الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الرزاق قرنح ، الذهب الأسود

محمود يعقوب

2022 / 7 / 18
الادب والفن


عبد الرزاق قرنح ، الفردوس الأسود
كانت سنة ٢٠٢١ سنة الأدب الأفريقي المتألق عالمياً ؛ حيث ظفر أربعة روائيون أفارقة بأربع جوائز تعد من أرفع وأرقى الجوائز الأدبية في العالم . وهم كل من الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح ، الذي فاز بجائزة نوبل الأدبية . والروائي السنغالي ديفيد ديوب ، الذي فاز بجائزة البوكر العالمية عن روايته ( شقيق الروح ) ، والروائي والكاتب المسرحي الجنوب أفريقي دايمون غالفت ، الذي فاز بجائزة البوكر البريطانية ، عن روايته ( الوعد ) ، ثم فوز السنغالي محمـد أمبوغا سار عن روايته ( أكثر ذكريات الرجال سرية ) بجائزة الغونكور الفرنسية .
إن الدفق الأدبي الذي انسكب من العروق السود في تلك السنة ، أثار ، ويظل يثير ، الانتباه إلى إبداع القارة السمراء ، التي أصيبت بالحيف والهضم على مرّ العصور ، ويروي قناعة الجمهور الثقافي بأن هذه القارة لم تعد الصحراء القاحلة ، التي تتوهمها الأذهان ، وإنما كنز مدهش من كنوز العالم الفريدة .مع التأكيد ، في هذا الصعيد ، على أن أغلب هؤلاء الكتّاب يكتبون بلغة الدول التي لجئوا إليها ( بلغة الاستعمار ) ، أي باللغة الإنجليزية أو الفرنسية ؛ وبذلك فهم يختلفون عن مواطنيهم اللذين استمروا يعيشون في بلدانهم ، والذين حرصوا على التمسك بلغاتهم الوطنية ، مثل الروائي الكيني نغوجي واثيونغو ؛ وهذا التفاوت يخلق مسحة من الحساسية ، على مستوى المتلقي الأفريقي على أقل تقدير .
◘ ◘ ◘
جميع المؤهلين لنيل جائزة نوبل هم كتّاب مشهورون ، لكن عبد الرزاق قرنح بعيد كل البعد عن الشهرة . إنه غير معروف جيداً حتى في أفريقيا وموطنه الأصلي تنزانيا . وبالنسبة للوسط الأدبي العربي ، فإن قرنح كاتب مجهول تماماً ، ولم يتح ترجمة أي عمل أدبي من أعماله .
وُلِدَ قرنح في 20 ديسمبر 1948 في سلطنة زنجبار بشرق أفريقيا ، وهو ينحدر من أصول عربية ، فوالده مهاجر من منطقة حضرموت اليمنية . بعد ثورة عام 1963 ، كان الوضع السياسي مضطرباً في الجزيرة ، وتفشّى العنف ؛ وأجبر قرنح على الهجرة والنفي إلى المملكة المتحدة ، وكان في ذلك الوقت يبلغ من العمر 18 عاماً . في بريطانيا واصل دراسته ، على أمل أن يصبح ” شخصاً مفيداً ” في المستقبل ، كأن يصير مهندساً على سبيل الافتراض ؛ ولكنه تحت وطأة الهموم والأحزان ، ورهافة أحاسيسه لجأ إلى الأدب والكتابة ليجد فيها عالمه الحقيقي ، وهويته المفقودة .
في عام 1987 ، صدرت روايته الأولى ( ذكريات الفراق ) . ومنذ ذلك الحين نشر تسع روايات أخرى ، منها : ( الفردوس ) عام 1994 ، و ( الهجر ) عام 2005 ، و ( بعد الحياة ) عام 2020 . كما نشر العديد من القصص القصيرة ، والبحوث والدراسات الأدبية .
في معرض حديث الأكاديمية السويدية عن أدب عبد الرزاق قرنح ، ذكرت بأن أدبه يمثل ” نظرة ثاقبة ورحيمة حول تأثير الاستعمار ، ومصير اللاجئين من قارة إلى أخرى ، ومن ثقافة إلى ثقافة ” ، و ” شخصيات قرنح المتنقلة تجد نفسها في خلاف بين الثقافات والقارات وبين الحياة الماضية والحياة الناشئة ، وهي حالة من انعدام الأمن لا يمكن حلّها أبداً ” . كما تلاحظ الأكاديمية السويدية أن ” مواضيع انقسام اللاجئين تدور في أعماله ، أي الحياة في المنفى ، والهوية والصورة الذاتية ، والشعور بالانتماء إلى الأماكن التي يلجؤون إليها ” . وقد أوضح الكاتب ، عقب فوزه بالجائزة قائلا ً : ” الهجرة ليست قصتي فقط ، إنها ظاهرة في عصرنا ” .
يضع البعض عبد الرزاق قرنح في خانة كتّاب ما بعد الاستعمار ، غير أنه يرفض هذا التصنيف ، مع اعترافه بهويته تماماً كمهاجر ولاجئ ؛ ولهذا السبب أصبحت ذكرى وحنين الماضي بعد مغادرة مسقط رأسه أو حتّى فقدانه ، فضلاً عن الألم الناتج ، الموضوع الرئيسي والعنصر المهم في إنشاء أدبه . وقد علّقت الأكاديمية السويدية في هذا الصدد بالقول : ” الذاكرة هي دائماً موضوع مهم في كتابات قرنح ” . وبحسب التقارير الثقافية ، فإن أشهر أعماله الأدبية هي رواية
( الفردوس ) ، التي طالما تقارن بالرواية الشهيرة ( قلب الظلام ) للروائي جوزيف كونراد ، ثم رواية ( هجر ) ، ورواية ( بجانب البحر ) ؛ وقد تم ترشيح بعضها لجائزة بوكر البريطانية عدّة مرّات . في هذه الأعمال ، يعتمد قرنح على تجاربه الخاصة بالهجرة واللاجئين لإنشاء سلسلة من القصص التي تدور أحداثها في شرق أفريقيا وبريطانيا قبل الاستعمار وبعده ، مع التركيز على هوية بطل الرواية ، والصراع العرقي ، والاغتراب الاجتماعي والثقافي ، والقمع الجنساني ، وموضوعات مثل الكتابة التاريخية ، إحياء لذكرى الوطن الذي لا يمكن إرجاعه ، استخدم الكلمات لتجميع شظايا الذاكرة ، والتعبير عن مشاعر الوطن الأم ، ووصف الوضع المحرج للعيش في الفجوة بين الثقافتين مع البطل المُصمّم بعناية . يمكن القول أن كل عمل من أعمال قرنح تقريباً ” ملحمة وطنية مصقولة من الذاكرة الشخصية ” وكلها تتناول التجارب المروعة والمؤلمة للمهاجرين في بريطانيا .
يعتقد Huensa Hurasada ، وهو ناقد أدبي غربي معروف ، أن قرنح قدّم مساهمتين هامتين في الأدب الأفريقي في القرن الحادي والعشرين : ” المساهمة الأولى هي الطريقة التي يقدّم بها مشكلة الهجرة الأفريقية للقرّاء ، والتي يعتقد أنها يجب أن تكون مثل عامل مرجعي مهم في تعريف الأفارقة . والمساهمة الثانية هي أن عمله له أهمية كبيرة في بناء وفهم تاريخ مجتمعات الأسرة ” . ويعتبر الباحث البريطاني جايلز فودن عبد الرزاق قرنح ” أعظم كاتب على قيد الحياة في القارة الأفريقية ” . كما قالت الروائية الأثيوبية مآزا منيجيست واصفة عمل قرنح بأنه :
” مثل سكين لطيف يتحرك ببطء ” ، ” قد تبدو جمله ناعمة ، لكن الزخم الذي يتراكم يشبه السكين بالنسبة لي ” ، ” إن عمل قرنح شاق وقوي ، لكنه في نفس الوقت مليء بالرحمة لشعوب شرق أفريقيا ” .
وعلى الرغم من أن أسلوب عبد الرزاق قرنح يستخدم اللغة الإنجليزية كلغة أدبية ، إلّا أن نثره غالباً رما يحمل آثار اللغة السواحيلية واللغة العربية . وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز : ” استعار قرنح بنجاح صور وإيقاع وقصص القرآن والشعر العربي والفارسي ، وخاصة الإلهام والشغف الإبداعي من الليالي العربية ، وهي تحفة من روائع الأدب العربي . في الواقع غذّت هوية سليل البلد العربي ، اليمن ، ، وتأثير اللغة العربية لوالديه ، والتعددية الثقافية في زنجبار ، وتأثير الثقافة والفن الإنجليزي والغربي ، الروحانية الفنية لعبد الرزاق قرنح ، وأثرَت تراكمه الأدبي ، فجاء أسلوبه الفني متلوناً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟