الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتظار بنت الملك

ياسر العدل

2006 / 9 / 22
كتابات ساخرة


فى طفولتى المبكرة، كنا أولاد الحارة صبيانا وبنات نلعب الاستغماية، بعضنا يختبئ وراء أكوام السباخ والقش والحطب والزرائب، ولسبب غير مبرر كانت احدى بنات الجيران مفترية أثناء لعبة الاستغماية، سريعة الجرى تطاردنا حول أماكن اختبائنا، حين يأتى دورها فى المطاردة بسرعة تمسكنى تجرنى من قفاى إلى الأماية مكان تجمعنا، تصيح على مشهد من الجميع هيه مسكت العجل، عند هزيمتى اضرب الأرض واغضب واقسم لفريقنا أن البنت لم تمسكنى، وكيف تمسكنى بنت الجيران وأنا أسرع فى الجرى من كلب خالتى نزهة، وحين يكرر أولاد حارتنا شهادتهم على هزيمتى من بنت الجيران اغضب وأهدد بالانسحاب من كل فرق اللعب الرياضية فى الحارة وأسرف الوعيد لبنت الجيران بأننى سأتزوج أفضل منها ألف مره، وأقسمت لأولاد حارتنا أننى سأتزوج بنت الملك0
حين أصبحت تلميذا فى الابتدائى أصبح عالم مبارياتى الرياضية قاصرا على الأولاد دون البنات وتأكد لأهل قريتنا أن الملك فاروق غادر مصر بعد خلعه عن العرش، وأن قوما آخرين استلموا العرش هكذا انشغل بعض أهلنا فى التعرف على نظام الحكم الجمهورى الجديد، ونسيت أن ابذل جهدا كافيا للتأكد من أن فاروق أنجب بنات صالحات ترضين طموحاتى فى الزواج من بنت الملك0
حين أصبحت طالبا جامعيا انشغلت بالدراسة مع وضع الصورة المناسبة للأميرة بنت الملك التى سأتزوجها، ولأننى لم أعاشر فاروق فى النظام الملكى ولم أكن عضوا فاعلا بالنظام الجمهورى الجديد وجدتنى لا أحسن التفرقة بين الملك وبين رئيس الجمهورية، وحين حصلت على الشهادة الجامعية وشغلت وظيفة حكومية كان رئيس الجمهورية قد أصبح هو الملك الجديد، عندها اشتركت فى أول جمعية مالية مع زملائى وبعض أولاد حارتنا، هى خمسة جنيهات شهرية يدفعها كل فرد من عشرين فردا لتكون مائة جنية يحصل عليها كل مشترك حسب دوره فى الترتيب، وحين دخلت الجمعية الثالثة وأصبحت على مقربة من الثلاثمائة جنيه وهو مبلغ كاف فى الستينات القرن الماضى لشراء ثلاث حمير أو بقرة عشر أو جاموسة ناصحة أو تجهيز زوجة طيبة، اكتشفت أن الملك رئيس الجمهورية رجل عسكرى، ولأننى فلاح يعانى الأمرين من تعنت العسكريين رأيت أن الملك العسكرى لا بد أن يفضل العسكريين أزواجا لبناته فعزفت مؤقتا عن الزواج من بنت الملك الرئيس، ولم اهتم بعرفة بنات الملك الرئيس أو أضع معاييرا لصلاحيتهن زوجات لى، وحين تأكدت أنى من فصيل غلابة الموظفين ولست من فصيل كبار العسكريين أو المثقفين وجدتنى مواطنا خارج دائرة المؤسسات الحزبية لم أصب منصبا كبيرا هنا ولم يعدنى أحد بمنصب اكبر هناك، هكذا قررت أن أعيش عيشة أهلى وأتزوج بنت عادية مرجئا زواجى من بنت الملك الرئيس لحين ميسرة، وسارت بى الدنيا موظفا رقيق الحال وأصبحت مع رقتى أبا وزوجا عاديا أتدرب كل يوم على الصبر والاصطبار على نكد الحكومة والدولة والزوجة والأولاد0
منذ ثلاثة أعوام فقط وبعد تجرع نكد الزواج وغلاسة الأولاد طوال أكثر من ربع قرن، رأيتنى حصانا عزيزا ذل بالزواج، رأيتنى خيلا حكوميا عجوزا يجهزون العدة لاغتياله، لا حرية لى فى اختيار قاتلى ولا رأى ولا قول مسموع، فقررت أن استعيد بعضا من إرادتى واستنفر قدرتى على الرفض وأن أقول للزواج الماسخ لا ولأن اختار لقاتلى ساحة الوغى، قررت أن اترك البيت والزوجة والأولاد وأن أسعى جاهدا لتحقيق حلمى القديم فى الزواج من بنت الملك، هذه المرة فى الزواج من بنت الملك رئيس الجمهورية، وبدأت افتح أذناى واسمع دبيب النمل ساعيا لجمع المعلومات عن الزوجة المرتقبة، عند محطة بنزين كبيرة قال سائق الأتوبيس هذه محطة بنزين ابن رئيس الجمهورية، وعند أول جلسة تسرية بين أصدقاء عن نكد الزوجات قال احدهم أن ابن رئيس الجمهورية يريد فتح جدار شقته الصغيرة فى أسوان ويصلها بشقته الصغيرة فى الإسكندرية، وان شقتيه الصغيرتين اشتراهما من مصروفه الخاص، وفى جلسة من جلسات النميمة على القيادات الحزبية والمدنية وموظفى المحليات وسياسات الجواز والطلاق والحكم والديمقراطية اجمع الجالسون على أن الملك الرئيس ليس لديه بنات بالمرة، واقسم كثير منهم أن لدية معلومات مؤكدة أنه رغم العمر المديد والصحة الحديد لملكنا الرئيس، أمد الله فى عمره وعافاه، فانه لا يفكر فى إنجاب بنات، وحين قرأت الصحف وفتحت التلفاز وشاهدت الملصقات تدعونى بالتعقل والعودة إلى البيت رجلا نصف متزوج أفضل من عجوز مشرد، رأيت من يؤكد فى الصحف ومجلس الشعب ودواوين الحكومة أن فى مصر ليس هناك ملك، ويؤكد أن فى مصر رئيس جمهورية دستورى متخصص فى إنجاب الذكور وليس منجبا للبنات، هو ليس ملكا ولكنه ملك رئيس، وحين تأكدت بنفسى من هذه الوقائع رأيت بداية انهيار أحلامى، هكذا سأموت دون الزواج من بنت الملك، سأموت مكسور الجناح حانثا فى يمين أقسمته أمام الجموع من أولاد حارتنا وبدأت الناس تؤكد على مأساتى وتصنع ضجيجا متعمدا مع ابن الملك الرئيس أو ضده ، يصنعون دعاية ضخمة فى كل وسائل الإعلان وكأن ليس مثل ابن الملك الرئيس احد، وان ابن الملك الرئيس إنسان عبقرى جرئ مقدام اتخذ خطوة نحو الزواج وخطب فتاه ليست بنت ملك، هكذا وجدتنى عائلا دون أن اغنى لا يبقى لى من شأن فى هذه البلاد غير الدعاء لأبن الرئيس الملك أن يتزوج فعلا وأن يكون متخصصا فى إنجاب البنات دون الأولاد، أدعو له بالخصوبة وإنجاب آلاف البنات، ففى بلادنا ابن الرئيس هو رئيس، وبنات الرئيس أميرات، وفى بلادنا فقهاء يفسرون مواد الدستور على أن يكون رئيسنا القادم هو رئيس ملك، هكذا حين يتحقق رجائى ويطيب دعائى بأن ينجب رئيسنا الملك القادم دون الذكور آلافا من البنات الجميلات، وهكذا إذا تمسكنا بروح دستورنا الحالى بأن يكون مليكنا رجلا رئيسا، عندها سيكون رئيسا الملك القادم دكتاتورا عظيما يخشى الرجال أن يناسبوه، وستبقى لدية ثلاث أو أربع من بناته أميرات عانسات تشحذن ظل أى رجل، عندها ستأتينى فى آخر العمر أكثر من فرصة مواتية للزواج من بنت الملك الرئيس، وسيجد أولاد حارتنا فرصة حقيقية ينتخبون فيها يملئ إرادتهم، رئيس جمهورية غير وارث 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: ليس لي منافس على الساحة الفنية ولا يوجد من


.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض




.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف