الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع سيد الشعراء العرب مُظفّر النوَّاب ، قصيدة : -صُرّةُ الفقراءِ المملوءةِ بالمتفجراتْ- ، وَصْفٌ وترجمة 1-2-3

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 7 / 18
الادب والفن


وصف القصيدة
يقدِّم الشاعر لموضوع قصيدته بهذا النص الموجز و المعبر :
""أبو مشهور مقاتلٌ فلسطيني ، قاومَ في مذابح الأردن ، ورفضَ أن ينسحب ، وماتَ بظروف غامضة بعد ذلك . في "أبو مشهور" فردٌ ورمزٌ في القصيدة ."
إذاً ، فموضوع القصيدة هو قصة ذلك المناضل الفلسطيني الحر الصلب المؤمن بقضيته و الذي يعرف الطريق الصحيح المؤدي لها عبر المقاومة المسلحة ، فيبقى متمسكاً بها بأي ثمن ، حتى لو اقتضت ضرورة الثبات على شرف الموقف المقاوم الجود بالنفس على مذبح الثورة للظفر بالحرية : الموت ثابتاً في الموقع و لا الانسحاب . و عبارة "مذابح الأردن" تشير الى مذابح "أيلول الأسود" التي اقترف جرائمها صنيعة الغرب ، الملك حسين بن عبد الله ، غدراً ضد الفدائيين الفلسطينيين الأبطال عام 1970 ، و التي راح ضحيتها بكل خسة و نذالة مالا يقل عن 5000 بطلاً فلسطينياً أعزل ، ناهيك عن عشرات آلاف المصابين . أما عبارة "مات بظروف غامضة" فتستحضر الشهادة بفعل الغدر الخفي المبيت للإنسان لأخيه الانسان . و يردف الشاعر هذا الايجاز بالقول : " في "أبو مشهور" فردٌ ورمزٌ في القصيدة " لتثبيت كون الشهيد أبا مشهور – علاوة على بطولته الشخصية في مطاولة الظلم حتى النفس الأخير – إنما هو الرمز لكل شهداء الثوار طوال القرن العشرين في كل أرجاء العالم ممن جادوا بأنفسهم بكل نكران ذات فاستحقوا مجد البطولة ، وإن لم يحفلوا بالشهرة قيد شعرة ، و بقيت أسماء أكثرهم شبه مجهولة ، إلا في الذكريات العزيزة المختزنة بضمائر رفاقهم و معارفهم ، و التي ما تلبث أن يمحوها في غياهب النسيان تقادم الأزمنة. و ينم اختيار الشاعر لكنية "أبو مشهور" عن التوكيد بأن أعظم شهداء الثورات ضد الظلم عبر التاريخ إنما هم من ذوي الأسماء المجهولة ، لذا فهم الأحق من غيرهم بهذه الكنية المعبرة عن حقيقتهم و ما يجب أن يكون ، عكس تجليات الوقائع اليومية المشهودة في الصراع القائم بين أنصار الحرية و العبودية و الذي يشعل أواره و يموت دونه الشجعان و غالباً ما يقطف ثمار شهرته الانتهازيون و الخونة .
تتألف القصيدة من أحد عشر مقطعاً شعرياً متنوع الطول ، منظوماً على البحر الكامل (بتكرار تفعيلة "مُتَفاعِلُنْ" ست مرات) التام و المضمور ("مُتَفاعِلُن" تصبح : "مُسْتًفْعَلُنْ"). و من المعروف أن الكامل هو أحد أجمل و أغنى البحور الشعرية العربية بموسيقاه ، لكونه الوحيد الذي يحتوي على ثلاثين صوتاً متحركاً ، أي أنه أكثر حركات من كل بحر آخر ؛ كما أنه أسلسها في التطويع لمقتضيات التعبير الشعري لتعدد تنويعاته. ومن الجدير بالذكر أن العديد من الأناشيد (مثل النشيد النبوي : طلع الـبدر عليـنا مـن ثنيـات الوداع) منظومة على هذا البحر لجمال ايقاعه .
و لا يحفل الشاعر في هذه القصيدة – كما في العديد من قصائده الأخرى المنظومة بالعربية الفصحى – بالقافية كثيراً ، و إن يحرص على قفل مقطعه الستة الأولى و المقطع التاسع بقافية الألف المتبوعة بالهمزة المسكَّنة : (الأسماء ، الأسماء ، العرجاء ، بدون حياء ، الفقراء ، الشهداء ، الصحراء) ، فيما يقفل بقية المقاطع الأربعة بحرف الروي الممدود (أخرى ، كبرى ، بتربتها ، بتربتها) .
ينص المقطع الأول للقصيدة على :

"أفَلَ الليلُ ،
وَقبرُكَ في الأُفُقِ الشرقيِّ يُوازي الشمسَ ،
يُوازي همَساتِ السَّعفِ ،
وَثمةَ طيرٌ منكفئٌ تَدفعُهُ الريحُ ،
ورأسُكَ في الطينِ الباردِ ساكنةٌ
ترتاحُ إلى حَجَرٍ أرحَمَ من هذي الدُّنيا وسفالتِها ـ
فالعالمُ آلةُ إيذاءْ .
لا تتغيرُ بعد الآنَ ، ولا الأرضُ ،
فإنَّكَ بالاسمِ الأولِ أحلى الأسماءْ ."

يقدَّم هذا المقطع – مثلما يحصل في مستهلات النصوص الدرامية و القصصية – لزمان و مكان الحدث : قبر الشهيد وقت الفجر وهو يوازي الشمس الطالعة و همسات سعف النخيل ، فيما الريح تدفع الطير المنكفئ . هذا المشهد الرهيب يماهي قبر الشهيد مع طلوع الشمس و همس السعف و انكفاء الطير المحلق في الريح : ثلاثة رموز متضاربة في ثلاثة مصاريع شعرية متتالية . أولهما يذكرنا بتجدد الحياة رغم الموت، وثانيهما بخلودها ، وثالثهما بانكفائها القدري ضد الأحرار . ثم يتحول للقبر المجهول للشهيد ، فيصف رأسه الساكنة في الطين البارد على حجر هو أرحم من هذه الدنيا . الطين البارد و الحجر الأصم (الطبيعة) هما أرحم من الدنيا و السبب في هذا تعلنه بعدها مباشرة الجملة الضربة : "العالم آلة إيذاء" بفعل ظلم الانسان لأخيه الإنسان . و مادام الشهيد قد مات و ارتاح من ظلم هذه الدنيا ، فلن يصيبه المزيد من الأذى بمقامه الأخير هذا لكون الطين و الحجر غير مؤذيين كالبشر ، و سيبقى معروفا بإسمه الأول "أبو مشهور" الذي هو أحلى الاسماء لشهيد مغدور مجهول القبر . الشاعر هنا يواسي الشهيد و يعظمه .
يلاحظ في هذا المقطع الاستهلالي – مثل كل أشعار سيد الشعراء العرب مظفر النواب – مبلغ ضبط الشاعر لموسيقاه الشعرية و حرصه على رسم الصور الفية الجديدة و على صياغة الجمل و التعابير المكتنزة بالمعاني المستحدثة في الشعر العربي . و سنرى كيف سيحلق الشاعر ببطله هذا من القبر الى عوالم ملحمية لبطولات تحبس الانفاس قبل أن يعيده مرة الى جدثه .

يتبع ، لطفا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم


.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في




.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش