الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلة التنظيم السياسي

أحمد فاروق عباس

2022 / 7 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


من المشكلات الكبري التي تواجه مصر حالياً ، وفترة الرئيس السيسي عموماً ، ومن سيأتي بعده ، والتي تضع المستقبل المصري كله أمام مخاطر لا يستهان بها ، معضلة غياب التنظيم السياسي ..
وظني أن هذه المشكلة هي الأكبر والأخطر علي مصر الأن وفي المستقبل ، وان ضاع أثرها الأن وسط الضجيج ، فممارسة السياسة والتنافس السياسي الحقيقي هو لب الحياة العامة في أي دولة ..
وتواجه مصر في هذا الطريق العقبات الأتية :

١ - ان التنظيمات التي تنشأ في حضن السلطة معروف نهايتها ، وهي أقرب الي الفقاعات التي لا تترك أثراً أو تؤكد قيمة ، وتظن انها بصنع الضجيج السياسي تصنع شيئاً أو تترك أثراً..
وقصة مصر مع هذا النوع من التنظيمات طويلة ، بدءاً من حزب الشعب الذي أسسه اسماعيل صدقي بعد تولية رئاسة الوزارة عام ١٩٣٠ ، مروراً بالاتحاد الاشتراكي أيام عبد الناصر ، ثم الحزب الوطني أيام السادات ومبارك ، وحزب مستقبل وطن الأن .
٢ - ان مصر وهي تلتفت حولها وتفتش في ذاتها تبحث عن أفكار كبري أو أحزاب قوية لا تجد سوي السراب .
٣ - ان الاتجاهات السياسية الرئيسية في مصر هي : الاتجاه الوطني ، الاتجاه العروبي ، الاتجاه الاسلامي ، الاتجاه اليساري ، الاتجاه الليبرالي ..

وسوف نحاول فهم كل تيار وما يرجي منه لمصر مستقبلاً ..

أ - الاتجاه الوطني : كان تعبيره الأبرز والأرقي حزب الوفد القديم ( ١٩١٩ - ١٩٥٢ ) ولكن تغير العصور ذهب بالقيم الكبري التي حملها حزب الوفد ، وعندما عاد عام ١٩٧٨ كانت القضايا قد اختلفت عما سبق ( الاستقلال والدستور) ، ثم نشأت احزاب تحاول وراثة فكره ( وهي فكره الاتجاه الوطني ) كالحزب الوطني ايام السادات ومبارك ، ولكنه تعثر في كتلة هلامية بلا فكر يجمعها او حركة تجمع وتحشد ..
وبالتالي فإن هذا الاتجاه - وهو اتجاه حقيقي ووراءه كتل جماهيرية مؤثرة - ينتظر التعبير السياسي الحقيقي عنه حتي الان ..

ب - الاتجاه العروبي : والناصريين تعبيره الأبرز ، وقد انقسم الناصريون الي قسمين ، قسم وقف فكره وتجربته السياسية عند مساء ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ يوم انتقل عبد الناصر الي رحاب الله ، وبالتالي لم يدرسوا ولم يستوعبوا ما مر علي الدنيا من متغيرات من وقتها والي الان ، وهي تغيرات هائلة قلبت الدنيا رأساً علي عقب .
والقسم الاخر وجد في هجاء الانظمة الحاكمة راحة يقنع بها نفسه انه ما زال يناضل ، ولم يحاول أحد أن يدرس أولاً ما جري ثم ان يفهم ويستوعب حركته ثم يقدم اجتهاده ورؤيته باستقامة وأن يجذب حوله الأنصار كما يحدث في كل الدنيا ، وضاعت قلة وراء ضلالات التمويل الأجنبي ترفع شعارات عبد الناصر نهاراً وتنتهك براءتها وعذريتها ليلاً ..

ج - التيار اليساري : انقسم بدوره الي ثلاثة أقسام ، القسم الأول مازال مؤمناً بالمقولات القديمة لماركس ولينين ومازال يرددها بعد أن ذهب بريقها وانطفأ وهجها ، وبعد أن هجرها اصحابها الاولين في روسيا ( ١٩٩١) والأن في الصين ، والقسم الثاني ( وهم الاشتراكيين الثوريين ) وجد في التطرف اليساري الذي اشتكي منه لينين نفسه ملاذاً ومستقراً ، فهم دائما ناقمون علي الكل ساخطون علي جميع العصور والتجارب ، يجدون عدوهم الأكبر في فكرة الدولة كبناء وكمعني ، وقد ذهبوا في هذا الطريق الخطر حتي أقصي اليمين بالتحالف مع الاخوان بل وداعش ما دام هدفهم تدمير الدولة ، دون أن يسألوا أنفسهم السؤال البسيط : ثم ماذا بعد ؟
والقسم الثالث نسي المقولات القديمة وذهب يقدم نفسه كداعية لحقوق الانسان أو مبشراً بملائكية ساذجة بالغد الأتي ، وأجمل الايام تلك التي لم نعشها بعد ، وأجمل البحار، تلك التي لم نبحر فيها بعد .. الخ .
والخلاصة أن التيار اليساري تاه وسط المتغيرات العظمي التي ضربت العالم في العقود الاخيرة ، ولم يعثر حتي الان علي صوته او علي نغمه صحيحة يقدم من خلالها نفسه مرة أخري للناس ، وانفض من حوله حتي من يتوجه بخطابه اليهم من الكادحين والشغيلة وملح الأرض ..

د - الاتجاه الاسلامي : وهو مشكلة المشاكل في مصر والعالم العربي الأن ، بعد أن لجأ الي الارهاب صراحة ، وبعد أن ذهب بعيداً في التحالف مع قوي اقليمية لا تخفي طموحاتها في بعث امبراطوربات اندثرت ، وبعد أن وضع نفسه في خدمة مشاريع لقوي عظمي ، كمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي اقنعت امريكا الاخوان أنه بساط الريح الذي سيحملهم الي قصور الحكم والصولجان علي طول العالم العربي وعرضه ..

وبعد اكثر من ٢٠ سنة من سير الاخوان وراء هذه المشاريع المريبة - المشروع التركي ببعث العظام وهي رميم واعادة خلافتهم البائدة ، ومشروع الامريكان بإقامة شرق أوسط اسلامي تأخذه الي صراع طويل ومدمر مع الحضارة الصينية والحضارة السلافية الأرثوذكسية ( روسيا ومحيطها الحضاري ) كما تنبأ بذلك وطالب صمويل هنتنجتون عام 1996 في كتابه الشهير " صدام الحضارات " ووراءه مؤسسات القوة في الغرب كله - أقول بعد هذه السنوات العشرين من السير وراء السراب ماذا جني الاخوان ومن معهم من تنظيمات ؟!
اتجهوا الي الارهاب بلا ستار ، واصبح همهم تدمير الجيوش وتخريب الدول والانتقام منها بعد أن يأسوا من حكمها ..

وبغض النظر عن أي شئ ، اذا اراد الاخوان في زمن ما وفي ظروف مختلفة العودة الي المجال السياسي ، واذا تم السماح لهم بذلك - اذا - فلابد لهم أن يراجعوا تاريخهم كله ، وان يصلوا في ثلاث نقاط رئيسية الي قول فصل - وان يقتنع عموم المصريين بذلك - وهي :
- كيف لتنظيم سياسي ان تكون له اجنحة سرية تمارس الارهاب والقتل والتحريض عليه وبلا حياء ؟
- ما هي حدود استخدام الدين في السياسة ، وأين ينتهي الدين ويبدأ الاختلاف السياسي والعكس .
- كيف يستقيم وجود تنظيم أممي له امتدادات دولية في كل مكان ، تنظيم دولي له الكلمة المسموعة علي التنظيمات المحلية حتي لو وصلت الي كراسي السلطة ، كيف يستقيم وجود هذا التنظيم الدولي والتنظيمات المحلية التابعة له مع وجود الدولة الوطنية الحديثة وسيادتها ؟ ومن هذه النقطة بالذات ( وتطبيقاتها علي الارض ) جاء - وسيجئ دائماً - صدام الاخوان مع الجيوش الوطنية ..

و - الاتجاه الليبرالي : وابرز ممثليه حزب الغد لأيمن نور وحزب الدستور الذى أسسه محمد البرادعي وحزب الجبهة الديموقراطية الذى أسسه أسامة الغزالي حرب ، وقد أضاع هذا الاتجاه نفسه سياسياً بالتحالف مع قوي دولية لها مطالبها ، واضاع نفسه اقتصادياً بتبني وصفات المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبري بلا تحفظ .

.. مصر تحتاج الي حركة تجديد كاملة في الفكر السياسي ، وفي الخطاب السياسي ، وفي الممارسة السياسية ، وما لم تدرس الاتجاهات السياسية الكبري تجربتها هي اولاً وتجربة مصر في العصر الحديث ، وتجارب العالم من حولنا ، سنظل في هذه المتاهة ، ندور حول أنفسنا ، نتهم الدولة والنظام حيناً ونتهم الظروف حيناً أخر ، في حين ان الحل في مكان أخر ، ولكن يلزمه جهد كبير وعلم وعمل واستقامة وأمانة ..

هل من قبيل الصدف مثلا ان اياً من تلك الاتجاهات السياسية الكبري واحزابها ليس بها مركز واحد - ولا اقول مراكز متعددة - للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ، تدرس وتحلل وتقدم لتيارها اجتهادها العلمي؟
فالسياسة لم تعد رأي فردي لرئيس الحزب او لجنته المركزية ، مما يعطي النقاش السياسي في مصر خصباً مفتقداً ، ويقدم البدائل ويفتح المسالك الجديدة وينير الطريق أمام أجيال جديدة تنظر حولها .. ولا تري شيئاً !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا