبيعية وفي مقدمتها الثروة النفطية التي آلت للعراق إستخراجا وإنتاجا وتسويقا , وبناء منظومة تعليمية راقية ومتطورة مكنته من القضاء على الأمية تماما , وكان العراق بحق على أعتاب نهضة حقيقية شاملة في جميع مناحي الحياة لو قدر لها أن تستمر لفترة أطول . تمكن حزب البعث في المرحلة الأولى من حكمه من التغلغل في جميع مفاصل الدولة , وبخاصة مفاصلها الأمنية والعسكرية وبناء نظام مخابراتي ربما كان الأفضل في المنطقة حتى العام 1979 , ليتحول بعدها إلى قبضة القائد الفرد , وتتحول تنظيمات الحزب وهياكله إلى دور الإسناد للقائد بدلا من دور صانع القرارات كما يفترض ذلك بموجب نظام الحزب , الأمر الذي جر على البلاد والعباد الكوارث والويلات التي أدت بالنتيجة إلى القضاء على الدولة العراقية برمتها وعودتها إلى عصور التخلف وربما ما هو أسوء منها .
أما اليوم بعد غزو العراق وإحتلاله عام 2003 لم تعد هناك دولة عراقية بمفهوم الدولة , بل كيانات متناثرة تتحكم فيها تيارات سياسية وكأنها إقطاعيات خاصة بكل منها , وتفرض قوانينها وأعرافها بقوة سلاح مليشياتها وفصائلها المسلحة تحت حماية ودعم دول إقليمية وأجنبية إتخذت من العراق ساحة لبسط نفوذها بما يؤمن لها مصالحها ونهب ثروات العراق , دون الإكتراث لمصلحة العراقيين وتأمين الحد الأدنى لمعيشتهم , وكأن العراق ضيعة من ضياعهم المفقودة التي عثروا عليها بضربة حظ .وبات العراق اليوم عاجزا عن تشكيل حكوماتها ما لم تتم الموافقة عليها من بعض دول الجوار والقوى الدولية المؤثرة في الساحة العراقية.
فهل يا ترى يعي العراقيين حظهم العاثر الذي أوقعوهم فيه في غفلة من الزمن , حفنة من الدجالين والطبالين لكل ما هو باطل تحت أغطية زائفة من الورع والتقوي , ويستعيد العراق عافيته ويصبح العراق سيد نفسه , عزيزا مهابا في محيطه الإقليمي والدولي , بما وهبه الله من قدرات بشرية وموارد طبيعية قل نظيرها . إن غدا لناظره قريب والله المستعان في الأول وفي الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟